افيف كوخافي وتحديات تطوير الجيش الاسرائيلي :
المشاكل الهيكلية في الجيش الاسرائيلي:
منذ إقامة اسرائيل ، ارتكزت العقيدة العسكرية الإسرائيلية على توجيه ضربات جوية خاطفة في عمق أراضي العدو، وهذا ما انعكس على التركيز دائما على تحديث القوات الجوية، وانعكس ذلك على إهمال نسبي للقوات البرية. ويتوقع الإدراك الإسرائيلي للمفاهيم الجديدة حول مستقبل الحرب أنه لن تكون هناك “حروب كبيرة وعالية الشدة” في المستقبل، وفي حالة حدوث مثل هذه الحروب فإنه ينبغي الاعتماد على القوات الجوية لتدمير أهداف العدو، اعتمادا على معلومات استخبارية دقيقة. وجاءت المواجهات العسكرية الكبيرة التي خاضها الجيش الاسرائيلي في العام 2006 ضد حزب الله اللبناني، لتؤكد عدم مصداقية تلك النظرية، وهذا ما أكدته لجنة فينوجراد التي شكلت للتحقيق في نتائج الحرب (٤).
وتأكدت هذه الفرضية خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من عام ٢٠١٨ عند قيام الجيش الإسرائيلي بأكثر من عملية هجومية على قطاع غزة، بدأت وانتهت دون أهداف واضحة، والقيام بعملية “درع الشمال” على الحدود مع لبنان لهدم أنفاق تمتد هجومية تابعة لـ”حزب الله”، بجانب ضربات جوية متفرقة في سوريا. وبغض النظر عن حقيقة الأهداف الإسرائيلية من هذه العمليات العسكرية، فإنها أثارت حالة من الجدل داخل إسرائيل حول مدى استعداد جيش الدفاع الإسرائيلي للحرب في الوقت الحالي.
وكشف تقرير مراقب الجيش الجنرال حاغاي تننباوم، عن وجود عدة مشاكل في الجيش، وانتقد أداء سلاح المدرعات وكشف عن وجود عدة مشاكل في الأذرع الأخرى. وجاء في التقرير أن الجيش الإسرائيلي، خصوصا سلاح المدرعات غير مستعد للحرب. وخطط الحرب غير متناسقة، وأن الخطط العملياتية غير ملائمة لخطط الدعم اللوجستي الميداني. وهناك نقص حاد في القوى البشرية، وخصوصا الجنود المحاربين في الألوية القتالية. وأشار إلى وجود مشاكل في استعدادات الجيش الإسرائيلي للحرب، خصوصا في كفاءة آليات سلاح المدرعات، وانتشار ظاهرة الإهمال بين الجنود في متابعة الإشراف على المعدات العسكرية والاهتمام بها (٥).
وكشف تقرير مراقب الدولة يوسف شابيرا عن ثغرات في جهوزية الجيش الإسرائيلي لأوقات الطوارئ، وتعتبر الوحدة 9900 ، التابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية، من الوحدات التي تعاني من ثغرات خطيرة، حيث تتمحور مهمتها في جمع المعلومات الاستخبارية الجوية، التي تخدم القوات المقاتلة على الأرض، بمساعدة الطائرات الجوية الخاصة والأقمار الصناعية، الأمر الذي يساعد في بلورة الصورة الاستخبارية الكاملة، التي تخدم المستويين التكتيكي والاستراتيجي في الجيش الإسرائيلي (٦).
ومن جهته حذر مفوض شكاوى الجنود في الجيش الإسرائيلي، الجنرال يتسحاق بريك، من أزمات داخل الجيش، ووصفه بأنه “تنظيم متوسط المستوى ويعاني من تآكل إثر أعباء أثقل مما ينبغي تفرضها مهمات، وعدم إلتفات القيادة العليا للمشاكل، ووجود أزمة معنوية بين الضباط الشبان، الذين لم يعودوا معنيين بالالتزام بالتوقيع على فترة جديدة للخدمة الدائمة بسبب الوضع في الوحدات العسكرية. وتراجع الجاهزية لدى الجيش فيما يتعلق بحجم التدريبات التي يخوضها. وحذر من الخطة العسكرية المتعددة السنوات، المعروفة باسم “غدعون”، التي تنص على تسريح ضباط من الخدمة الدائمة، في سن 28 عاما أو 35 عاما أو 42 عاما، مشيرا إلى أن حجم هذه الأزمة سيتضح بعد عدة سنوات. واعتبر ان تقليص 4000 وظيفة في الخدمة الدائمة، ونقل وظائف من القوات البرية إلى وحدات الاستخبارات والسايبر والتكنولوجيا تسبب “بتراجع كبير في صفوف العسكريين، تمثل بالسطحية والضحالة في تنفيذ المهمات. كما يوجد تراجع كبير في حافزية الخدمة العسكرية. كل هذه الإشكاليات تضع تحديات أمام الجيش في القيام بالمهام في ساعات الطوارئ، بالتزامن مع تراجع دافعية الجنود والضباط لتمديد فترة بقائهم في صفوف الجيش لمدة زمنية أطول، لا سيما في الجهاز التكنولوجي وأدت إلى تدهور خطير في قدرة الجيش الإسرائيلي على تنفيذ مهماته وتضررت جهوزيته للحرب (٧).
خطط كوخافي لتطوير الجيش الاسرائيلي :
يتولى أفيف كوخافي قيادة الجيش الاسرائيلي في وقت وجهت فيه الاتهامات لرئيس الأركان السابق غادي إيزنكوت بالمسؤولية عن تراجع القوة العسكرية الاسرائيلية وترسيخ عقيدة عسكرية سلبية، أفقدت الجيش هيبته وقوة ردعه ، وخلق فجوة كبيرة بينه وبين ضباطه وقياداته العسكرية، نتيجة لاختلاف وجهات النظر حول قضايا وملفات مهمة، لعل أهمها الامتناع عن القيام بأي عمل عسكري كبير على الجبهتين الشمالية والجنوبية، لمواجهة الأخطار المحدقة باسرائيل، والاكتفاء بعمليات عسكرية محدودة وسرية، وفق توجهات آيزنكوت ونتنياهو، وهو ما عزز الشكوك حول قدرات الجيش الاسرائيلي واستعداداته لخوض مواجهات عسكرية كبرى، وافتقاده لروح المبادرة والمفاجأة، مما أثر بالسلب على الروح المعنوية للجيش الإسرائيلي، بصورة عامة، وتراجع الرغبة لدى الشباب في الانضمام للجيش الاسرائيلي، بصورة خاصة.
ومنذ العام 1982، لم يقاتل الجيش الاسرائيلي حربا تقليدية واسعة النطاق ضد جيش نظامي بالمفهوم التقليدي، واقتصرت المواجهات على مفهوم حرب العصابات في مواجهة مجموعات عسكرية غير نظامية، على كافة الجبهات. وتشير معظم الاحتمالات الى استمرار هذا التوجه، في ظل غياب الجيوش التقليدية المعادية. مع ارتفاع احتمالية التوجه الى مواجهة عسكرية كبيرة مع الجيوش الغير نظامية ، على الجبهتين الشمالية والجنوبية، وهذا ما يتطلب الاستعداد لهذا الاحتمال، وفق عقيدة قتالية مختلفة يمكن استنادا اليها، تجاوز اخطاء المواجهات التي خاضها الجيش الاسرائيلي في السنوات الاخيرة. (٨)
وبالرغم من ان “خطة غدعون” الاستراتيجية للجيش الإسرائيلي عام ٢٠١٨، اعتمدت توجيه ضربة متعددة الابعاد، تدمج بين توجيه ضربات جوية دقيقة ومكثفة ضد العدو وتنفيذ مناورة برية سريعة وفتاكة ومرنة. الا انه وخلال المواجهات الأخيرة التي خاضتها إسرائيل فضلت استخدام سلاح الجو والمدفعية، وكانت مترددة وحذرة جدا في استخدام القوات البرية. وبالتالي فان على رئيس الأركان الجديد فحص قدرات الجيش الإسرائيلي على القيام بمناورة برية واسعة، طويلة الأمد. (٩).
ولقد استند المذهب العسكري الاسرائيلي التقليدي على النوعية والتطور في بناء القوة العسكرية، واستمرار الاعتماد على القوات الجوية كقوة ضاربة رئيسية، وإعادة بناء القوات البرية، بما يعزز القدرة على القيام بالضربة الاستباقية الاجهاضية ونقل الحرب إلى أرض العدو، وفق أسلوب الحرب الخاطفة والقدرة على القتال في أكثر من جبهة (١٠).
وجاءت التحولات الحالية التي تشهدها المؤسسة العسكرية الاسرائيلية على كافة الأصعدة، التكنولوجية والاستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية، لتدفع بإتجاه ضرورة تسريع عملية التغيير الجذري في سياسة الأمن الإسرائيلية وفي خطط بناء القوات، خاصة وأنها ترتبط بالتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما ترتبط بتحولات الوضع الاستراتيجي في المنطقة.
الاستراتيجية القتالية الرباعية الأبعاد :
رسم افيف كوخافي رئيس الاركان الجديد خطوطا عريضة لصورة العقيدة القتالية الجديدة للجيش الاسرائيلي للسنوات المقبلة ترتكز على مبدأ ايقاع الهزيمة بالعدو من خلال القضاء على مقدراته العسكرية ومشغليها من فوق الارض (ومن تحتها) من بعيد، بواسطة سلاح فتاك ودقيق – ثمرة التفوق التكنولوجي الاسرائيلي. وتعبر النجاعة والفتك عن التطلع للوصول الى الحسم في الحرب التالية بأسرع وقت ممكن “بثمن زهيد” وبمستويات من الدقة الاعلى للغاية. الدقة ضرورية، ضمن امور اخرى، من اجل شل فعالية “مركز الثقل” وسلاح جيوش الارهاب اي السكان المدنيين. وبسبب الرغبة في الامتناع عن المس بهم، لم يتمكن الجيش الاسرائيلي حتى الان من استغلال كامل قواته وقدراته كي ينهي معاركه بسرعة، ويقصر فترة معاناة مواطني اسرائيل ومعاناة مواطني العدو على حد سواء.
وتهدف خطة التطوير إلى إعادة النظر في مفهوم الأمن الإسرائيلي، وفي هيكلة الجيش، قيادةً وتشكيلات، والانتقال بالقوة المسلحة من حالة الحرب حكماً وحتماً إلى حالة الحرب أو اللاحرب احتمالاً، ومن القرن العشرين الزاخر بالحروب والنزاعات المسلحة إلى القرن الحادي والعشرين المتميز بالعولمة والفضائيات وثورة المعلومات ومن مذهب عسكري تقليدي يعتمد على النيران والتشكيلات العسكرية الكبيرة إلى مذهب عسكري يزداد اعتماده على الابتكارات التقنية والصاروخية والفضائية القادرة على الإسهام في شؤون الحرب وتصنيع أسلحة دقيقة ذكية تتولى صد هجوم محتمل من مدى بعيد.
سوف يتجه الجيش الإسرائيلي في المرحلة القادمة إلى الحفاظ على حجمه وتفوقه البشري والنوعي والتسليحي والتقني، ليصبح أكثر ذكاءً، وترمي خطة تطوير الجيش الإسرائيلي إلى تحديث الجيش وتحسين نوعيته وتعزيز تفوقه من خلال توظيف الطاقات العلمية والثقافية الإسرائيلية وتشغيلها في مشروعات تطوير الأسلحة وتوسيع دائرة الاكتفاء الذاتي من حاجة الجيش إلى الأسلحة والاعتدة بمختلف أنواعها.
كما ان تكيف الجيش وفق العصر السيبراني لجديد هو تحدٍ لا يمكن التقليل من أهميته ومن تعقيده، وهو سيرافق كوخافى طوال سنوات عمله، خاصة في السنة الاولى حيث ينتظره قرارين هامين، الأول يتعلق بالطائرات المستقبلية فى الجيش الإسرائيلى، والثاني يتعلق بشراء إضافى كبير لصواريخ أرض ــ أرض دقيقة التى يصل مداها إلى 150 كيلومترا، ومن الجدير بالذكر فإن كوخافى من بين الذين أيدوا خطة وزير الدفاع ليبرمان للتزود بهذا السلاح الدقيق جدا من إنتاج شركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية. ومن المفترض أن يأمر كوخافى بشراء كميات كبيرة من الصواريخ من أجل استكمال رؤية إنشاء «سلاح للصواريخ»، ومن أجل القيام بهجمات دقيقة على أهداف دقيقة وبعيدة، من دون الحاجة إلى طائرات معرضة لخطر الصواريخ المضادة للطائرات الأكثر تطورا (١١).
ومن المنتظر ان تشهد القوات البرية الإسرائيلية تحول كبير في السنوات المقبلة مع تعزيز الكتائب وفق استراتيجية القتال الرباعي الأبعاد في مواجهة الخبرات التي راكمها حزب الله بنسخته الحديثة السريعة والمتنقلة والضاربة، والثقة” والقدرة التشغيلية العالية التي اكتسبها الحزب من مشاركته في الحرب السورية طوال السنوات الماضية. واستطاع الحزب تطوير ترسانة جديدة من الأسلحة تتضمن أجهزة رؤية ليلية عالية الجودة، أجهزة الكترونية قتالية، مئات الطائرات من دون طيار، قذائف ثقيلة وصواريخ قادرة على حمل نصف طن من المتفجرات، بالإضافة إلى القدرات الجديدة المكتسبة كالمناورة في أرض العدو وإعادة تشكيل القوات بسرعة كبيرة.
وتعتمد الاستراتيجية الرباعية الأبعاد للقوات البرية على المشاركة في القتال فوق الأرض وتحتها والحرب الالكترونية، وإشاء شبكة استخبارية “غير مرئية” في ساحة المعركة بهدف جمع المعلومات معتمدةً “على طائرات استطلاع قادرة على رصد أي شيء يصدر عنه إشارة”، ما يؤدي على الفور إلى تحديد موقع الهدف بشكل آلي وتشغيل نظام عسكري مضاد يستخدم قذائف ذكية يمكن التحكم بها أثناء طيرانها بهامش خطأ لا يتعدى الخمسة أمتار. وتحويل سلاح المدفعية بالكامل إلى استخدام القذائف “ذكية التوجيه”. وكل وحدة قتالية في سلاح البر سيتم تزويدها ببطارية دفاع جوي لتواجه الهجمات الصاروخية والانتحارية، الطائرات من دون طيار، كما أنّ كل وحدة تابعة لسلاح الجو تكون حاضرة في المعركة ستستخدم مطاراً صغيراً مع فريق متكامل للسيطرة يقوم بالتنسيق مع القوات البرية. هذه القوات المشتركة بين الجو والبر سيغطيان منطقة عمليات يصل ارتفاعها حتى ثلاثة آلاف قدم، أما ما فوق ذلك فسيكون من مسؤولية سلاح الجو وحده. وتقوم الاستراتيجية الجديدة على تزويد كل كتيبة هندسية بمجموعة خاصة للتعامل مع الأنفاق حيث سيتم تعزيز وحدة “ياهالوم” النخبوية، مع توافر قدرات لوجيسيتية ومنظومة اتصالات مستقلة. وفي غضون عام، سيشهد الجيش الإسرائيلي تحولاً على صعيد تزويد قواته في الميدان بمعلومات استخبارية آنية، مع الإشارة إلى أن تقرير يديعوت يتحدث أيضاً عن 400 جندي تم نشرهم في الجولان بهدف محاكاة قدرات حزب الله حالياً.
وسيواجه رئيس الاركان الجديد افيف كوخافي تحدي تطوير القوات البرية وفق ما جاء في التوصيات التي قدمها الجنرال يتسحاق بريك، بالإضافة إلى اقتراحات التطوير التي جاءت في استراتيجية الجيش الإسرائيلي التي أُعلن عنها في عام 2015، والتي تقوم على عدة أسس، أهمها:
1 – تضمين الاستراتيجية القتالية للجيش الإسرائيلي مبادئ أساسية في أي مواجهة يخوضها على أكثر من جبهة في آن واحد، هي: الإنذار، والردع، والحسم، والانتصار الساحق في المعركة، وهذان الأخيران يعتمدان على القوات البرية بشكل أساسي.
2 – تكوين أطقم جديدة للدبابات الحديثة، وتطوير التدريب عليها، مع استمرار إنتاج الدبابة ميركافا-4 بمعدل 30% سنويًّا، وزيادة الاعتماد عليها كدبابة رئيسية للقتال.
3 – تقوية سلاح المشاة وتطوير التدريبات الخاصة به للارتقاء بالمستوى العملياتي للقوات المقاتلة.
4 – تطوير نظام حماية فعال للصواريخ المضادة للدبابات. وهذا النظام لا يتضمن حماية مضادة، بل إطلاق نيران هجومية اعتراضية، ليمنع القذائف المضادة للدبابات من الوصول للدبابة أو للمركبة المدرعة، مثل: نظامي ثيل، وماثيل.
5 – إدخال تحسينات وتطويرات على أكثر من 100 مركبة مدرعة، وزيادة قدراتها التحصينية.
6 – التوازن في الخطط العسكرية للعمليات البرية بين الدبابة والمركبات المدرعة المختلفة، بما يعني التخلي عن مبدأ “شمولية الدبابة”، خاصة وأن مسارح العمليات التي تمثل تهديدًا لإسرائيل تتطلب سرعة وخفة في الحركة، وهذا يتوافر في المركبات المدرعة بدرجة أكبر نسبيًّا من الدبابات. ومن شأن هذا التوازن أن يُمكّن قوات المشاة والوحدات المدرعة من الاقتحام السريع لمسرح العمليات، ويسمح بمعدل تقدم أسرع.
7 – إعادة تشكيل القوات البرية لتصبح كل فرقة مكونة من: لواء للتخطيط وبناء القوة، لواء مشاة، لواء مدرعات، لواء تكنولوجي، بالإضافة إلى وحدة للدعم اللوجستي، وذلك بدءًا من عام 2008 على إثر عملية المراجعة.
* د. يوسف يونس، نائب رئيس مجلس ادارة مركز الناطور للدراسات والابحاث، باحث مختص في الشؤون الاقليمية.
www.natourcenter.com
[email protected]
[email protected]
يتبع الجزء الثالث