قدم الدكتور رامي الحمد الله استقالة حكومته، وكما هو مألوف في استقالات الحكومات الفلسطينية وتشكيلها، فقد بدأت لجنة من حركة "فتح" حواراً مع فصائل منظمة التحرير، لإقناعها بالمشاركة في الحكومة البديلة، كي تتطابق الصيغة مع العنوان، أي أن تكون فعلاً "حكومة فصائل".
ما سرب من أخبار عن المشاورات الأولية يشير إلى أن ما يجري مع الفصائل التاريخية (الجبهتين الشعبية والديمقراطية" يشبه المزاد... إذ عرضت إغراءات مالية؛ كمضاعفة المخصصات، وتحسين الوضع داخل اللجنة التنفيذية، مع حقائب وزارية كثيرة بعضها أساسي ومهم، وحتى الآن لا تزال الجبهتان التوأم ترفضان الإغراءات وتشهران موقفاً مختلفاً، فهما تريدان حكومة وحدة وطنية بما يعني اشتراك "حماس" أولاً و"الجهاد الإسلامي" إن أمكن، وأن تكون مهمتها الأساسية إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، وهذا يمكن وصفه بالاشتراط التعجيزي، خصوصاً بعد وصول محادثات المصالحة إلى طريق مسدود، وتصاعد الإدانات المتبادلة والاتهامات بالتخوين بين قطبي الانقسام، مما أوصل الحالة بين الضفة وغزة إلى واقع الانفصال وليس مجرد الاختلاف والانقسام.
ومن خلال متابعتي ردود الفعل على استقالة الحكومة المسماة "حكومة الوفاق"، والاتجاه إلى تشكيل حكومة سياسية فصائلية، فإن نسبة المتحفظين على الفكرة ولا يرونها ضرورية على الأقل في هذا الوقت، أعلى بكثير من المتفهمين لها، ناهيك بأن نسبة كبيرة من الجمهور حيّدت نفسها منذ زمن طويل عن هذا الشأن السلطوي بالإهمال وإدارة الظهر لكل ما يتصل به.
وإلى جانب مقاطعة الفصائل الأساسية؛ أي تلك التي تسمى "فصائل النصاب السياسي (الديمقراطية، والشعبية)"، فهنالك خطأ تكتيكي فادح وقع فيه أصحاب فكرة استبدال الحكومة، وهو أنهم وضعوا العربة أمام الحصان؛ بمعنى أنه كان منطقياً بل وبديهياً أن تبدأ المشاورات مع الفصائل التي سيطْبع اسمها على التشكيل العتيد، قبل الإعلان عن استقالة حكومة الحمد الله في أول إجراء لتشكيل الحكومة البديلة، فإن تم التوصل إلى تفاهم واتفاق حول التشكيل الجديد، تبدأ الإجراءات لتمضي الأمور على طريق ممهد، وإن لم يتم التفاهم تؤجل الفكرة أو تلغى التسمية أو يستبدل بها تكليف حكومة الحمد الله بإجراء الانتخابات وفق قرار المحكمة الدستورية، وبالتعاون مع لجنة الانتخابات المركزية، دون إغلاق الأبواب أمام تفاهم شامل تنضم إليه حركة "حماس" والفصائل الأخرى حول نقطة واحدة هي الانتخابات، التي لا غنى عن دور مصري في التهيئة لها ورعايتها، ولا بأس بأن يجري تعاون مع جامعة الدول العربية في هذا الأمر.
كذلك، فإن تبرير الدخول إلى هذه المحاولة الصعبة وغير المضمونة يبدو غير منطقي، كقول بعض الفتحاويين إن حكومة الحمد الله فشلت في تحقيق ما كان مطلوباً منها، وإن حكومة الفصائل المقترحة؛ وعلى رأسها "فتح"، ستواجه التحديات من موقع أقوى.
حكومة الحمد الله كانت أكبر حكومة فلسطينية تم تشكيلها منذ أوسلو ولاءً لـ"فتح" وامتثالاً لقراراتها وتوجهاتها، ولم يفوّت الرئيس عباس مناسبة إلا وأفصح عن أنها حكومته، وأن رئيسها وأعضاءها لم يكونوا ليضعوا خيطاً في إبرة دون أوامره وتعليماته، ومحمود عباس إن لم يكن هو "فتح" كلها؛ فهو رئيسها وقائدها العام، لذا فإن اعتبارها فاشلة لمجرد تبرير استبدالها ليس بالمنطق الموضوعي والمقنع، بل إن له آثاراً مؤجلة وقد تكون كارثية إذا ما فشلت الحكومة البديلة في اجتراح معجزة إخراج الحالة الفلسطينية من مأزقها المركب، خصوصاً أن تحدي الانقسام ما زال ماثلاً وفرص إنهائه تبتعد، وخصوصاً أيضاً أن الإجراءات الإسرائيلية تسابق الزمن على الأرض لاستقبال صفقة القرن بوضع مواتٍ تماماً لإسرائيل ومناقضٍ تماماً للمصالح الفلسطينية، فهذا سيكون اختباراً للحكومة السياسية الفصائلية، والذي سيضع علامات النجاح أو الإخفاق فيه هو الشعب الفلسطيني الذي يراقب ويعاني.
البعض، ولا أثق بصدقية معلوماته، قال لي قبل كتابة هذه المقالة بوقت قصير، إن هنالك احتمالاً ثالثاً يجري التداول حوله في أوساط "فتح" والرئاسة، وهو التوصل إلى حل وسط يشبه الحل الذي تم التوصل إليه لمعالجة أزمة الضمان الاجتماعي ولكن بأسلوب مختلف؛ حيث يطول أمد المشاورات ويطول بقاء حكومة الحمد الله لتسيير الأمور، وقد تسفر العملية كلها عن بقاء الحمد الله أو حتى استبداله مع تطعيم الحكومة بوزراء جدد من الفصائل الصغيرة، وإذا كان هذا محتملاً أو جدياً؛ فساعتئذ سيتوقف الحديث عن حكومة فصائلية، فلن تكون كذلك لا من حيث الصيغة ولا الاسم.
وهنالك قول مشتق من التجارب السابقة يتصل بموقف "الجبهة الديمقراطية"؛ فهل هي حقاً ستمضي في رفض ما هو معروض عليها؛ أم إنها تفكر في الأمر وتسلك نهجاً لعلها تحقق به أكثر؟
نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني