عبر التاريخ الحديث ... وتاريخ الصراع ... ومنذ تأسيس دولة الكيان ونحن نستنزف بكل ما لدينا ... وبما نمتلك ... وبما نستطيع .
استنزافنا من دولة الاحتلال ... كما استنزافنا من الحليف الامريكي الداعم للاحتلال ... ولكن العجيب في أمرنا ... والغريب بحالنا ... وفعل الشيطان الداخل بنا أن نستنزف أنفسنا ... وان ندلل على ان تجربتنا لم يتم الاستفادة منها ... وان استخلاصاتها مجرد وهم ... وان محاولة تصويب فكرنا ومنهجية عملنا وحتى ممارستنا لا زالت تضل طريقها .
هناك استنزاف لمشاعرنا ... أمالنا ... طموحنا ... استنزاف لحياتنا وادميتنا ... استنزاف لوطنية كل منا ... وحقنا المشروع في العيش في ظل دولة محكومة بالقانون ... وليس بسيادة منقوصة ... وبشعارات وتصريحات ليس لها علاقة بواقع الحال .
الاستنزاف هو الذي أوصلنا الى نسبة بطالة مرتفعة ... والى عشرات الاف الخريجين العاطلين عن العمل .... وعشرات الالاف من العمال الذين لا يجدون فرصة عمل ... والى هذه النسبة المرتفعة من الامراض المزمنة العضوية والنفسية ... والى هذه النسبة المرتفعة من الادمان والانحراف ... الاستنزاف الذي اوصلنا الى حالة اليأس والاحباط والمكابرة على رؤية الحقيقة .
الاستنزاف الذي اوصلنا الى معدلات فقر مرتفعة ... والى حالة انسانية كارثية بتفاصيلها التي لا نريد قولها ... والتي نخجل من الحديث عنها .
فهل هذا الاستنزاف من العدو المحتل لارضنا ؟!!! ام ان هناك من الاستنزاف ما نقوم به ضد بعضنا البعض ... حتى لم نعد نفرق ونميز ما بين الخط الابيض والاسود !!!!
لم نعد نرى ونسمع ما يدلل على ان التجربة بكل مرارتها وقسوتها قد تم الاستفادة منها ... وان هناك من استخلاصات التجربة التي عملت على تصويب الفكر والممارسة ... بل لا زالت هناك ثقافة خاصة لمنهجية فكر سياسي قائم على الخلاف والاختلاف .... بأكثر من الاتفاق والوفاق.
لا يوجد فصيل وأخر على اتفاق وتوافق ... وقد نرى بمرحلة او بموقف ما يوحي لنا بالاتفاق والتوافق ... لكنه الاختلاف بنسبته الاكبر الظاهر منه والباطن هو حقيقة الصورة القائمة في علاقات هذه القوى والتي من المفترض ان تكون على اتفاق ووئام وعمل مشترك في ظل حقوقنا التي لا زالت ضائعة .... وارضنا التي لا زالت مسلوبة .. وشعبنا الذي لا زال يستنزف بمقومات حياته وصموده .
ثقافة المزايدات ... وادعاء امتلاك ناصية الحقيقة .... تبدو انها ظاهرة فلسطينية بامتياز شعر بها الاصدقاء ... كما عاشها شعبنا الذي تستنزف طاقاته في ظل الزمن الضائع ... والصورة القاتمة .. والمضمون المتضارب ... والذي نأمل برؤيته منظما ومتناسقا ... حتى يراه العالم بأسره ... والاهم ان يراه شعبنا حتى يفخر ويعتز ... وان يتأكد ان تضحياته وصموده قد اثمرت واسفرت عن نتائج ايجابية .
طاقات تهدر وامكانيات ضائعة ... وضرب للحالة المعنوية ... وزعزعة لمقومات الصمود .. أي ان هناك استنزاف حقيقي ... قد لا يراه البعض ... وقد يراه البعض الاخر ... لكنه بالمجمل حالة استنزاف من المفترض ان يشعر بها اولا تلك القوى والفصائل ... والتي تشارك بطريقة او بأخرى بحالة الاستنزاف ... دون دراية ومعرفة ودون وقفة جادة لمحاسبة نفسها ... وكأنها فوق المحاسبة والمراجعة وتصويب الموقف .
فهل الفصائل والقوى تعمل ... او تحاول ايجاد الحلول باتجاه وقف الاستنزاف ؟!!!
ام ان الفصائل ترى في الاعلام وسياسة الرفض والمناكفات والتجاذبات سدا منيعا ... وخروجا أمنا من تهمة الاستنزاف ؟!!!
من يرفضون حكومة التوافق ... هم ذاتهم من يرفضون حكومة الفصائل ... وهم بذاتهم من سيرفضون حكومة الوحدة الوطنية !!! أي انهم جماعة الرفض بكل مكان وزمان ومهما كان الموضوع او الملف او الهدف ... لانهم لا يمتلكون الا قدرة الرفض !!!! ولا يمتلكون قدرة العمل وتحمل المسؤولية !!!!
المشهد الفلسطيني الداخلي ... يشكل اعلى درجات الاستنزاف العام وبكافة المناحي والمستويات ... ليبقى السؤال الملح .. لماذا نستخدم الاستنزاف وهو يشكل الخطر الكبير علينا ؟!!! وهل يعتقد المعارضون ان باستنزافهم نجاح للمعارضة ؟!!! .
في السياسة استنزاف ... وفي الميدان استنزاف ... في الاقتصاد استنزاف ... والاهم استنزاف الانسان ... ونحن نرى ونلمس هذه الحالة الكارثية المأساوية التي يعيشها الانسان الفلسطيني وكأن الفصائل لا ترى ولا تسمع مع انها يجب ان تكون من المعالجين ... وليس المتسببين بفكرهم الخاطئ ... ومواقفهم السلبية في صناعة أزمة !!!! ولكن واجبهم ان يكونوا مشاركين في حل ازمة !!!
اصبحنا لا نستطيع ان نفهم ... او نتفهم .... هذه الحالة من الفوضى بالمواقف والتي تستند على ظاهرة الاستنزاف .... ولا تعتمد على ظاهرة الاتفاق والتوافق والوحدة .
لقد طال الاستنزاف واخذ مداه ... ولم يعد هناك الكثير مما يمكن استنزافه ... ولا نعرف الى اين يمكن ان نصل حتى نعود الى رشدنا ... وان نوقف سياسة الاستنزاف ؟!!!
بقلم/ وفيق زنداح