تلقيتُ اتصالاً عاجلاً من إحدى المستشفيات الأهلية في قطاع غزة تُخبرني بأن طفلاً عمره لا يتجاوز بضعة شهور يحتاج عملية عاجلة وإلا فإنه سيُصاب بفشل كلوي، وأهل الطفل لا يملكون قوت يومهم ولا يستطيعون تغطية النفقات الخاصة بإجراء العملية، دون تردد وافقت على تغطية نفقات إجراء العملية.
كان بجواري الصديق أدهم أبو سلمية الذي اقترح القيام بحملة أنقذوا مرضى غزة لتسليط الضوء على أوضاع المرضى على قوائم انتظار ضحايا الحصار، والطلب عبر منصات التواصل الاجتماعي كفالة علاج المرضى، وضعنا هدفاً 5 عمليات جراحية كتجربة، وفي أقل من 48 ساعة وبمساهمات أهل خير من السعودية وقطر والكويت والأردن تم جمع مبلغ لتغطية 30 عملية جراحية في قطاع غزة، التفاعل الكبير مع الحملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتسليط الضوء عليها من بعض القنوات الفضائية أعطى زخماً عززه مصداقية وسرعة تنفيذ العمليات من قبل فريق التنفيذ في قطاع غزة، هذا جزء من الحكاية فما أصل الحكاية؟
ترزح غزة تحت حصار بري وبحري وجوي منذ ما يزيد عن ثلاثة عشر عاماً، أثَّر سلباً على قدرة القطاع الصحي في غزة على تقديم الخدمة الصحية للمرضى نتيجة عدم توفر الأدوية والمستهلكات الطبية التي يصل عجز مستودعاتها إلى ما يزيد عن 30% أحياناً، بالإضافة إلى انتهاء صلاحية عدد كبير من الأجهزة الطبية المتوفرة في مستشفيات وزارة الصحة، كما أثر انقطاع التيار الكهربي وشح الوقود على قدرة المستشفيات في إجراء العمليات الجراحية وباتت معظم مستشفيات قطاع غزة مهددة بالتوقف.
نقصٌ في الأدوية والمستهلكات وانقطاع للتيار الكهربي وتهالك الأجهزة الطبية بالإضافة لنقص امدادات الوقود ضخمت أعداد المرضى على قوائم انتظار المستشفيات الحكومية، قوائم ينتظم فيها أسماء المرضى حتى العام 2020 انتظاراً لدورهم، فيضطر المواطن من أصحاب الحالات المستعجلة إلى الذهاب لمستشفيات القطاع الخاص لإجراء العملية فيصطدم بواقع عدم قدرته على تغطية تكاليف إجراء العملية الجراحية، فغزة التي باتت تُعرف باسم منطقة المليون فقير يعتمدون بشكل أساسي على المساعدات المقدمة من المؤسسات الدولية، يُطحن المواطن فيها بين حصار لا يرحم وبطالة تسلب منه القدرة على الإيفاء بمتطلبات حياته اليومية المعتادة فكيف بالطارئة والمستعجلة التي تأتي دون ترتيب وحساب.
لا أنسى ذات يوم مريضا اتصل بي باكياً شاكياً، قال كنت قد ذهبت للمعاينة في مستشفى العيون بغزة وتقرر لي عملية آجلة رغم صعوبة الرؤية لدي ولكن بحكم المضطر قبلت لأن انتظر 6 شهور حتى يأتي دوري، حين اقترب موعد عمليتي أُبلغت من المستشفى بإعادة جدولة العملية لستة شهور أخرى، لك أن تتخيل معاناة طاعن في السن مثلي اجتمع عليه الكبر وصعوبة الرؤية حتى اقتربت من فقد بصري، ذهبت لمستشفى خاص فطلب مني مبلغاً كبيراً لا أقدر عليه، نصحوني بالذهاب لمستشفى أهلي فأخبروني بإمكان إجراء العملية بنصف الثمن، يا بني أنا لا أملك ثمن الطعام لبيتي وما أحتكم عليه كان قطعة من ذهب لزوجتي بعناها لتسديد جزء من رسوم ابنتي الجامعية، ابنتي متفوقة ولا أريد أن أخذلها، ولكن أنا الآن أحتاج إجراء العملية، أنا لا اطلب منك مالاً مباشراً ولكن أريدك مساعدتي بمن يُغطي لي رسومها لدى المستشفى.
صمتُّ قليلاً وأنا أتخيل ابنته التي ستتخرج ولكن والدها قد فقد بصره فلا هو شاهد فرحتها بالتخرج ولا هي استطاعت الفرح فعقدة أن والدها قد ضحى ببصرة ليدفع رسومها الدراسية ستلازمها مدى الحياة، وكان يومها القرار دون تأخير بتغطية رسوم العملية.
غزة التي تأِنُّ من الوجع، يمثل صندوق المريض الفقير أو تغطية العمليات الجراحية ضمن خمس أولويات متفق عليها من قبل المؤسسات الإنسانية العاملة في قطاع غزة، واكتسب أهمية كبرى مع زيادة أعداد مصابي مسيرات العودة وتنوع العمليات الجراحية ذات الاحتياج فالإصابات معقّدة جدا، وتتطلب تدخلات جراحية متعددة، فهناك حالات كانت تعاني من تفتت في الأنسجة والعظام.
ووفق وزارة الصحة فقد تم إصابة 5866 جريحا بالرصاص الحي، في منطقة الساق، “ونتيجة لذلك يعاني 50 في المئة منهم من كسور مفتوحة، بينما يعاني كثيرون آخرون من ضرر بالغ في الأنسجة الرخوة
إذا فالحملة تكتسب أهمية من حاجة الميدان لها وكونها تساهم في انقاذ حياة مرضى وجرحى غزة، هي دعوة للتفاعل بالنشر والتغريد والتبرع لصالح الحملة وخاصة أن بعض الجراحات كجراحات الأطفال تطول قوائمها إلى سبتمبر من العام 2019، كما أن عمليات المياه البيضاء بمستشفى العيون تطول قوائمها إلى نهاية العام المقبل، إضافة الى قوائم جراحة الأعصاب في مستشفى الأوروبي التي تمتد إلى 2020,وبعض الجراحات العامة التي تصل إلى يونيو 2019.
غزة ومرضاها بانتظار أفعالكم قبل كلماتكم فالزهور تنمو وتتفتح بالماء لا بصوت الرعد، والأمل في فعل الأمة ومكوناتها كبير، فكونوا على قدر المسؤولية وتحمل الواجب، ليشعر الفلسطيني في غزة بتضامنكم وأنكم عمق حقيقي له لم تنسوه في ظل اضطراب الإقليم، ولم تتركوه ينزف وحيداً لتعدد نزف الجراح.
بقلم/ محمد حسنة