رحتُ أتثائب ذات مساءٍ، بينما كنتُ منتظراً دوري في غرفةِ انتظارِ لعيادة طبيبٍ عام، في الغرفة رأيتُ امرأة تتثائب مثلي، العيادة كانت تفوح منها رائخة أدوية لا تطاق، ولهذا لا أحبّ الذهاب إلى العيادات، لم يكن غيرنا في تلك الغرفة، ورحت أشاهد ما تبثه إحدى المحطات الفضائية حول الأخبار المتعلقة بأزمة فنزويلا، كانت امرأةٌ أخرى متواجدة عند الطبيب، فأنا لا أحبّ الانتظار كثيرا، شعرتُ بأسى، حينما كنت أنظرُ صوب المرأة، التي ظلتْ تتثائب أمام عيني، كنتُ مترددا لكي أسألَها ماذا بكِ؟ رأيتها تنظر صوبي، فأدركتُ من عينيها بأنها امرأة أهلكها المرض.. هي امرأة جذّابة، لكن المرضَ أكل وجهها، وصار أصفر اللون، وجه شاحب، وفم صغير يتثائب لامرأة تنتظر دورها، كي يراها الطبيب.. رائحة الأدوية كادت تقتلني هناك.. كنتُ بينة الفينة والأخرى أذهب لأدّخن سيجارة وأعود.. الوقت كان يمرّ ببطء.. بقيت أنظر إلى المرأة، التي قتلتني بتثاؤيها، وحزنتُ عليها، فمن نظراتها، فهمتُ، وكأنها أرادتْ أن تقولَ لي تعبتُ من المرضِ.. كنتُ أنظر باستمرارٍ إلى ساعتي، وأقول: المرأة التي عند الطبيبِ ليستْ مريضةً مثلنا، أنا وهذه المسكينة الجالسة في غرفة انتظار عيادة لا يصلها إلا الفقراء..
فهذه المرأة، التي تتثئب أراها لا تستطيع الجلوس أكثر.. حاولتُ أكثر من مرة قرعَ بابِ غرفة الطبيب، لكنني كنتُ أتراجع .. ربما الطبيب كان مشغولا، أو أن المرأة مريضة بمرضٍ يأخذ وقتا لفحصها.. كنت أتمشى في الكاريدور، وأعود إلى مقعدي.. البناية كانت هادئة، وكأن سكان المدينة رحلوا.. أتمشى من وقت لآخر، وأعود وأجلس، وأنظر للمرأة الجالسة في غرفة انتظار عيادةٍ عابقة برائحة الأدوية، المرأة نظرتْ صوبي وقالت: لم أعد قادرة على انتظار دوري.. لقد تعبتْ.. يبدو أن الطبيب مشغول جدا .. وقفتْ المرأة، وسارتْ من أمامي .. نظرتْ صوبي، وقالت: أتعجبكَ رائحة الدواء هنا! ورحلتْ، أنتظرتُ في الممر، وقلت: رائحة الدواء.. لم أعد أشمّ أية رائحة هنا.. أشم رائحة الملل المجنون والانتظار..
عطا الله شاهين