عن مؤتمر “جامعة الدول العربية والقضية الفلسطينية: تحديات وفرص“

بقلم: أيوب عثمان

 لافتة على بابها مكتوبة باللغة العربية

.........................................

الاسم غالي والمربط خالي والهيكل "الجامعة العربية"

على مدار يومين، الأمس واليوم، 5 و6 فبراير 2019، تعقد جامعة الإسراء بغزة مؤتمراً بعنوان "جامعة الدول العربية والقضية الفلسطينية: تحديات وفرص". يعقد هذا المؤتمر تحت رعاية رجل الأعمال الفلسطيني، الدكتور/ عدنان مجلي، الذي لو قدر لي أن أكون مكانه، لما قبلت أن أرعى هذا المؤتمر، مبدياً استعدادي وسعادتي لرعاية  أي مؤتمر آخر قد يكون موضوعه مهماً للقضية الفلسطينية وصادقاً في تفاعله معها.

أجزم أن جامعة الدول العربية، إن لم تكن بالنسبة لنا - نحن الفلسطينيين والعرب - نَسْياً منسيا، فإن غالبية المثقفين العرب والفلسطينيين منهم - على وجه الخصوص - قد نسوها تماماً، ويكفي أن اسمها إنْ ذُكِر، فإنه لم يعد له وزن عندهم،  بل لعلي لا أبالغ إذا قلت إنني وكثيرين كثيرين مثلي قد باتوا يشعرون بالاشمئزاز والنفور من اسم هذه الجامعة العربية ومن زعمائها، لا سيما وهم يُستقبلون قادمين إلى اجتماعاتها أو وهم يُستقبلون كالفاتحين وهم عائدون إلى بلادهم عقب اجتماعاتها.

جامعة الدول العربية تاريخ طويل من الفشل على مدار خمسة وسبعين عاماً بدءاً من "بروتوكول الاسكندرية" الموقع في 7/10/1944، والذي تم تطويره إلى "جامعة الدول العربية "في 22/3/1945. في تاريخها الطويل  –ومنذ بداياتها – سارت هذه الجامعة (غير الجامعة) على عكس ما كان يجب أن تسير عليه، فجميع الاتحادات أو التجمعات أو التكتلات الإقليمية بدأت مسيرتها بالاقتصاد أولاً، ثم بعد أن يؤتي الاتحاد أو التجمع أو التكتل الاقتصادي أكله، فإنه يتحول أو يتطور إلى المستوى السياسي. ولكن، على عكس ذلك تماماً، سارت جامعتنا (غير الجامعة)، فبدأت مسيرتها بالسياسة وتعثرت ثم تعثرت كثيراً وازداد تعثرها فتراجعت وتراجعت إلى أن  فشلت لتعلن عن فشلها دون أن تعلنه، إذ أصبح واقعها يدل عليها، حيث لا حول لها ولا قوة.

إن مشكلة الجامعة العربية (غير الجامعة) هو أنها بدأت خطأ، واستمرت في البداية الخطأ دون أن تصوب أخطاءها وظلت تراكم الخطأ فوق الخطأ دون أن تنظر إلى ما حولها من تجارب النجاح فانتهت إلى ما انتهت إليه الآن، تماماً، كمن يستدين ويستدين ويظل يستدين ويراكم على حاله الدين إلى أن يصل إلى وضع يستحيل معه أن يتمكن من السداد. هكذا هو حال الجامعة العربية اليوم الذي ليس أمامها إلا أن تنقلب على ذاتها، كي تبدأ من جديد بِنيَّةٍ عربية عروبية خالصة تترجم وصفها بأنها "الجامعة العربية".

لم تقرأ الجامعة العربية على نحو عملي أن الاتحاد الأوروبي – على سبيل المثال -  قد انتقل إلى المستوى السياسي في تكتله بعد الجامعة العربية  بثمانية وأربعين عاماً، وتحديداً في عام 1991، حيث كان تكتله الاقتصادي قد بدأ عام 1951 تحت اسم "الجماعة الأوروبية للفحم الحجري والفولاذ"، إذ كان هدفها الأساس وضع هاتين المادتين الأساسيتين في صناعة الأسلحة تحت إشراف جمعي  لدول الاتحاد الأوروبي، لا سيما فرنسا وألمانيا. لم تقرأ الجامعة العربية أيضاً أن "الجماعة الأوروبية للفحم الحجري والفولاذ" قد طورها أصحابها (دول الاتحاد الأوروبي) فيما بعد إلى "الجمعية الاقتصادية الأوروبية" التي جعلت هدفها الأساس تطوير التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بين الدول الأوروبية الأعضاء في هذه الجمعية الذين كانت لديهم قناعة تامة أن تطوير المصالح الاقتصادية المشتركة وتطوير التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين دول هذه "الجمعية الاقتصادية الأوروبية" يسهم على نحو كبير وفعال في تقريب وتدعيم وتقوية العلاقات بين شعوب هذه الدول، ما ينتج عنه تجنيب هذه الدول المشاكل  والصراعات والحروب فيما بينها، فكان النجاح حليف هذه الدول، ما أدى إلى تطوير التكتل فيما بينها وتحوله من مستواه الاقتصادي الذي تم تدشينه عام 1951 إلى مستواه السياسي، فكان إنشاء الاتحاد الأوروبي عام 1992.

إن أمر الجامعة العربية التي أثبت التاريخ أنها ليست جامعة (ليست موحِّدة) لهو أمر غاية في العجائبية والغرائبية، فهي التي قلنا عنها آنفاً أنها تأسست عام 1944، أي قبل الاتحاد الأوروبي في مستواه السياسي بثمانية وأربعين عاماً!! وهي التي تأسست قبل ما يعرف باتحاد "النافتا NAFTA " North American Free Trade Agreement الذي يضم كندا والمكسيك إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية بخمسين عاماً كاملات، وهو اتحاد أو تكتل اقتصادي حقق نجاحات كبيرة، فضلاً عن أن أعضاءه قد أجْرَوْا على هذا التكتل بعض التعديل مؤخراً. وفوق ذلك، فالجامعة العربية أسست قبل ما يعرف بـ الميركسور MERCOSUR  بسبع وأربعين سنة (1991)، وهو اتحاد أو تكتل اقتصادي من عدد من دول أمريكا الجنوبية (الأرجنتين والبرازيل والبرجواي والأوروجواي وفنزويلا وبوليفيا والبيرو وتشيلي وكولومبيا والإكوادور). كل هذه التكتلات كانت – وما تزال – تحقق نجاحات ولو على نحو جزئي أو نسبي، فيما الجامعة العربية فشلت فشلاً كبيراً على طول تاريخها وعرضه، مع أبلغ الأسف وأشده.

أما أولئك الذين  يمتدحون دور الجامعة العربية حيال القضية الفلسطينية – كما سمعناهم في أول أيام المؤتمر على وجه الخصوص - فإننا إذ نستغرب فهمهم  ونهجهم وتقويمهم، لنود أن نورد - على سبيل المثال لا الحصر -  بعضاً من دلائل فشل هذه الجامعة التي نؤمن أن فشلها على طول تاريخها وعرضه إنما هو فشل طافح وطاغ ولا يحتاج إلى دليل:

  1. فشل الوحدة العربية التي أنتجت الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا.
  2. فشل الوحدة العربية بين مصر والسودان وليبيا.
  3. فشل وحدة وادي النيل بين السودان ومصر.
  4. فشل وحدة مجلس التعاون العربي بين مصر واليمن والعراق والأرن
  5. فشل وحدة مجلس التعاون المغاربي بين ليبيا وتونس وموريتانيا والجزائر والمغرب.
  6. أما مجلس التعاون الخليجي الذي كان نجاحه في استمرارية وجوده أكثر من إنجازه ها هو يعاني، فيما الجامعة العربية لا حول لها ولا قوة حيال رأب صدعه الذي ما يزال في ازدياد وتصاعد واتساع.
  7. فشل الجامعة في وقف التحالف الحربي بين الإمارات ومصر والسعودية ضد اليمن.
  8. لم تتصدَّ الجامعة العربية لحملة اتهام العراق بحيازة أسلحة الدمار الشامل.
  9. لم تتصدَّ الجامعة العربية ولم تقم بدورها المتناسب مع أهدافها ومبادئها حين كان غزو العراق للكويت، وبالتالي لم تتصد لغزو دول التحالف الأمريكي العربي للعراق بذريعة الدفاع عن الكويت والانتصار له ضد العراق.
  10. لم تفعل الجامعة شيئاً في موضوع الانقسام الفلسطيني وتوابعه.
  11. لم  تتصدَّ الجامعة العربية للتغول الاستيطاني الصهيوني أو للاعتداءات الصهيونية المتكررة، لا سيما إذا أشرنا إلى الحروب الصهيونية الثلاثة على قطاع غزة، كذلك فإنها لم تتصد للاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل أو لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
  12. إن أهم عوامل ودلائل فشل الجامعة العربية هو أنها لم تلعب أي دور لتحجيم البعد القُطْري لحساب تفوق البعد القومي العربي وتمدده  واتساعه وتصعيده.

وفضلاً عما ذكرناه من دلائل الفشل، فإنه يكفي أن نُذَكر بأن أول الفشل في مسيرة الجامعة العربية قد حدث حينما أسقطت من نصوص ميثاقها نصاً ذا أهمية كبرى كان "بروتوكول الاسكندرية" الموقع عليه عام 1944 قد تضمنه، وهو "عدم قيام أي دولة عربية بانتهاج سياسة خارجية تخالف سياسة الجامعة العربية".

وبعد: فلعلنا لا ننسى الدور الاستعماري لبريطانيا الاستعمارية في تأسيس هذه الجامعة العربية التي هي في أفعالها ونتائجها ليست جامعة وليست عربية، حيث صرح وزير خارجية بريطانيا Anthony Eden في 24 فبراير 1941 في اجتماع مجلس العموم البريطاني، قائلاً:"إن حكومة بريطانيا تنظر بعين العطف إلى كل حركة بين العرب ترمي إلى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقاقية والسياسية". لذلك، فإنه يتوجب علينا أن نَذْكُر لتُذَكِّر بأن بريطانيا عملت على تأسيس جامعة الدول العربية ليس من أجل العرب وإنما من أجل مصالحها في ذلك الوقت، حيث إنها كانت تنظر إلى أوضاع المنطقة العربية من منظار التحسب لأي منافسة لها على المستوى الدولي، لا سيما مع خصمها فرنسا، كما أنها كانت تحاول إيجاد حل لمشكلة اليهود في فلسطين لأنه كان لديها اعتقاد جازم أن إقامة دولة لليهود في فلسطين إنما  هو أمر ليس من اليسير تحقيقه إلا  بموافقة عربية عامة أو بمباركة عربية عامة يتم من خلالها تقديم تنازلات تؤدي إلى قيام دولة اليهود في فلسطين.

أما آخر الكلام، فإن من حقنا أن نتساءل: إذا كان ما ذكرناه آنفاً  هو قليل قليل من دلائل كثيرة كثيرة على فشل الجامعة العربية التي هي ليست جامعة وليست عربية، فماذا يمكن لشعبنا أن ينتظر من هذه الجامعة التي تحتفي اليوم بها واحدة من جامعاتنا الناشئة؟! ما الذي يرجوه شعبنا من جامعة هذا هو تاريخها الطويل على مدار خمسة وسبعين عاماً تطفح بالخجل وبالفشل؟! ألم تجد جامعة الإسراء موضوعاً تعقد مؤتمراً حوله يكون للقضية الفلسطينية أكثر نفعاً من هذا المؤتمر؟! أم أن جامعة الإسراء عقدت عزمها على إحياء الموتى؟! إن كان ذلك كذلك، فلتعلم جامعة الإسراء أنه لا يحيى الموتى إلا الله رب العالمين.

بقلم الدكتور/ أيوب عثمان

  كاتب وأكاديمي فلسطيني

 جامعة الأزهر بغزة

  رئيس "جمعية أساتذة الجامعات – فلسطين"