لا يشك أحد في احتمالية انهيار الوضع الصحي في غزة جراء عقوبات محمود عباس ضد الناس، ولكن مدار الشك توظيف المؤسسة الأمنية الإسرائيلية للأحوال الصحية في غزة، لتبرير عجز الجيش عن حسم المواجهة، لذلك كان الزعم بأن المؤسسة الأمنية تقدمت بطلب إلى المستوى السياسي، تحذره من تداعيات أي حرب على غزة، وانعكاسها على الوضع الصحي العام لسكان القطاع، الذين أمست أحواله هذه الأيام أسوأ من أحواله بعد الحرب 2014، وعليه فإن أي حرب على غزة قد تدفع المجتمع الدولي للتدخل، والضغط على إسرائيل لوقف الحرب.
تقرير المؤسسة الأمنية الذي نشرته صحيفة هآرتس يحاول استثمار الأحوال في غزة بما يخدم المصالح الإسرائيلية، فهو يريد أن يبرر الموافقة الإسرائيلية على إدخال الأموال القطرية إلى غزة، بحجة المساعدات الإنسانية، ويريد في الوقت نفسه أن ينفي عن الجيش الإسرائيلي عدم القدرة، ليضفي على السلوك الإسرائيلي الإرهابي صفة الإنسانية، ولاسيما أن العالم كله بات يعرف أن التهدئة التي تمت قبل شهر ونيف بين رجال المقاومة والجيش الإسرائيلي لم تتم بناء على قرار من المستوى السياسي الذي تخبط في مواقفه، التهدئة تمت بناء على قرار من المستوى الأمني، حيث أوصت كافة أذرع الأمن الإسرائيلية من جهاز الشباك إلى جهاز الاستخبارات وجهاز الأمن القومي وجهاز الموساد، ورئيس أركان الجيش، لقد اتخذ جميعهم قرار التهدئة، وأوصوا المستوى السياسي بذلك، حرصاً على أمن إسرائيل، وقوة ردعها، وسلامة جيشها.
اهتمام الصحافة الإسرائيلية بأوضاع الناس المعيشية في قطاع غزة لا يأتي من دوافع إنسانية، بقدر ما يخدم التوجه السياسي العام لدى الحكومة، لذلك فإن كل ما يسربه الإعلام الإسرائيلي هو جزء من الحرب الإعلامية التي تشن على وعي المواطن الفلسطيني، من هنا جاء حديث الصحافة الإسرائيلية عن خيارات يحيى السنوار الثلاثة التي قدمها للوفود الأوروبية، وكأنه يشير إلى ضعف غزة وانكسارها، وهذا غير صحيح، وفي تقديري أن الخيار الثاني الذي يقضي بتحمل الأمم المتحدة لدورها ومسؤولياتها عن حياة الناس في غزة لا يعني الضعف، بمقدار ما يعكس الاجتهاد في البحث عن مخرج للضائقة الاقتصادية التي يعاني منها الناس، ولاسيما بعد التأكد من رفض محمود عباس للخيار الأول، والقاضي بتحمل المسؤولية كاملة عن حياة أهل غزة.
بقى الخيار الثالث، وهو الخيار الذي يفترض المواجهة العسكرية، وما ستسفر عنه من نتائج، ستفضي إلى تدخل المجتمع الدولي بعد أسبوع أو أسبوعين من المواجهة، ومن ثم فرض التهدئة، وبدء تحمل المسؤولية عن حياة الناس المعيشية في غزة.
وطالما كانت نتيجة أي مواجهة هي التهدئة، فالأجدر بكل الأطراف، بما في ذلك المجتمع الدولي السعي إلى تثبيت التهدئة من البداية، دون خوض تجربة المواجهة، وما سيسفر عنها من تدمير وقتل وتخريب لدى الطرفين المتصارعين.
لقد عبر أحد المسؤولين الإسرائيليين عن الحالة الفلسطينية بشكل دقيق حين قال "عادي مينتس" في مقال له بصحيفة مكور ريشون: آن الأوان لإسرائيل أن تفهم أن غزة منفصلة عن الضفة الغربية، والسلطة الفلسطينية لن تتحول إلى دولة، وبالتالي فإنه يجب التفريق بين الأموال الذاهبة إلى غزة، وتلك المتجهة إلى الضفة الغربية، بحيث تواصل إسرائيل جباية ضرائب على البضائع الذاهبة إلى غزة، على أن تعيد إرسالها إلى غزة، وليس إلى السلطة الفلسطينية، ووقف سيطرة عباس على معابر القطاع".
وأزعم أن هذا ما تسعى إليه الحكومة الإسرائيلية، وما يدفع باتجاهه محمود عباس.
د. فايز أبو شمالة