الشهيد الأسير فارس أحمد بارود ,حكاية من عمق الألم الفلسطيني , كُتبت حروفها بمداد من دموع حزينة لأم صابرة , تنتظر رجوعه من السجن الصهيوني , لتُسكنه في حضنها وتغطيه بحنانها من برد الأيام وتحميه من أوجاع الزمان , فالأم سلاح وصوتها مستودع الأمل الذي لا ينضب , وفارس سندها وسر الحياة في عينيها ,التي أطفئتها دموع الفراق والغياب عن رؤيتها لإبنها بكرها ووحيدها لأكثر من خمسة عشر عاما, حيث مُنعت أم فارس وهي الطاعنة في السن من زيارة إبنها فارس بقرار صهيوني ظالم ,وكل أفعال المحتلين في فلسطين بحق البشر والشجر والأرض ظلم طافح بالحقد والكراهية .
كانت الحاجة أم فارس التي بلغت من العمر (85) عاما , تنتظر فارس وتترقب أخبار الإفراجات والصفقات, ولم تيأس أبدا ، فكان الأمل في قلبها يتشكل على هيئة فارس ، قلب الأم لا يعرف القنوط هو مستودع لا ينضب من مقومات الهمم العالية والمعنويات المرتفعة ، مات قلب الأم , حيث توفيت أم فارس رحمها الله في مايو أيار 2017 , فأصبح قلب فارس عليل بفقدان أمه ، تكاثرت عليه الذكريات الأشواق الأحزان والأوجاع حاصرته في زنزانته ، لم ينهزم فارس رغم كثرة الأعداء وسهامهم القاتلة والمسمومة ، كانت أمه قد أمدته من حليب العزة مضادات ومناعة، ضد كل الأوباش والمجرمين الذين يعترضون طريقه ، بقي صامدا شامخا في زنزانته , رغم الأمراض التي هاجمته في كل أنحاء جسده جراء الإهمال الطبي المتعمد من إدارة السجن الصهيوني, التي تحرص على أن تستوطن الأمراض أجساد الأسرى دون علاج , تنفيذاً لسياسة القتل البطيء التي ينفذها الإحتلال ضد أسرانا في سجونه .
28 عاما قضاها الأسير الشهيد فارس بارود في سجون الإحتلال حيث تم إعتقاله في 23-3-1991م , إنخرط فارس في مقاومة , وكانت قضيته حرية هذا الوطن الذي تكبله قيود الإحتلال والإستيطان , كان فارس يرى بأن يافا وحيفا وصفد أرض فلسطينية , يجب أن تعود بالقوة وألا نترك سبيلاً من كفاح ومقاومة إلا وسلكناه من أجل فلسطيننا الوطن والهوية , قاتل فارس في أزقة مخيم الشاطئ دوريات الإحتلال وعينه كانت على القدس المحتلة , طارد فارس المستوطنين وبوصلة سلاحه نحو الجليل الفلسطيني , كان الوطن يكتمل ويكبر في قلب فارس مع كل يوم يتوغل فيه مقاوما في مسيرة التضحية والفداء والمقاومة لهذا الشعب الأبي , حين تم إعتقال فارس وجه الإحتلال له تهمة قتل مستوطن صهيوني , وحُكم على فارس بالسجن المؤبد , إنتقلت حياة فارس النضالية إلى ساحة السجون , وخاض مع إخوانه الأسرى معارك الصبر والصمود في مواجهة السجان الصهيوني وإجراءاته الظالمة , تنقل فارس بين السجون الصهيونية المختلفة , وفي المقابل كانت والدته رحمها الله لا تترك فعالية أو إعتصام تضامناً مع الأسرى إلا وتشارك فيه رافعة صورة فارسها الوحيد الذي سلبه الإحتلال من بين يديها وتركها وحيدة في بيتها حيث توفي والد فارس مبكراً, بقيت الأم الصابرة تنتظر رجوع فارس على أمل أن تُكحل عينيها بفارس , أوتحتضنه قبل موتها هذه أمنيتها , رفض الإحتلال الإفراج عن الأسير الشهيد فارس بارود , وبقى في السجن بعد إتفاقية أوسلو , كما رفض الإحتلال الإفراج عنه في الصفقات اللاحقة , وكأنها رسالة لنا جميعاً بأن العدو الصهيوني حريص على قتل الأسود الفلسطينية ولو كانت مكبلة بالحديد في أسره اللعين , ترجل الأسير الشهيد فارس بارود بعد 28 عاما من الأسر، ترك الدنيا وإرتحل شهيدا ، وأودع الوطن والقضية أمانة في أعناقكم جميعا فلا تفرطوا فيها .
بلغ عدد شهداء الحركة الأسيرة في سجون الإحتلال (218) شهيدا , بإرتقاء الأسير الشهيد فارس بارود , أمام هذا المشهد وبهذا الوضوح لا يجب أن نترك أسرانا دونما إسناد حقيقي وفاعل نصرة لقضيتهم وتعجيلا ليوم خلاصهم من الأسر البغيض , ومن العار علينا أن نمارس قمعنا ضد عوائل الأسرى بوقف مخصصاتهم المالية , ولا ننسى الأمل المعقود بالله أولاً ثم بمقاومتنا الباسلة أن تنسج خيوط فجر الحرية على عيون أسرانا وذويهم قريبا , كي لا نترك أسرانا لغول الإهمال الطبي وأنياب التعذيب الوحشي التي تنهش بأجساد أسرانا في زنازين العدو الصهيوني .
بقلم/ جبريل عوده