بعض الأخطاء التي يقع فيها السياسيون

بقلم: أشرف صالح

في هذا المقال لا أتحدث عن السلوك السياسي أو القرارات السياسية التي تصدر عن الأحزاب أو السلطات أو الحكومات وخاصة في فلسطين , لأنها ليست مجرد أخطاء , بل إنها كوارث حقيقية , وبدليل ما وصلنا إليه الآن , فهناك فرق بين القرارات والتي من الممكن أن تؤدي الى كوارث مادية , وبين الاخطاء اللغوية والإصطلاحية التي نسمعها في الخطابات السياسية الرسمية والتي تؤدي أيضا الى كوارث ثقافية وإجتماعية , فعلى سبيل المثال لو وزير الإقتصاد وضع خطة إقتصادية لتحسين الإقتصاد في فلسطين وقرر إعتمادها , وكانت هذه الخطة ضعيفة وغير مدروسة , بالتأكيد ستتحول الى كارثة إقتصادية للبلاد , وأيضا لو تحدث رئيس حزب أو حكومة في خطاب سياسي أمام وسائل الإعلام أي جملة أو مصطلح وهو لا يعرف معناه لغويا , ولا يدرك أبعاده وتداعياته سيتحول هذا الخطاب الى كارثة ثقافية للدولة والمجتمع الذي يمثله هذا الشخص , وخاصة أن الخطاب سيكون على مسمع العالم , وهذا صلب الموضوع ...

السياسيون الفلسطينيون وقعوا في أخطاء كثيرة سواء في خطاباتهم أو تصريحاتهم , فمنها أخطاء نتيجة عدم الخبرة في علم اللغة والمصطلح , ومنها نتيجة تبادل إتهامات كل للآخر , ومنها نتيجة الهروب من الواقع والتعتيم , ومنها الكثير سواء مقصودة أو غير مقصودة .

إليكم بعض الأخطاء الأكثر شهرة في التصريحات والخطابات السياسية .

أولاً : من باب التوثيق , ستكون البداية من كلمة الرئيس خلال منتدى الحرية والسلام الفلسطيني أمس في رام الله , حيث تكررت كلمة السلام مع إسرائيل عشرات المرات , وتكررت قبل ذلك عشرات المرات في الأمم المتحدة ومنصاب المجتمع الدولي , فهذا بحد ذاته خطأ سياسي ينقل صوتنا أمام إسرائيل أننا لا نملك خيار غير السلام , رغم أن إسرائيل لا تريد السلام وتملك خيارات كثيرة , وأيضا في علم السياسة وموازين القوى تعتبر كلمة السلام وحدها  ضعف وقلة إمتلاك لأدوات بديلة .

ثانيا : ومن باب التوثيق أيضا , تحدث أمس  القيادي في حماس إسماعيل رضوان وقال إن السلطة تريد تنفيذ صفقة القرن , وقبل ذلك إتهم كل من فتح وحماس بعضهما بتنفيذ صفقة القرن , ولا زال الخطأ في التصريحات حول صفقة القرن يزداد يوم بعد يوم حيث يتهم كل منهم للآخر أنه يريد تنفيذ صفقة القرن , وكأن صفقة القرن تحتاج الى مراسم توقيع , وهذا على أساس أنها لم تنفذ بعد , علماً بأن واقعنا الآن هو بحد ذاته صفقة القرن .

ثالثا : الإسلام السياسي  , كثير ما نسمع هذا المصطلح من السياسيون , ومع عدم التوضيح وبين مؤيد ومعارض , أصبح هذا المصطلح فظفاظ وحمال أوجه كثيرة , فاول أمس قال القيادي في حركة فتح جبريل لرجوب أنه لا يريد إسلام سياسي بديل عن دولة وطنية , في إشارة الى أن الأحزاب التي تسمي نفسها إسلامية تنسلخ من مفهوم القومية والوطنية , وقد يفهم البعض أن جبريل لرجوب لا يريد سماع كلمة إسلام بديلة عن وطن , والخطأ هنا يكمن بأن تصريح جبريل لرجوب في هذا المصطلح الحساس وبالذات لا يسبقة تعريف كامل بمصطلح الإسلام السياسي , وخاصة للعامة والذي يمكن أن يفهموا هذا التصريح بشكل خاطئ , وينقلب التصريح ضد صاحبة كنتيجة عكسية  , ومن وجهة نظري أن هذا المصطلح يحتاج شرح طويل ومفصل , وأنصح كل من يتحدث في السياسة أن يتعمق في  دراسة العلاقة بين الإسلام والسياسة , ويوضح ذلك بالتفصيل للمتلقي .

رابعا : الحركات الإسلامية , حماس والجهاد الإسلامي وغيرها من الفصائل والتي  تطلق على نفسها حركات إسلامية , بإختصار من حقي كمواطن أن أسأل , هل كل من هو خارج هذه الحركات غير مسلم ؟ وهل حركتكم الإسلامية لها برنامج مختلف عن برنامج الديمقراطية والعلمانية ؟ وهل تطبقون الشريعة الإسلامية كونكم حركة إسلامية ؟ , أعتقد أن الأسئلة بحد ذاتها هي تعريف عن الأخطاء الشائعة في هذا المصطلح بالذات .

خامساً : إمارة إسلامية , بعض قيادات حركة فتح يقولون في تصريحاتهم أن حماس تريد إمارة إسلامية في غزة , وهذا خطأ سياسي كبير جدا لأنه يعزز مفهوم في الشارع الفلسطيني والرأي العام بأن حماس فعلاً تريد حكم إسلامي في غزة , وفي المقابل فتح لا تريد حكم إسلامي , وربما تستغل حركة حماس هذه التصريحات لصالحها كدعاية لها , وكأنها فعلا حركة إسلامية وتريد إمارة وحكم إسلامي , وفي الحقيقة أن حماس تحكم بنظام الدولة المدنية العلمانية كباقي الأنظمة العربية والسلطة , مع الإختلاف بالمسميات والشعارات فقط .

سادساً : دخول حماس والجهاد الإسلامي لمنظمة التحرير , هناك دعوة متكررة لمنظمة التحرير لدخول حماس والجهاد الإسلامي فيها , وهذا نسمعه في كل الخطابات والتصريحات من قياديين في منظمة التحرير وخاصة حركة فتح , وهذه الدعوة فيها خطأ سياسي كبير رغم أنها رسالة شراكة ووحدة وطنية , ولكنها تقصي كل الأحزاب الصغيرة والجديدة والتي هي خارج إطار منظمة التحرير , وكأن ليس هناك فصائل خارج المنظمة سوا حماس والجهاد الإسلامي .

سابعاً : حماس مشروع إخوان , تكررت هذه الكلمة كثيراً على لسان بعض قيادات حركة فتح , علماً بأن حماس أعلنت إنفصالها عن الإخوان في وثيقتها الأخيرة , وأعتقد أن السياسي الناجح لا يحاسب الناس بناء على الظن أو الإحساس إنما يحاسب ويتعامل بناء على وثائق رسمية وخاصة بعد الإعلان عنها ونشرها في وسائل الإعلام , برأيي أن تمسك فتح بأن حماس لا زالت إخوان قد يعطي حصانة لحماس بأنها لا زالت تحافظ على عهد الإخوان ولا تنشق عنهم لمصالحها الشخصية .

ثامناً : السلام والمصالحة , خطأ لغوي واضح تستخدمه جميع الفصائل , فالسلام مع إسرائيل لا يأتي إلا بعد التسوية والحل النهائي , وبناء على ذلك لا يجوز إستخدام لفظ السلام بديلاً عن لفظ الحل والتسوية , وربما تستغل إسرائيل هذا الخطأ لصالحها وتصنع سلاماً معنا بدون أن تقدم حل نهائي أو تسوية حقوق , وكما حدث الآن في غزة فالهدنة طويلة الأمد تعتبر سلام بين جميع الأطراف ولكن بدون تسوية وحل نهائي , بل هي مقابل بعض التسهيلات الإقتصادية فقط , وكلمة المصالحة كذلك لأنها أصبحت كلمة تعبر عن صلح طرفين متخاصمين , ولا تعبر عن عمق المشكلة , فالمشكلة الحقيقية تكمن في تقسيم الأدوار بين فتح وحماس والتسوية بينهما في كل الملفات .

تاسعاً : الصواريخ المشبوهة والعبثية , حماس توصف الصواريخ التي تطلق من غزة دون موافقتها بالمشبوهة , وكذلك الرئيس وصفها قبل ذلك بالعبثية , وهذا ليس خطأ لغوي بل خطأ مقصود وله أهدافه , ولكن هذه الأهداف لا تحمي المصرح من إنتقاد الرأي العام له , فهل الرئيس لا زال لا يدرك أن الصواريخ والتي وصفها بالعبثية أصبحت الآن منظومة دفاع لا يستهان بها , وهل حماس لا زالت لا تدرك  أن وصفها للصواريخ والتي تطلق دون إذنها بالمشبوهة قد يعرضها للمسائلة والمحاسبة , فعندما كانت حماس تطلق صواريخ في عهد السلطة وكان ينتج عنها إغلاق معبر إيرز أمام العمال , وتسكير جميع المعابر وقصف مقرات السلطة وغيرها من ردات الفعل والتي تدمر إقتصاد غزة , فكانت حماس لا تعتبر صواريخها آناذاك مشبوهة وتخريبية , وهي الآن تعتبر كل الصواريخ من خارج نطاقها مشبوهة , والباقي عندكم ...

عاشراً : مسيرات العودة , حدث ولا حرج , هذا المصطلح دفعنا ثمنه غالياً من دماء أبنائنا , لأنه ليس مجرد خطأ لغوي أو سياسي فقط , إنما هو تركيبة متنوعة من الأخطاء , والأهم من ذلك وبدون الدخول في التفاصيل , فلا وجود لكلمة عودة أو هدف عودة في هذه المسيرات , فالأهداف أصبحت واضحة أمام الجميع وموثقة في وسائل الإعلام ...

بقلم/ أشرف صالح