العلاقة التي جمعت فلسطين مع الثورة والشعب الإيراني الشقيق ، إنما يعود الفضل فيه إلى الإمام الخميني رحمه الله ، الذي واكب وعن وعي عميق وكثب تطوراتها منذ أن اغتصب الصهاينة أرضها وأقاموا كيانهم الهجين ، فقد دعا الإمام وقبل انتصار الثورة وفي أكثر من مناسبة إلى نصرة الشعب الفلسطيني ومظلومية قضيته العادلة ، ففي عام 1964 أصدر بياناً خاطب فيه الزعماء العرب الذين عقدوا قمة لهم لمناقشة تحويل الكيان الصهيوني لمياه نهر الأردن بالقول لهم :- " أيها السادة لماذا تشغلون أنفسكم بتحويل " إسرائيل " لنهر الأردن وأنتم تعلمون أن كل فلسطين مغتصبة ، المطلوب أن تعملوا على طرد اليهود منها لأنهم خطر على الإسلام والمسلمين بشكل عام " . وارتبط اسم الإمام الخميني رحمه الله بالقضية الفلسطينية قبيل الثورة من خلال إصداره في العام 1968 أول فتوى حثّ فيها المسلمين على الدعم والتبرع للثورة الفلسطينية بشأن تخصيص جزء من الخمس ( ضريبة الزكاة الدينية ) حتى تستمر في مقاتلة العدو الصهيوني من أجل تحرير فلسطين ورفع الظلم عن شعبها .
لقد حدد سماحة الإمام رحمه الله مقاربته للقضية الفلسطينية من خلال البُعد الديني الأيديولوجي والحماسة الثورية ، والعداء لكل من ارتبط بحكم الشاه بعلاقة أضرت بمصالح الشعب الإيراني ، وأمدت من عمر نظام حكمه الظالم . فبالنسبة له كانت القضية محسومة ، ففلسطين ليست أرضًا للفلسطينيين أو للعرب وحدهم ، بل هي أرضٌ للمسلمين جميعاً ، وبذلك يكون في الدفاع عنها وتحريرها من الكيان الصهويني على أنه واجب على كل مسلم ، من خلال ما أكد عليه في أكثر من مناسبة ، وخطبه الدينية ، ومقالاته الإعلامية أو بياناته السياسية ، في أنّ تحرير فلسطين واجب شرعي وتكليف الهي ملزم لكل المسلمين في العالم ، ويحذر الجميع من مخاطر الوجود الصهيوني ومؤامرات الإدارة الامريكية المتصهينة .
من هنا نرى أن القضية الفلسطينية احتلت في فكر ومنهج الإمام الراحل حيزاً لا يُستهان به . فهي بالنسبة إليه ولبقية الشعب الإيراني المسلم وعلمائه قضية عقيدية ، وليست قضية سياسية أو مصالح قابلة للاتفاق أو الاستخدام والتوظيف ، وبذلك كان الإمام الراحل أول رجل دين يُعطي الصراع مع الحركة الصهيونية وكيانها المصطنع البعد الإسلامي . كيف لا وعندما انطلقت الثورة الفلسطينية المسلحة المعاصرة عام 1965 ، أصدر الإمام الفتوى الشهيرة التي تطالب المسلمين الالتحاق في صفوفها للمشاركة في المقاومة لتحرير فلسطين . فأصبحت القضية الفلسطينية وكأنها جزء من قضية إيران ، والخطر الصهيوني كأنه خطر يحدق بإيران قبل أن يهدد العالم العربي ، لذلك مثلت القضية الفلسطينية موقع العين والقلب بالنسبة للثورة قائداً وشعباً ودولةً .
سخرت إيران ومنذ انتصار ثورتها الإسلامية كل إمكانياتها في خدمة القضية الفلسطينية وشعبها ومقاومتها ومقدساتها ، من يزور إيران يُدرك جيداً أنها تشكل حاضنة ورافعة إستراتيجية لفلسطين ، وهي من أجل ذلك تدفع الأثمان الكبيرة والعالية بسبب وقوفها الحازم والمطلق في تبني القضية الفلسطينية وقضايا الأمة . فما قدمته الجمهورية الإسلامية في سبيل رفعة فلسطين ونصرتها والدفاع عنها ، لا يُعد ولا يُحصى :-
1. احتضان فصائل المقاومة ، وتقديم الدعم المالي والمادي لها . وتسخير خبراتها وقدراتها العسكرية في المعركة المفتوحة مع الكيان " الإسرائيلي " الغاصب . وبصمات هذا الدعم كانت جلية في صمود قوى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ، وتمكنها من إلحاق الهزيمة النكراء بالجيش " الإسرائيلي " في حروب ثلاثة ( 2008 – 2009 و 2012 و 2014 ) ، والمواجهة الأخيرة في قطاع غزة ، حيث الصواريخ الإيرانية والسورية قد فعلت فعلها في تلك الحروب
2. تبني وسائل الإعلام الإيرانية على مختلفها ، إستراتيجية إعلامية واضحة في الدفاع عن القضية الفلسطينية ، وفضح الوجه القبيح للكيان الصهيوني وجرائمه ، وباللغات الفارسية والعربية والإنكليزية . وكذلك دأب الفنانون والرسامون والنحاتون والممثلون والشعراء والأدباء في الجمهورية الإسلامية على إظهار التزامهم القضية الفلسطينية والمقدسات في فلسطين في كافة أعمالهم . وتحولت الشوارع والساحات والميادين في المدن الإيرانية إلى متاحف فلسطينية ، وهذه تعبئة وثقافة حفرت عميقاً في الوعي الجمعي للشعب الإيراني الشقيق في الالتفاف حول القضية الفلسطينية واستمرار دعمها
3. فتح جامعاتها ومعاهدها العلمية أمام الطلبة الفلسطينيين ، لتلقي العلم في مختلف الاختصاصات والكليات
4. الاحتفال بيوم القدس ، وتسيير المظاهرات المليونية في هذه المناسبة وتعبئة الشعب الإيراني نحو فلسطين والقدس وأهمية تحريرها على أنه واجب المسلمين جميعاً
5. تسيير مظاهرات في مختلف المدن الإيرانية في المناسبات المختلفة للدفاع عن الشعب الفلسطيني خاصة أثناء الحرب الصهيونية ضد قطاع غزة أو الضفة الغربية ، أو نصرة انتفاضاتها ، وما قدمته في سياق دعم الانتفاضات المباركة من تبني لشهدائها وجرحاها وأسراها وعائلاتهم ، سواء الذين سقطوا نتيجة تنفيذهم أعمال مقاومة ضد العدو الصهيوني ، أو الذين سقطوا خلال مسيرات العودة التي يشهدها قطاع غزة منذ أذار 2018
6. الدفاع في الأمم المتحدة وأمام كل المنظمات العالمية والإقليمية والأممية ومنظمات حقوق الإنسان عن حق الشعب الفلسطيني في العودة والتحرير وعودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم التي طردهم منها العدو الصهيوني بقوة السلاح وتعويضهم عما لحق بهم من ظلم وعدوان وتشريد .
7. حث علماء المسلمين على تبني القضية الفلسطينية والدفاع عن الشعب الفلسطيني وحقوقه ، بحيث فلسطين واحدة موحدة وفق ما رآه الإمام الخميني رحمه الله :- " لا فرق بين مناطق 48 وأراضي 67 ، لأن فلسطين كلها سلبت " . ووفقاً لذلك ، رفض الإمام الراحل ، جميع أشكال المفاوضات وما يسمى السلام مع " إسرائيل " ، معتبراً إياها غير مشروعة دينياً : - " إن إقامة علاقات مع إسرائيل أو مع وكلائها ، سواء كانت تجارية أو سياسية ، أمر ممنوع ومخالف للإسلام "
8. اعتبار القضية الفلسطينية من أهم مرتكزات السياسة الخارجية الإيرانية وهذا ما نراه في كل اللقاءات والاجتماعات الإيرانية مع الدول الأخرى ، من خلال البيانات والتصريحات والتحركات
9. مطالبة المجتمع الدولي بمحاكمة قادة الكيان الصهيوني ، وتقديمهم إلى العدالة كمجرمي حرب لارتكابهم الجرائم والمذابح ضد الشعب الفلسطيني
الواجب يُحتم علينا نحن الفلسطينيون وبعد 40 عاماً على انتصار الثورة الإسلامية ، أن نبقي على ملاقاتنا إيران بمزيدٍ من الوفاء والعرفان بالجميل ، لأياديها البيضاء في مساندتها ودعمها مقاومة شعبنا بأسباب القوة والمنعة . وأن نرفض بشكل قاطع كل من يحاول الإساءة للعلاقات الأخوية بيننا وبين أشقائنا من الشعب الإيراني المسلم وثورته المجيدة . لا بد من أن نستذكر وكعربون وفاء لمن كان له الشرف الرفيع في إطلاقها ، الإمام آية الله الخميني رحمه الله ، ولمن حفظ وصية ومسيرة الإمام الراحل ، عنيت به سماحة القائد السيد علي الخامنئي ، الذي جعل من القضية الفلسطينية فكرة مهيمنة في كل خطاباته ، واعتبرها القضية الأهم في عالمنا .
سيبقى الشعب الفلسطيني يحفظ للإمام الراحل وقوفه الحازم إلى جانب فلسطين وقضيتها ومقاومتها ، التي ستبقى حاضرة في ضمير ووجدان وثقافة وعقيدة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وثورتها المباركة .
بقلم/ رامز مصطفى