ثمن إسقاط حماس والداعي لجبهة وطنية

بقلم: أحمد الشقاقي

تعيش الأروقة السياسية حالة استسلام تام لموقف السيد أبو مازن بعد أن أصبح الموقف الفلسطيني رهن إشارته وحبيس أدراجه في استفراد بالمشهد بعيداً عن أي شكل من أشكال التوافق وحتى الشكلي. إجراءات السيد أبو مازن تقوم على فكرة إخضاع حماس "للشرعية الفلسطينية" بقوة الخنق والمحاصرة السياسية والاقتصادية، وتقوم إجراءات السيد عباس على هذين المسارين بشكل فج ومستفز لكافة القواعد الشعبية والأطر الحزبية والفصائلية.

القرارات والإجراءات السياسية التي يخطوها أبو مازن والتي كان أخطرها حل المجلس التشريعي والدعوة المزيفة لانتخابات من جهة، والترحاب السياسي بالتعايش مع الإسرائيلي من جهة أخرى تتعارض مع كل الأصوات الوطنية الفلسطينية وليس حماس فقط، وبالتالي فإن القرارات التي تستهدف حماس وفق ما يعلن سيادته غير مجدية وبالعكس هي استنزاف للمشروع الوطني وهدر للطاقة الوطنية في سجالات وهمية، وإلا كيف تقرر إجراءات الانتخابات وأن تحل المجلس التشريعي، وكان الأجدر أن تبقي على المجلس حال قررت الذهاب لصندوق الاقتراع بالتأسيس على أن نتائج الانتخابات القادمة ستعني بالمؤكد حل التشريعي وبشكل سلس بعيداً عن تفجير مسارات عملية المصالحة.

أما ما يخص الإجراءات الاقتصادية العقابية التي تستهدف المواطن بالدرجة الأولى فقد ولّدت قناعات لدى جماهير شعبنا أن السيد أبو مازن ليس رئيساً لشعبه، بل زعيماً تنظيمياً لحزب يدعي لملمته فيطرحه أرضاً! بعد أن ارتكب بحقه كل المخالفات وعطل ماكينة المطالبة بإصلاح حركته بعد ترهلها وخسارتها الانتخابات التشريعية أمام حماس.إن المواطن المكلوم بغزة والذي يترقب راتبه أمام البنوك مطلع كل شهر، أخرج من حقيبته فكرة التصادم مع الأحزاب السياسية بعد قساوة أحداث الانقسام التي دفع ثمنها المواطن البسيط وعاد المسئولون لتوزيع الابتسامات بينهم والمواطنون لآلامهم، وبالتالي فإن دفع الناس بعضهم ببعض للتناحر فشلت ولا يمكن المراهنة عليها. إن حالة عدم الثقة التي تولدت لدى المواطن من الفصائل المنقسمة لا تعني رفضه لمشروعها التحرري وإنما لتنازعها ومحاصصتها للمواقع السياسية وهذه ما يجعل ثقة المواطن تهتز بالفصائل حين يتعلق ذلك بالحكومة والتشريعي، أما آمال الشارع فتبقى معقودة على غرفة العمليات المشتركة للمقاومة وهذا يتضح في الدعوات التي تنطلق من الجمهور والقواعد الشعبية التي تطالب هذه الغرفة بالرد على جرائم الاحتلال وهذا يعكس الثقة بها وبدورها وبتجربة عملها.

أبو مازن للمرة الأولى وفي ميزان الواقع الداخلي يخسر مكونات حلفه السياسي بعد أن قفزت الجبهتان الشعبية والديمقراطية وفدا والمبادرة من مركبه السياسي، وأدرك الجميع أن منهجية عمل

أبو مازن السياسية تدفع الجميع إلى المجهول تحت عناوين التعنت وبمنطق "بيت الطاعة" في تعامله مع رفاقه السياسيين.

هذه الحالة التي بدأت تتشكل تستدعي نضالاً سريعاً وقوياً ومستمراً من الأطراف الفلسطينية لتشكيل جبهة وطنية من كل الأصوات الرافضة لموقف أبو مازن السياسي، وتعلن في انطلاق عملها أنها حالة سياسية لا تنافس منظمة التحرير الفلسطينية وإنما تتمسك بها كممثل شرعي فلسطيني ينبغي التمسك به، وأمام هذه الدعوة لهذه الجبهة الوطنية فإن الدور المطلوب من هذه الجبهة الوطنية أن تحل المعضلة التي يعيشها المشهد الفلسطيني، فبدلاً من التفكير في حل الأزمات التي يصنعها أبو مازن والتي قد تكون عرضة للاتهام بأنها مشاريع للانفصال ، فإن المطلوب جبهة تحل أزمة أبو مازن نفسه بعد أن أصبح هو الأزمة بحد ذاتها وجب التخلص منها وتجاوزها.

إن حالة الاستسلام للمشهد السياسي الذي يقوده أبو مازن وانتظار قدر غيابه، تجعل الفصائل الفلسطينية عرضة للاتهام بالضعف والعجز على الرغم من أن مقومات قدرتها على تجاوزه في هذه المرحلة أكبر وأعمق ويمكن التأسيس عليها.

إن الدعوة لجبهة وطنية للإنقاذ بمظلة منظمة التحرير تجمع كل الفرقاء السياسيين الفلسطينيين الرافضين لأبو مازن وبالتحديد الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية والتيار الإصلاحي لحركة فتح وفدا والمبادرة الوطنية وحماس والجهاد الإسلامي تستدعى تحركاً منهم في ظل عقم الحالة السياسية الفلسطينية لتقديم حلول، هذه الجبهة مطلوب منها أن تناقش كل الخلافات السياسية بكل تفاصيلها وتضع حلول الحد الأدنى المقبولة من الكل الفلسطيني ودعوة أبو مازن مباشرة للالتزام بها.

إن الخروج بمثل هذه الجبهة الوطنية سيجعل الطرف المعطل للمصالحة واضحاً أمام الجميع وسيعزز تحركا شعبيا ضده في الضفة المحتلة وغزة، وهذا الخيار الشعبي على هيئة حركة تمرد فلسطينية ستصحح الواقع وتفاجىء الجميع بقدرة هذا الشعب المثقل بالهموم والمعاناة والعدوان بغزة، وأسير جرائم الاحتلال وشبح الاستيطان والتهويد بالضفة المحتلة، على الخروج للشارع وضبط إيقاع السياسة الفلسطينية وفق مقتضيات التوافق الذي تثبّته هذه الجبهة الوطنية للإنقاذ.

نصيحتي للفصائل الفلسطينية: استعجلوا بهذه الجبهة وقدموا نموذجاً توافقياً يجمعكم جميعا ويجعل أبو مازن وحيداً وتخلصوا من كل الذرائع الفنية والإجرائية التي يمكن أن تجعلكم موضع اتهام واجعلوا المصلحة الوطنية عنوانا لتحرككم وستجدون قبولا شعبياً كبيرا يدفعكم ويدعمكم ويعلن تمرده على من يرى في نفسه الحاكم بأمر الله.

بقلم/ د. أحمد الشقاقي