مؤتمر " وارسو " الذي دعت له الولايات المتحدة الأمريكية , يبدأ أعماله غدا (12-2) وعلى مدار يومين, يشارك في المؤتمر أكثر من (40) دولة , بينهما (12) دولة عربية أبرزها السعودية والإمارات , التي تشاركان بوزيرا خارجيتهما جنبا إلى جنب مع رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتانياهو , في أول لقاء تطبيعي رسمي على هذا المستوى , العنوان الرئيسي للمؤتمر الذي تحتضنه العاصمة البولندية , وكما أعلن وزير الخارجية الأمريكي هو تعزيز الأمن والاستقرار بالشرق الأوسط والتصدي للممارسات الإيرانية , وهذا عنوان تتحمس له الدول الخليجية كحجة تبريرية لخطواتها التطبيعية مع الكيان الصهيوني أمام شعوبها , تلك الشعوب التي تم شحنها إعلاميا , وبشكل مركز ضد ما يطلق عليه الخطر الإيراني .
يأتي المؤتمر في إطار تمرير صفقة القرن الأمريكية ,حيث يشارك عرابها جاريد كوشنر، صهر ومستشار الرئيس ترامب ،حيث سيتحدث عن الملامح العامة لخطة صفقة القرن, والتي تهدف إلى طمس القضية الفلسطينية وشرعنة الكيان الصهيوني ودمجه في المنطقة , عبر تشكيل حلف أمريكي عربي صهيوني , لمواجهة العدو الوهمي ممثلا بإيران , ولو كان ثمن ذلك التفريط بالحقوق والثوابت الفلسطينية ,وخذلان تطلعات شعبنا في العودة والحرية والإنعتاق من الإحتلال .
مما لاشك فيه بأن المشاركة العربية في مؤتمر " وارسو" , تعتبر إعترافا رسميا بكيان الإحتلال عبر الجلوس على طاولة تشاورية مع قاتل الأطفال نتانياهو , وهذا الحدث الخطير يشكل إختراقاً كبيراً في الموقف العربي الرسمي , الذي يلتزم بدعم ومساندة القضية الفلسطينية وأن لاشئ يمكن قبوله في العلاقة مع " إسرائيل " الا بعد أن يوافق الفلسطينيين أنفسهم على ذلك , علما بأن السلطة الفلسطينية تقاطع مؤتمر "وارسو" وتعتبره معادياً للحقوق الفلسطينية .
إستحضار فزاعة إيران , في إطار عملية تغيير الأعداء في المنطقة , التي كانت تعتبر عدوها المركزي ممثلاً بالكيان الصهيوني الإستيطاني على أرض فلسطين , حيث يشكل الاحتلال الصهيوني خنجرا مغروساً في قلب الأمة العربية , يدنس مقدساتها ويعتدي علي شعوبها وثرواتها , وإنحراف بوصلة العداء المركزي نحو إيران , لايخدم إستقرار المنطقة وهذا ما تسعى إليه الإدارة الأمريكية من أجل إستنزاف الدولة العربية مالياً تحت ذرائع الحماية العسكرية وشراء السلاح , وهذا ما أصبح واضحاً في علاقة إدارة الرئيس ترامب مع الدول الخليجية على وجه الخصوص , ولماذا نجعل أمريكا هي التي تحدد لنا عدونا , إذا كان لابد أن نتخذ لنا عدو فإن العدو الصهيوني هو أولى بالعدواة من غيره , إما فيما يخص العلاقة بإيران فإن متطلبات مواجهة سياساتها في المنطقة له مساراً أخر غير الإنحراف بإتجاه الكيان الصهيوني والتحالف معه , فليس بالضرورة أن يكون الإعتراف بـ "إسرائيل" والتطبيع معها بوابة إتقاء الشرور الإيرانية , والغريب أن أنظمة الخليج بما فيها السعودية تقدم الدعم المادي للعراق وتُقيم معه العلاقات الدبلوماسية الكاملة, وهي تعلم علم اليقين حجم التأثير الإيراني على السياسات العامة للعراق , كما شاهدنا مؤخراً حملة تطبيع العلاقات مع النظام السوري التي قامت بها دولاً خليجية بهدف مقاومة الخطر الإيراني , ولا يخفى على أحد حجم التدخل الإيراني على الأرض السورية , فلماذا هذا التناقض الحاد في السياسات العربية الرسمية , أم أن الأمر لا يعدو كونه توجيهات من جهات عليا تفرض على الأنظمة العربية الإعتراف بـ "إسرائيل" وتطبيع العلاقات معها ؟!.
العرب دائما هم الخاسرون , ولترامب مآرب عدة , الرابح الأبرز من مؤتمر "وارسو" هو نتانياهو سواء كان ذلك إنجازاً لـ " إسرائيل" بتحقيق هذا التحالف العربي الأمريكي في مواجهة المخاطر الوجودية التي يتعرض لها كيان الإحتلال , وهي عقدة تلازم الصهاينة لإيمانهم بأن كيانهم مُكون غريب وطارئ على المنطقة , وسيتم لفظه إلى خارجها في حالة إستعادة المناعة العربية قوتها , كما يشكل مؤتمر "وارسو" دعاية إنتخابية لنتانياهو بتحقيقه إختراقا في التطبيع مع الدول العربية ,وهو أحد الشعارات الإنتخابية التي يرفعها حزب الليكود.
كفلسطينيين لماذا لا يكون مؤتمر " وارسو" وخططه الخبيثة التي تستهدف قضيتنا , أمام هذا التقاعس والتواطؤ والخذلان , علينا أن نلوذ بوحدتنا الوطنية ,لن نستطيع مواجهة المؤامرة متفرقين , تأبى العصي إذ اجتمعن تكسرا , وفلسطين جرحنا الذي يوحدنا , وجرحنا الذي لا يشعر به الا نحن بالدرجة الأولي , لا يؤلم الجرح إلا من به ألمُ , أليس كل ذلك مدعاة لنا من أجل إستدراك مافات , والعمل على وجه السرعة في ترتيب البيت الفلسطيني عبر تعزيز الوحدة الوطنية ,وسحب الإعتراف وإعادة صياغة الرؤية السياسية الوطنية التي تحفظ الحقوق ,وتضمن إستعادة المقاومة الشاملة كخياراً إستراتيجياً لشعبنا على طريق تحرير الأرض وتطهير المقدسات , وإعلان الكفاح الثوري في كافة أماكن تواجد شعبنا تمهيداً للعودة إلى فلسطين .
بقلم/ جبريل عوده