غزة المثقلة جفونها بالتعب تتجرع الأمل بأن الأيام القادمة تحمل البشرى، تسبل عيناها وتغفو على حلم يأخذها إلى فضاء الخلاص من الضمور الذي أصاب الراتب والذي أقعد صاحبه رهين البيت خجلاً من مطالبات لا قبل له عليها، تصحو من حلمها فزعة على وقع قرارات أخرى عسيرة عن الفهم، أحلام غزة تقزمت وتقوقعت على متطلبات الحياة اليومية التي باتت صعبة المنال، الحزن يسكن وجهها والوهن تملك جسدها، تصرخ من جرح أدمى كبريائها، أين أخطأت غزة لتتحمل كل هذا الوزر؟، ألا يكفي ما بها من جراح انقسام أثخن جسدها؟، هل تعاقب غزة لأنها صمتت على موبقات قيادات أوردتها إلى ما هي عليه؟، هل مطلوب منها أن تسفك دمها من جديد كي تحظى بشرف تنديد هذا المسؤول أو ذاك؟.
حماس أخطأت حين لجأت للقوة لفرض سيطرتها على القطاع وانتهكت حرمة الدم الفلسطيني، ولا يمكن لها أن تتنصل من المسؤوليتها عما آلت إليه الأمور، ولا يمكن لفتح ايضاً أن تعفي نفسها من المسؤولية بتخليها عن الكثير من واجباتها تجاة غزة، ولا يمكن لها ان تبرر قصورها بتشبيه قطاع غزة بالطائرة المختطفة من قبل حماس، لأنه لو سلمنا جدلا بهذا التشبيه لأخبرنا التاريخ بأن انتهاء أزمة الطائرة المختطفة يتم إما بالتفاوض مع الخاطفين أو بإقتحام الطائرة بقوة عسكرية صاحبة خبرة، أما أن يطلب من ركاب الطائرة أن ينتفضوا للسيطرة على الخاطفين وممارسة الضغوط عليهم لفعل ذلك فهذا ما لم يسبق للتاريخ أن سجله.
غزة بحاجة لمن يطفيء نيران الكراهية ويضمد جراحها، وليست بحاجة البتة لمن يزيد لهيبها وينكأ جراحها، غزة لم تعد قادرة على العيش وسط عبثية الاتهام والاتهام المقابل، ولم تعد تحتمل ثقافة المخبرين والزنانات الأرضية وهي ترصد التغريدة والتعليق والاعجاب على وسائل التواصل الاجتماعي، ولا ترتضي لمناضليها تحت سطوة سيف الراتب أن يتحولوا إلى كتبة تقارير لملاحقة رفاق دربهم في قوت اسرهم، لا يمكن لقيادة واعية أن تطل على شعبها عبر تقارير كيدية ولا يمكن أن تكسب ولاء شعبها بسياطها وهي تجلد ظهورهم، ولن يعزز هذا السلوك سوى النفاق من جهة والحقد والغل من جهة ثانية ليفاقم الوضع الغير صحي الذي يعيشه المجتمع الفلسطيني.
الخطأ لا يعالج بخطأ اكبر منه، وانهاء ازمة "الطائرة المختطفة" لا يمكن أن يكون عبر تضييق الخناق على المجتمع ودفعة لحافة اقتتال داخلي لا يبقي ولا يذر، ويكفينا أن نطلع على تجربة الشعوب العربية المحيطة بنا لنقف على حجم الكارثة التي لحقت بهم من جراء الاقتتال الداخلي، وكذلك الأزمة لا تنتهي عبر سياسة تسميم الأجواء ونثر بذور الحقد والكراهية والضغينة، ولا عبر خلق مجتمع مريض بالفقر والبطالة، شئنا أم أبينا لا سبيل لحل أزمة غزة بل أزمة الوطن إلا عبر الحوار حتى وإن كان مصدر خيباتنا المتكررة.
د. أسامه الفرا