​العلاقة بين الصاروخ والقوة الديموغرافية...

بقلم: حسام الدجني

لا شك أن العنوان مثير، وهي جدلية فكرية تدور في ذهني منذ سنوات، وتتركز حول اهتمام المقاومة الفلسطينية في التسلح ومراكمة القوة، مقابل اهتمام (إسرائيل) وأصدقائها في بقاء الحصار، ولو كان السلاح ومقاومة الاحتلال هي كلمة السر في بقاء الحصار، فلماذا لم تقدم (إسرائيل) للرئيس عباس أي انجازات سياسية على الأرض بعد نجاحه في جمع سلاح المقاومة بالضفة الغربية، ووقف شبه كامل لكل العمليات المسلحة وغير المسلحة...؟

البحث في هذه الجدلية يكشف لنا بعض الحقائق حول طبيعة الصراع ضمن نظرة تقييمية ترتكز على سؤال لماذا لم ينتصر الشعب الفلسطيني حتى الآن..؟

لا يوجد وطني عاقل ممكن أن يرفض مبدأ تراكم القوة لأغراض الردع، ولكن في المقابل من الخطأ المبالغة فيها، فميزان القوة يرجح كفة (إسرائيل) خامس دولة نووية في العالم. ولكن القوة التي تخشاها (إسرائيل) هي القوة الديموغرافية، فالحيوان المنوي يعادل اليورانيوم المستخدم في تخصيب القنبلة النووية بالنسبة لأمنهم القومي، من هنا فإن استراتيجية بناء الجدران حول (إسرائيل) تنطلق من الخوف من الانفجار السكاني العربي داخل الدولة العبرية، وبذلك اختلال الميزان الديموغرافي لصالح العرب.

في حال جانبنا الصواب في الطرح السابق، وفي ظل الانتكاسة التي يتعرض لها المشروع الوطني الفلسطيني، ومع القضاء على فكرة حل الدولتين، وبدء عجلة التطبيع العربي الإسرائيلي بالدوران، ومع تزايد معدلات الهجرة من قطاع غزة للخارج لا سيما هجرة العقول، وفي ظل ما تقوم به (إسرائيل) من تهويد واستيطان، ومع غياب أي أفق سياسي نتيجة للمفاوضات أو المقاومة بكل أشكالها تبقى فكرة التقييم الشامل للصراع مسألة ضرورية، والخروج بخيارات وقرارات صادمة للاحتلال، لعل أهم خيار مقترح يكون من خلال إحياء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية عبر انتخابات ديمقراطية حيثما أمكن وبالتوافق حيثما يتعذر.

ثم يذهب المجلس الوطني إلى انتخاب مجلس مركزي ولجنة تنفيذية، وأن يبدأ المجلس الوطني المنتخب بحوار استراتيجي لتقييم كل شيء، واتخاذ قرارات صادمة للاحتلال تبدأ من عند الإعلان الرسمي عن فشل حل الدولتين، وبذلك تتراجع منظمة التحرير عن وثائق الاعتراف المتبادل، والقبول بقرار 242 وغيرها من القرارات ذات الصلة بحل الدولتين، والإعلان للعالم عن حل السلطة الفلسطينية، وتبني خيار الدولة الواحدة الديمقراطية العلمانية لكل مواطنيها. وتبدأ مرحلة نضال سلمي داخل فلسطين وخارجها للتسويق للفكرة ووضعها على الأجندة الدولية، لا سيما أن الفكرة تنسجم ومنظومة القيم الدولية والقانون الدولي.

يتم العمل على دعم مفاعل التخصيب المنوي الفلسطيني وفق استراتيجية واضحة وثابتة تقوم على بناء رأس مال اجتماعي قادر على النهوض بالدولة الواحدة.

توقع السلوك الإسرائيلي سيذهب باتجاه عدم قبول فكرة الدولة الواحدة، وهي تهديد وجودي لها، ولكنها بالمقابل لا يمكن أن تستخدم حرب اللا خيار (خيار شمشون) ضد الفلسطينيين، أي ستكون المعركة معها أخلاقية قانونية وسياسية، وهنا نحقق خمسة انجازات هي:

التخلص من عبء الصراع على السلطة، والذي رسخ لدينا انقساما نتائجه وتداعياته أخطر من الاحتلال نفسه، وبذلك تتحقق وحدة وطنية فلسطينية حقيقية.
إحياء منظمة التحرير وتحريرها من أمراض التبعية والهيمنة وصراع النفوذ.
الحرب الديموغرافية هي الأكثر نجاعة وأقل تكلفة من بين باقي الخيارات الأخرى في هذا الزمن الذي تختل فيه موازين القوة والمنطق.
سحب كل الذرائع والمبررات التي تصف المقاومة ونضال شعبنا بالإرهاب، وهذا يساعد الشعب الفلسطيني في التحرك وجلب الدعم لإنجاز استراتيجيته.
في حال وافقت (إسرائيل) على خيار الدولة الواحدة فسيكولوجية اليهودي لا يمكن أن تقبل مبدأ التعايش وبذلك سنرى هجرة عكسية، وفي حال قبل التعايش فسيعيش الجميع في كنف الدولة المدنية التي يحكمها القانون.
الخلاصة: المقال عبارة عن فكرة ومقترح جدير بالدراسة والتحليل العميق من القادة السياسيين والمفكرين، لعل وعسى نستطيع أن نخرج من عنق الزجاجة بأقل الخسائر.

 
د. حسام الدجني :
 المصدر: صحيفة فلسطين