اعتادتْ امرأةٌ النّظرَ إلى مرآتِها في كُلِّ صباحٍ، وهناك كانتْ ترى تجاعيدَ وجهِها، لكنّها ظلتْ تتمتم كعادتها عندما تظلّ تنظرُ إلى وجهِها المتجعّد بثنياتٍ بدتْ لها امرأةً هرِمة، فكانتْ تبرطمُ بعد أنْ تبتعدَ عن المرآةِ: هلْ فعلا هرمتُ فجأة، رغم أنني أشعرُ وكأنني امرأةٌ في منتصفِ العشرينيات، فالتّجاعيدُ أتتني من بؤسِ الحياة، فحين أرى تجاعيدَ وجهي، التي ظهرتْ بمرورِ السّنين أشعرُ بأنّني أعيشُ في بؤسٍ، لأن البؤس ظلّ يلاحقني منذ صغرِي.. تجلسُ المرأةُ في كُلِّ صباحٍ على الأريكةِ، وتبدأُ بقراءةِ الصّحفِ بعدما تنادي على خادمتِها لإحضارِ فنجانِ القهوة، وفي أحد الأيّامِ عندما كانتْ تقرأُ جريدةً وقعَ نظرُها على إعلانٍ يروّجُ لعملياتٍ تجميلية.. كانتْ حينها تراودها فكرةُ الذّهاب إلى تلك العيادة، لكنّها ظلّتْ مترددة.. وذات صباحٍ نظرتْ إلى خادمتِها، ورأتها شابّةً على غير عادتها، فسألتَها ماذا فعلتِ بوجهِكِ؟ إنّكِ تبدين أصغرَ عمراً، كانتْ الخادمةُ متردّدة للإفصاحِ عمّا فعلته لوجهِها، لكنّها قالت لها: طول عُمري أوفّر نقودا لعملِ عملية تجميلية لوجهي، لا أريدُ أنْ أهرمَ، فعلمتْ المرأةُ ذات التّجاعيدِ بأنّ عيشَها في بُؤسٍ سيظلّ يُؤلمها، فمُنذ صغرِها والبؤس على وجهِها جاثم من قسوةِ الحياة التي عاشتها، وكانت تقول إلى متى سأظلُّ هكذا غارقةً في بؤسٍ، لا أريد أنْ أهرمَ بسرعةٍ، فأنا ما زلتُ مفعمةً بروحِ الشّباب، فتجاعيدُ وجهي تجعلني أرى كلّ البُؤس، فلماذا لا أهجرُ البُؤسَ؟ أريدُ أنْ أرى وجهي بلا تجاعيدٍ، كفى بؤساً، فمنذ صغري وأنا أكدّ، وها أنا بتّ امرأةً هرِمة من بُؤسٍ يُحاصرني، سأضع حدّا لبُؤسِي المجنون، فلماذا لا أصبحُ امرأةً ساحرةٍ بعد اليوم، فلا يعقلُ أنْ أرى تجاعيد وجهي كلّ صباحٍ رغم أنني أريد أن أبقى امرأة جذابة، لكنّ عيشي في البُؤسِ طول السّنين جعلني أهرمُ بسرعة، وحين كانت تصلُ إلى العيادة، تقف هناك كعادتها وتعود وتقولٌ في ذاتها: لقد هرمتُ، لا يمكن إخفاءُ وجهي من بؤسِ الحياة..
عطا الله شاهين