بينما كنتُ انتظرُ قطاراً ذات مساءٍ بارد، إلا أنني شعرتُ حينها بمللٍ، ورحتُ أجلس على رصيفِ محطّةِ القطارِ، وتناولتُ مجلةً، لأبدّدَ مللي، الذي خيّم عليّ حينها، لأنني لا أُحِبُّ الانتظارَ، لكنّ المجلةَ لم تبدّد مللي، وبعد دقائقٍ رحتُ أدخّنُ سيجارةً لعلّها تخفّف من مللِي، وبينما كنتُ أنفثُ دخانَها بعيداً عن النّاسِ المنتظرين مثلي، دنتْ منّي امرأةٌ وطلبتْ ولّاعةً، فقمتُ بإشعالِ سيجارتها، فشكرتْني، ووقفتْ بجانبي، وراحتْ تسألني أأنتَ أي قطارٍ تنتظرُ؟ فقلتُ لها: وجهتي، فردّت: وأنا مثلكَ أنتظرُ ذات القطار، شعرتُ حينها بأنّ المللَ بدأ يتبدّدُ، فقلت في ذاتي: ما أصعبَ أن يكون الإنسانُ وحيداً، لأنّ المللَ حينها يجتاحُ المرء بجنونٍ، فرأتني أرتجفُ من البرْدِ، فقالت: أراك ترتجف، فقلت لها: لا بأس سأتحمّل البرْدَ، لكن تأخّرَ القطار يقلقني، فردّت: فعلا، ما أصعبَ الانتظارُ في جوٍّ باردٍ، وبعد مرور وقت قصيرٍ من حوارنا العادي، وصل القطار أخيرا، وصعدت إليه، ورحت أبحثُ عن مقصورتي، فوجدتها هناك تلك المرأة، التي كانت للتو تتحدث معي، فقالت يبدو بأننا سنسافر سويةً في هذه المقصورة، فقلت لها: هذا ما أراه، وجلسنا نتحدثُ حتى الصّباح، رغم أنّني قلتُ لها: اذهبي لكيْ تستريحي من تعبِ السّفر، لكنّها أبتْ، وقالتْ: الحديثُ معكَ ممتعٌ..
بقلم/ عطا الله شاهين