ظاهرة التفحيج في العمل السياسي

بقلم: علي بدوان

أبتليت الحالة السياسية الحزبية والفصائلية الفلسطينية بمرضٍ مُزمن عنوان "التفحيج"، الذي من صفاته أنه يصيب افراد دون غيرهم، ويجعل منهم حالة سهلة التنقل وتبديل الولاءات، وحتى الخيارات السياسية على المستوى العام، والخيارات الداخلية التنظيمية على مستوى التنظيم....

مرض "التفحيج السياسي" مرض عضال تعاني منه بالأصل منظومة الأحزاب السياسية في العالم العربي، إن كانت في مواقع السلطة كأحزاب حاكمة وهنا المصيبة الكبرى، أو كأحزاب مشاركة، أو كأحزاب معارضة. وفيه تلعب الحالات الرخوة بميدان المصالح الإنتهازية وحسابات الربح الصافي، حيث يتمتع اصحابها بمرونة عجيبة، تجعلهم ينقلبون في أي لحظة عن ماسبق وتحدثوا به، وصولاً للخلع التدريجي للثياب...

طبعاً، هناك فارق كبير بين تطور الموقف، والرؤية، والإستفادة من التجربة، والحكمة في تقدير الأمور، وحتى في اعادة النظر بالمنظومة الفكرية التي سبق وأن اعتقد البعض بها، وبين الإنتهازية السياسية والفكرية، والـ "الشقلبة" و "التفحيج".

إنحطاط الوعي، وتراجع مستويات التعليم، والتخلف الإجتماعي، وتواضع إمكانيات العديد من الأفراد، واتجاههم لتعويض النقص بمسلكيات غير سوية، عوامل مساعدة جداً على انتشار ظاهرة "التفحيج السياسي" في الحالة الفلسطينية عموماً. ولاحظو معي أن صفحات غالبية هؤلاء على مواقع التواصل الإجتماعي، تُشير لدراستهم الجامعية، في جامعات أوربا الشرقية، وهي في حقيقتها دورات حزبية أو دورات كومسمول (شبيبة)، وليس لها علاقة لا بدراسة جامعية ولا بـــ "سخام البين"، حتى أن "مفحجاتي" من الذين هاجروا للسويد يدوّن على صفحته الآن عبارة "خريج كلية .. جامعة ... " علماً أنه لم يستطع الحصول على شهادة التاسع السورية (الكفاءة أو البريفيه) لعدة سنوات متتالية. ولاننسى هنا في هذا المقام تجمعات وشهادات "الدكترة" التي يلقب بها أصحابها والتي تملىء "شوال أبو حز أحمر" في الساحة الفلسطينية، وهي في حقيقتها ليست أكثر من دورات حزبية. طبعاً مع احترامنا لجامعات أوربا الشرقية ومن درس على مقاعدها دراسة حقيقية، لا من ذهب اليها بشهادة لبنانية تم تزويرها بمعامل التزوير في بيروت ليدرس هندسة الطاقة وهو "يدوبك يعرف يقرأ ويكتب لغة عربية"، لذلك كان ما أن يصل أحدهم تلك الدول في منحة دراسية يتحوّل لتاجر شنطة وباتجاه الهروب للغرب الأوربي، ولينضم لجوقة "النبيحة" كحال "المفحجاتي" اياه في السويد التي انضم لحزبٍ يساري فيها ورشح نفسه في قوائمه في انتخابات

محلية أخيرة، وبنفس الوقت ذهب الى برلين ليشارك اجتماعات عمل مع حزبه البروليتاري الفلسطيني، فــ "التفحيج" امتد بين فلسطين والسويد.

أحدهم "مفحجاتي" بامتياز، عندما انشق وانشطر التنظيم اليساري الفلسطيني الذي كان ينتمي اليه، أواخر ثمانينيات القرن الماضي، اختار سلوك " التفحيج" ومافيه من انعدام للقيم والمبادىء. فكان مُصطفاً مع "الإتجاهين المتصارعين" وفق تكتيك "لكل مقامٍ مقال" أو تكتيك "الصمت"، بانتظار الحسم، وبالتالي إختيار الإصطفاف النهائي.

"المفحجاتي"، إياه، الصفيق، استكثر ظهوري في برنامج (بروفايل) على قناة فلسطين اليوم، في 9/2/2019، وهو البرنامج الذي أعيد بثه أربع مرات على مدى أربعة أيام، فأنبرى يكيل لي الإتهامات، التي سجلها لي بعض الأصدقاء من هاتفه الجوال وسمعتها بأذني. وذلك بالرغم من أنني وفي البرنامج اياه، لم اتحدث بكل العناوين بل لامست بعض العناوين ملامسة فقط، ولم اغوص في عميق التقييم لمسيرة تنظيمه اليساري الثوري جداً، الذي رميته خلف ظهري.

في نكتة، لكنها واقعة اكيدة مائة بالمائة، أن هذا "المفحجاتي"، إحتار من أمر المشاركة بمناسبة واحدة في حزيران/يونيو 1989 أقامها تنظيمه اليساري فترة الإعتمالات الداخلية قبيل الإنشقاق، حيث الإتجاه الذي كان يُرمز اليه بالشرعية أو "جماعة التقرير الأول" ولهذا حكاية ليس موضعها الآن. والتكتل الذي سينشق عنه لاحقاً والذي كان يرمز اليه بــ "جماعة التقرير الثاني". فالفعالية النشاطية قررها الطرفان كلاً لوحده، في اليوم ذاته لكن بتوقيتين مختلفين، وكانت المناسبة تحمل عنوان يوم الشهيد، فكان من "المفحجاتي" أن حضر عند الطرف المتكتل الذي سينشق "جماعة التقرير الثاني"، وقد أقام حفله النشاطي في معسكر 22 شباط القريب من بلدة منين وصيدنايا صباحاً، ولكنه لم يتنبه بأن مسؤول أمن التنظيم من الطرف الأول "جماعة التقرير الأول" كان قد ارسل كاميرا فيديو لتصوير كل الحضور من خلال شخص مصور دسه كمنشق معهم، بل كان في حقيقته شخص يُباع ويشترى ومن ارزال القوم وهو الآن متربعاً في بلاد المهجر. فانكشف بذلك كل الحضور في النشاط الصباحي الذي في المعسكر.

"المفحجاتي" إياه، شارك بالمهرجان المسائي في اليوم ذاته، في قاعة (خ ن) باليرموك، ولم يخاله أن فيديو حضور الجميع في حفل الصباح بات موجوداً. ومع هذا وجد "المفحجاتي" تبريراته لكلا الطرفين بشأن حضوره النشاطين معاً في الصباح وفي المساء.

"المفحجاتي" المذكور، دَفَعَ أسرته منذ اليوم الأول لمحنة اليرموك، للهجرة عبر قوارب البحر، بانتظار لم شملٍ له، فانتظر تلك الفترة ليصطنع حالة من التغبير وإثارة الدخان عنوانها العمل في اللجان المعنية باغاثة اليرموك، وما استتبعها من ضرورات التقاط الصور هنا وهناك في لحظات آمنة وساكنة في اليرموك وعلى جوانبه للمتاجرة بتلك الصور داخلياً وخارجياً. بينما كانت كل جهوده تتجه للإسراع بانجاز "لم الشمل".

بقلم/ علي بدوان