المُطلع على الأوضاع الراهنة يُدرك أنّ مؤتمر وارسو ولقاء الفصائل في روسيا عبارة عن وجه من أوجه استمرار الفشل الدبلوماسي والوطني الفلسطيني، والعجز عن دفع القضية الفلسطينية إلى الواجهة وإعادة البريق لها والقدرة على الانحياز للمصلحة العامة لشعبنا، ففي الوقت الذي تحشد فيه أمريكا الدعم الدولي لتمرير صفقة القرن أو خطتها للسلام المبنية على أساس الرؤية الإسرائيلية الكاملة، وبالتزامن مع محاولة تسويق نتنياهو ليس فقط أوروبياً بل عربياً من خلال إجراء لقاءات علنية وغير علنية مع وزراء خارجية عرب، ما تزال الحالة الفلسطينية عاجزة عن تبني موقف موحد يتصدى للخطر الحقيقي المحيط بقضيتنا الوطنية، وذلك على الرغم من أنّ نقاط الخلاف التي أُعلن عنها في لقاء روسيا لا محل لها وتم الاتفاق عليها سابقاً، فيما عرف بوثيقة الوفاق الوطني أو "وثيقة الأسرى" التي وقعت عليها كافة الفصائل الفلسطينية ولا تحتاج إلا لبدء التطبيق الأمين من أجل الخروج من نفق الانقسام المظلم، وكان يجب اأنّ يكون الرد العلني والسريع على اجتماع وارسو هو إعلان انتهاء الاختلاف الفلسطيني وإعلان حكومة وحدة وطنية تُهيئ للانتخابات العامة التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني لتجديد الشرعيات وتوحيد الموقف الفلسطيني في وجه الهجمة التي تستهدف الحق الفلسطيني ومحاولة فرض الرؤية الإسرائيلية عليه.
ومن ناحية أخرى على الرغم من مقاطعة دول كبرى لمؤتمر وارسو مثل روسيا والصين ومعظم دول أوروبا رفضاً للهيمنة الأمريكية التي تحاول أنّ تفرضها الإدارة الأمريكية بعد الفشل في أفغانستان والعراق وسوريا من خلال رفع الفزاعة الإيرانية واستبدالها كعدو مركزي في الشرق الأوسط كبديل لإسرائيل، مستغلةً تخوفات بعض دول المنطقة، فقد اكتفت السلطة الفلسطينية بمقاطعة المؤتمر، الذي هو واجب وطني على اعتبار هذه القمة لا تخدم بأي شكل من الأشكال المصلحة الفلسطينية وهي عبارة عن محاولة التفاف وفرض الرؤية الإسرائيلية على الحق الفلسطيني، ولم تستطع السلطة حشد موقف مناهض لهذه القمة في الملف الفلسطيني لا على المستوى العربي الذي قدم مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت 2002، و الإعلان أنها الموقف العربي الرسمي كرؤية حل للقضية الفلسطينية من قبل أكبر عدد من الدول العربية المحورية، ولا على المستوى الإقليمي والدولي المقاطع لهذه القمة والتي رفضت المشاركة لتعارض القمة مع مصالحها.
لا شك أنّ الموقف الأمريكي الحالي هو الأكثر تطرفاً وتجنياً على الحق الفلسطيني وتبنياً للرؤية الإسرائيلية من خلال نائب الرئيس الأميركي مايك بينس، وفريق إدارة الرئيس ترامب المشرف على ما يسمى عملية السلام في الشرق الأوسط والتي تخطت الدعم السياسي الكامل للتبني الأيدلوجي للرؤية الإسرائيلية القائمة على الهيمنة الكاملة والتفوق المطلق على حساب الحق والقانون الدولي والقرارات الأممية، وترى الإدارة الامريكية الحالية أنّ إسرائيل فوقها جميعاً.
لا تخجل الولايات المتحدة بل وتضغط لتنفيذ رؤية إسرائيل في الحل القائم على أساس دولة واحدة رأسها اسرائيل لنظامين إداريين مختلفين، أحدهما فيما تبقى من أراضي الضفة الغربية المعزولة والمقسمة بالمستوطنات، وغزة المحاصرة بالكامل والمفصولة جغرافياً عن الضفة الغربية، ويتم حالياً تمرير خطة فصلها اقتصادياً وإدارياً بعد الانقسام السياسي الذي حدث في 2007 من خلال إجراءات قطع الرواتب والتخلي عنها تدريجاً والتحلل من المسؤولية فيما عرف "بالإجراءات العقابية"، وفي ذات السياق تجري عملية تجويع الشعب الفلسطيني الممنهجة والضغط على المؤسسات والحرمان من المنح والمساعدات والتمويل "تجفيف تمويل وكالة الغوث"، سعياً لإرغام الشعب الفلسطيني على حلول تسعى أمريكا لتمريرها نيابةً عن إسرائيل.
بعد فشل أمريكا في كل من أفغانستان والعراق و عجزها عن فرض إرادتها في سوريا وتعثر مشروع الربيع العربي والتي تصدت له عدد من الدول العربية وعلى رأسها مصر، تحاول أمريكا إعادة التموضع في المنطقة من خلال بناء تحالف تشارك فيه إسرائيل كلاعب أساسي، ونجحت في تمرير جزء كبير من مخططها في الوقت الذي نغرق فيه نحن الفلسطينيون بالعجز و تتقهقر قضيتنا الوطنية بسبب عدم القدرة أو الرغبة في الوصول لحالة إجماع وطني، وننشغل في صغائر الأمور على حساب قضايانا المركزية، على الرغم من أنّ القطار قد مضى فهل نستطيع أنّ ننهض قبل فوات الأوان؟!.
بقلم أ. رمزي نادر