يعتقد البعض أن هناك يمكن ان يكون فصل بين ما يحدث من مخططات لانهاء القضية الفلسطينية و طي ملفاتها و بحسابات المسيحية الصهيونية المتناغمة مع الرغبة الصهيونية في أن تمتلك كل الأدوات السياسية و الأمنية و الاقتصادية ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط بل في عمق الكرة الارضية و اتساعها ، تحقيقا لمقولة لغة توراتية "شعب الله المختار" على الكرة الأرضية ، اسرائيل الأن تتمدد في افريقيا و اسيا في خطوات تحققها الدبلوماسية الاسرائيلية بالتعاون مع المسيحية الصهيونية في امريكا و بتواجدها في كل من الحزبين الديمقراطي و الجمهوري و استيلاءها على مراكز اقتصادية و اعلامية مهمة في الولايات المتحدة الامريكية ، فالنفوذ الامريكي لم يعد قاصرا في اوربا فقط بل في امريكا اللاتينية و الدول الاسكندنافية و اتى ذلك مع رياح و متغيرات اطاحت بمفاهيم للنظام الدولي في اواخر القرن العشرين .
وقفت اسرائيل ضد المحادثات و المفاوضات 5+1 مع ايران بصدد تقليم اظافر ايران النووية و عمل ناتنياهو رئيس وزراء اسرائيل على الدفع لمواجهة عسكرية بمحاولات حثيثة مع الرئيس الامريكي السابق اوباما ، و في وجهة النظر الاسرائيلية انه لم يعد هناك عدوا في المنطقة "منطقة الشرق الاوسط " سوى ايران و ما تدعيه من دعمها للارهاب ، فإسرائيل لم تكتفي بتحريض امريكا و دول الغرب بل قامت ايضا بتحريض الدول السنية لتفجير الصراع المذهبي في منطقة الشرق الأوسط و مما دعى لتغذية هذا النهج ، سلوك ايران في المنطقة في العراق و دعم حزب الله و فصائل المقاومة الفلسطينية و كما يقال دعم حركة طالبان في افغانستان و احتلالها منذ عدة عقود للجزر الاماراتية العربية "طمب الصغرى و طمب الكبرى و ابو موسى" بالاضافة الى دعمها لحركة الحوثيين التي تعتبرها السعودية عدوا يهدد امنها القومي على حدودها .
فشل ناتنياهو في تحريك اوباما لحروب مباشرة بين امريكا و الغرب من ناحية و ايران من ناحية ثانية وهو على عكس ما استجاب له بوش الابن لمقولة انه مرسل من عند الاله لبناء الهيكل الثالث لبنو اسرائيل و خاض بوش الابن حرب اجتياح العراق و تدمير الدولة الذي لم يستفيد منها الا الاغلبية الشيعية في العراق و التي تمثل اكثر من 60% ، و خلقت صراع طائفي في العراق نتج عنه ظهور دولة الزرقاوي و من ثم القاعدة و داعش ، ورجوعا الى رئاسة ابومابا للولايات المتحدة الامريكية فأوباما معجب بلغة الثورة ولكن اي ثورة هي الثورة التي تخدم مصالح الولايات المتحدة الامريكية و تبعدها عن المواجهة المباشرة مع المتغيرات في منطقة الشرق الاوسط فصنعت ما يسمى بالربيع العربي و دعمته لوجستيا بغية تدمير الدول الوطنية ورسم خارطة سياسية جديدة في المنطقة ، تحقيقا لمعادلة اقتصادية اكثر ظلما لشعوب تلك المنطقة هي تلك المعادلة بين المنتج و المستهلك و السيطرة على الثروات العربية ، احبط هذا المشروع بالمتغيرات التي حدث في مصر و في سوريا ودخول الدب الروسي على خط المواجهة في سوريا الا ان مشروع اوباما مازال يتعقب اي نتائج يمكن الاستفادة منها بدور تركية في الجبهة الشمالية الشرقية لسوريا .
ما فشلت فيه حكومة اليمين الاسرائيلي بقيادة ناتنياهو مع اوباما نجحت فيه نسبيا مع الادارة الامريكية الجديدة بقيادة ترامب التي تحركه ايضا المسيحية الصهيونية في الولايات المتحدة الامريكية التي تحرضه ليلا نهارا على تنفيذ التعاليم للانجيل القديم و المفاهيم التوراتية التي لا نعطي لها صحة بتزويرها لبعض المفاهيم التوراتية ، فترامب انسحب من الاتفاق النووي مع ايران و اعلن ان القدس عاصمة اسرائيل الموحدة و قطع المعونات عن السلطة و الغى حق العودة للاجئين و اوقف دعم الانروا و دعم الصحة في القدس و مازال ترامب يعمل على خلق حلف عربي لمواجهة ايران وتهديداتها للدول العربية و في الحقيقة تهديداتها لامن اسرائيل ووجودها وتهديدها للمصالح الغربية و الامريكية في المنطقة لما تسعى له ايران من توسع و نفوذها استراتيجيا على المنطقة العربية وتحكمها في مضيق هرمز و باب المندب .
منذ تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة اعلن عن مبادئه للسياسة الخارجية الامريكية بأنه لن يقوم بحروب مباشرة في المنطقة و مقابل حماية دول المنطقة يجب ان تدفع و هذا ما تعمل عليه امريكا لتسديد ديونها الداخلية عبر صفقات كبرى من الاسلحة بل الان اعلن ترامب عن انسحابه من سوريا لتتولى دول المنطقة حسب ادعائه محاربة الارهاب في سوريا و المنطقة العربية و تشكيل حلف عربي لمقاتلة و محاصرة ايران بل مواجهتها وهذا ماكان احد العناوين الكبيرة لمؤتمر وارسو اخيرا .
و السؤال هنا هل فعلا الحلف العربي بصدد مواجهة مباشرة مع ايران ؟ و السؤال الذي يليه هل فعلا امريكا بصدد مواجهة مباشرة مع ايران ؟
اقرت الدول 5+1 بأن ايران قوة اقليمية يجب تفهم مصالحها وعندما انسحب ترامب من تلك الاتفاقية طرح على ان يعاد التفاوض و الحوار من نقطة الصفر على ان يضم الحوار الصواريخ الباليستية الايرانية و نفوذ ايران في المنطقة ، و كما اعلنت الخارجية الامريكية بأنها ليست بصدد اسقاط النظام بالقدر الذي "يهذب النظام" .
اعتقد ليس هناك احتمالا بحرب مواجهة مباشرة بين ايران و الدول العربية او بين امريكا و ايران لحسابات الخسارة و الربح ولكن ما يستقرأ من الأحداث هو تقويض النظام الايراني من الداخل من خلال دعم المعارضة الايرانية و الحصار الاقتصادي و تنفيذ عمليات عسكرية تستهدف البنية العسكرية الايرانية و زعزعة الاستقرار من خلال اختراقات من دول الاقليم كباكستان التي يوجد بها ثلاثون مليون شيعي يمثلون 35% من تعداد سكان باكستان ولكن وبرغم خطورة العملية الأخيرة التي نفذت ضد الحرس الثوري الايراني انها اتت بتمويل سعودي من اراضي باكستان و تطالب الحكومة الباكستانية بشن عمليات عسكرية ضد تلك الجماعات وبطبيعة الجغرافيا فإن لايران اوراق قوة اذا لم تسيطر باكستان على الجماعات و الانشطة المعادية لايران فهي قادرة على تحريك الطائفة الشيعية في باكستان و تغذي جماعات مسلحة كالقاعدة في افغانستان و قد تزيد تدخلاتها و تقنياتها للحوثيين في اليمن ، باكستان قد تكون في موقف محرج و دقيق جدا ولانها تعاني ايضا من جماعات التطرف وصراعاتها على حدود كشمير مع الهند التي تتصاعد احياننا و تهبط احياننا تسبب لها عدم الاستقرار في حين ان السلاح النووي الباكستاني المواجه للسلاح النووي الهندي تحت السيطرة الامريكية بالاضافة ايضا ان حدود ايران مع الدول التي تقع تحت الجمهوريات الروسية و هي جمهوريات بها نسب عالية من الطائفة الشيعية ولايران نفوذ كبير في العراق التي على حدود شاسعة مع السعودية هذا اذا ما نسينا ان هناك تواجد شيعي كبير في السعودية نفسها .
اذا في اعتقادي ان اسرائيل غير قادرة ع الحلف العربي على شن هجوم مباشر على ايران و لكن يمكن ان تكون هناك مواجهات على جبهة حزب الله اسرائيل و هي محدودة بالاضافة الى التركيز على ضرب ايران من الداخل عبر حدودها مع الدول الأخرى و لكن ارى ايضا ان ما تمتلكه ايران من ادوات فعل سيخلق حالة من الفوضى ستدفع دول المنطقة الى العمل على التوازن الأمني و ليس المواجهة الشاملة و لتستمر زمننا طويلا ، المستفيد الاول و الاخير هما امريكا و اسرائيل و الخاسرون العرب و الايرانيون .
سميح خلف