الحوارات التي أجرتها الفصائل في موسكو لم تخيب آمال أبناء شعبنا الفلسطيني ونخبه وحتى المنضوين في إطار الفصائل وهم كثر ، بل أن تلك الحوارات بما أفضت إليه من نتائج جاءت أكثر كارثية للحالة التي كانت سائدة قبل بدء تلك الحوارات ، لأنها بتقديري قد عمقت الانقسام وأغلقت الأبواب في وجه المصالحة . لقد أظهرت حوارات موسكو أن هناك في الساحة الفلسطينية من لا يرى أية مخاطر جدية تواجه القضية الفلسطينية بهدف تصفيتها بكل عناوينها الوطنية ، أو أنه غير مستعجل من أمره منتظراً ما سيعرضه الرئيس ترامب في " صفقة القرن " ، التي بدأ تطبيقها قبل الشروع في إعلانها .
ما جرى في موسكو بين الفصائل ليس مخيباً للآمال بل مخجلاً ويدعو إلى القول صراحة ، إذا كان التوقيع على اتفاقات " أوسلو " عام 1993 قد شرعّ أبواب التطبيع أمام الكيان الصهيوني ، فإن فشل إنهاء الانقسام وإعلان المصالحة سيشرع ليس في تصاعد عمليات التطبيع واتساع رقعتها ، بل إلى تسريع التحالفات والعلاقات الطبيعية مع الكيان ، وأكثر من ذلك تمرير " صفقة القرن " بالرغبة أو بالتواطؤ أو من دونهما ، وهذه كانت أحد أهم أهداف قمة " وارسو " التي عملت عليها إدارة الرئيس ترامب .
أليس من المهين والمعيب أن يصل مستوى التخاطب والصراخ بين بعض الحضور إلى ما وصلت إليه من السباب والشتائم والتخوين ، ومن ثم التعمد في قلب الحقائق والتزوير بعدما تم التوصل إلى صياغة بيان حمل عنوان " إعلان موسكو " ، ليطيح بكل شيء في لمحة بصر أصيب أصحابها بعمى النرجسية والأنانية . وبعدها يتم الالتفاف على الحاضرين في استهبال على أن من رفض التوقيع يتحملون فشل الحوارات ، متباكين على المصالحة وهم ومنذ اللحظة الأولى لبدء الجلسة الأولى من الحوارات في معهد الاستشراق الدولي ، قد بدأوا هجومهم واتهاماتهم اللاذعة ذات اليمين وذات الشمال ، حتى أنها أصابت من يفترض أنهم من المقربين منهم .
على ضوء فشل جلسات الحوار التي حرصت القيادة الروسية على إنجاحها نتيجة إصرار البعض على إفشالها ، وكما ذكرت في مقالة سابقة ، فإن القيادة الروسية التي أبدت انزعاجها الشديد لتلك النتيجة ، لم يعد في واردها أن تبادر مرة جديدة إلى دعوة الفصائل إلى الحوار في موسكو ، وهذا على ما يبدو مدعاة سرور عند البعض ، لأنهم لا يرغبون بإعطاء الأصدقاء الروس أي دور في إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة . وبذلك قد تم التقاطع مع نتنياهو الذي رفض قطعياً أي دور روسي في المفاوضات بين كيانه والسلطة الفلسطينية ، على اعتبار أن حصرية رعاية ومسؤولية المفاوضات بيد الإدارة الأمريكية .
بقلم/ رامز مصطفى