قراءة في ديوان “ضباب الذكريات“ للشاعر الفلسطيني د. فؤاد عزام

بقلم: حسن عبادي

    ضباب الذكريات

الغزال رمز الرقّة والحبّ غير المشروط،  وتشتمل القوّة الرمزيّة للغزلان على رقّة القول والفكر واللمس، القدرة على الاستماع، فهم ما هو ضروريّ من أجل البقاء كقوّة العرفان بالجميل والعطاء، القدرة على التضحية من أجل الخير الأسمى، كما تُمثّل أيضًا الصلة بآلهة الغابات، وكان الغزال منذ القدم رمزًا مقدسًّا يُمثّل إله الخصب وحامي الطبيعة، و ترمز الغزالة للأنوثة، وسرعة البديهة والرشاقة، والاستقلال والطهارة والكبرياء، ويُعدّ ملكًا للغابة، وحاميًا لمخلوقاتها. وها هو د. فؤاد عزام يوظّف الغزلان في ديوانه الأخير "ضباب الذكريات" (34 قصيدة تقع في 76 صفحة، إصدار ذاتيّ خاص)، وله عدّة إصدارات شعريّة، وغيرها، ومنها: "أحلام السنونو"، "أحلام النوارس"، "للصباح أكتب"، "حبر الغيم"، "هي" و"ضباب الذكريات".

تسرح الغزلان وتمرح، تصول وتجول وتحلّق في 10 قصائد من قصائد الديوان، وكذلك نراها 7 مرّات في قصيدة "الغزالات"!!!
                 "للغزالات شوقُ الصباح
           ودِفءُ الشّتاء
           للغزالات عِطرٌ منَ المِسكِ
           يضوعُ منَ الأكمامِ والأزرار
           للغزالات ابتساماتٌ شَبِعت من نومها
           عَطِشت للقهوةِ الصَّباحيةِ
           والياسمين
           للغزالاتِ شوقٌ إلى النَّرجس البرّيِّ
               ورائحةِ اللّوزِ في آذار
           وعِطرِ الكلام الذي ودَّع القافية
           للغزالات شوقٌ إليكَ
           تنامُ على حافَّةِ اللَّيلِ
           تعًدُّ النّجومَ لِعَلَّكَ
           واصلٌ إلى عينيَّ غزالتِكَ الشّاردةْ..."

لإسطنبول التي يعشقها وتسري في شرايينه حضور في قصائد الديوان، فيتغنّى بها في قصيدة "غزالة إسطنبول"، "إسطنبول صباحًا"  وقصيدة "في إسطنبول" وغيرها:
        "في إسطنبول
        يطول انتظارُك
        أمام الحوانيت
        وتكظِم غيظَكَ
        لأنّكَ منهم
        تًحاولُ أن تنسى هُمومكَ
        وعلى متنِ سفينةٍ شامية
        تُغنّي وترقصُ
        تنتظرُ مرور الوقت
        راقصةٌ من الجمهورِ تثير ذِكريات
        الشّتاء"
يتحسّر د. فؤاد على ما يدور حوله في عالمنا العربيّ من عبث وفوضى وإراقة دماء كما نرى في قصائده "عطشُ العربيّ"، "كيف يصبحُ الدّمُ ماءً"، "الدَّم"، "تضيعُ الدّروب" وغيرها ويستجدي حلولًا تخرجه من هذا الوضع البائس!
أخذتني قصيدته "القصيدة المفتوحة" إلى أشعار أمل دنقل في "كلمات سبارتكوس الأخيرة" والأساطير اليونانيّة والتمرّد، والدعوة إلى اليقظة والتحرّر والحريّة مع سيزيف وصخرته بعد أن تبدّا سراب الربيع العربي وأحلامه وصار خريفًا مكفهرًّا فيصرخ:
        "سيزيفُ أما سئِمت أيامُكَ؟
        صخرةُ الهمِّ... طيور الوحدةِ
        سئمَت غيمَكَ
        أيّامكَ يبست أغصانها
        أحلامُكَ تكَسَّرت على
        عتباتِ بيتكَ...
        ما زلتَ –سيزيفُ – صاعِدًا
        السّقطة تكبُرُ والبحرُ هو البحر
        أنت وسيّابُ البصرة ودنقل مصر
        وأبو ذرٍّ تموتون على أرصفة القهرِ
        ظِلُّك يهربُ منك وتنسى أسماءَك
        (وربّي علَّم آدم الأسماءَ كلَّها)"
أملًا بصحوة يبثّها ويحييها طائر الفينيق، علّه يكون المنقذ، فهو الطائر الأسطوريّ الذي احتضنته البشريّة وخلّدته ليصير ملهمها للنهوض وقمع المستحيل     ويخرجها من الرماد لتتحدّى الصعاب وتحلّق بقوى متجدّدة نحو الحريّة المنشودة  فيقول في قصيدته "طائرُ الفينيقِ أنتِ":
        "طائر الفينيق أنت
        ترتفعين وتصعدين
        نحو الشمس
        فوق الغيوم تشعلين الريح
        أصفى من البلّور أنت
        تحملين أحلامنا إلى النجوم"
ويبعث إلى الأمل والتفاؤل مع قصائده: "الصّباح الهادئ"، "وجاء صباحٌ" و"الصباح الجديد".
يتناول د. فؤاد، نصير المرأة، كما رأينا في دواوينه السابقة، آفات اجتماعيّة مقيتة ومأساويّة كقتل المرأة الذي صار مألوفًا و"مشرّعًا" ويثور ضدّها:
        "نحن قومٌ تُهنا
        عن الدَّربِ
        تُهنا عنِ الحقِّ
        عُدنا إلى الكهفِ
        نمتطي شهوةَ الحِقدِ ونمضي
        تائهين"
يعوّل د. فؤاد على أصدقاء "أيّام زمان"، وهُم عملة نادرة في هذه الأيّام، وحين قرأت قصائده: "الأصدقاء"، و"ما أجمل الدنيا حين يكونُ الأصدقاء" أخذني إلى عالم أرسطو الذي قسّم الصداقة إلى ثلاثة؛ صداقة نفعيّة يكون الهدف من ورائها المصلحة والمنفعة وهي قصيرة المدى وتنتهي مع انتهاء المصلحة، صداقة المُتعة يكون الهدف من ورائها المُتعة بالكلام والقصص وهي زائلة تنتهي مع انتهاء المتعة أمّا الصداقة الثالثة فتقوم على الفضيلة لتَشابه الصفات دون مصالح وتدوم رغم مهبّ الريح وتقلّباته، ويقول في قصيدة "أصدقاؤك":
        "أصدقاؤك كانوا هنا
        مرّوا سريعًا
        تركوكَ في غيابتِ الجُبِّ
        وحيدًا
        وكان ذئبهم الذي لم يكنْ
        رحيمًا فغابَ عنكَ"
 حين أنهيت قراءة الديوان للمرّة الثانية تساءلت: لماذا أطلق شاعرنا  عنوان الديوان بِ"ضباب الذكريات" وليس "سرير الذكريات"؟!؟ فروح الديوان تتلاءم مع سرير ذكرياته حين يقول في القصيدة التي تحمل هذا العنوان:
        "أتمدَّدُ على سريرٍ
         سئِمَ الأسماء
        وسئِمَ السّقامَ
               وسئِمَ الأسئلة
        الملائكة تروحُ وتأتي
        يغمرها النورُ
        وصوت المطر
        يقتربُ من صفاءِ الرّوح
        تنهال الذكريات البعيدةُ
        والقريبةُ"
 
لا شعوريًا يسمّيه حين يعدّد مؤلّفاته في الصفحة الأخيرة "سرير الذكريات" (ص. 76)
   جاءت كتابته بسيطة، إنسيابيّة ومباشرة، بعيدة عن التعقيدات، الغموض وشدّ العضلات اللغويّة فاستساغتها الأذن.

ملاحظة لا بدّ منها؛ تساءلت حيال غياب صاحب "'لوحة" الغلاف الذي هُضِمَ حقّه، بتجاهله ؟!؟ وكذلك غياب اسم الشاعر عن الغلاف ؟!؟ وهما أمران ضروريّان تجب الإشارة لهما!.

المحامي حسن عبادي