نميمة البلد: الخلاف على الكيان “منظمة التحرير“ أم على سياساته؟

بقلم: جهاد حرب

كشف فشل الحوار الفلسطيني في العاصمة الروسية "موسكو" الأسبوع الفارط مسألة أساسية تمثلت بعقم الفكر السياسي للأحزاب والفصائل؛ فالخلاف الجوهري حدث حول الكيان السياسي للفلسطينيين وليس حول سياساتها أو بنية مؤسساتها أو إجراءاتها أو أعضاء اللجنة التنفيذية فيها؛ فرفض حركتي حماس والجهاد الإسلامي لتمثيل منظمة التحرير اثار خلافا وجوديا ينفي في سياقه تاريخا نضاليا طويلا للشعب الفلسطيني على مدار أكثر من نصف قرن في المنافي وفي الارض المحتل. ناهيك عن التشكيك بتمثيل منظمة التحرير على المستوى الدولي الذي حازت عليه عبر نضالات جسام.

عادة الأحزاب تختلف وتتصارع وتتنافس في إطار الكيان ولا تلغي هذا الإطار أو الكيان ذاته مهما علت أصوات الصراع أو حدة التنافس، وهي بالتالي تلتزم بالقواعد الناظمة للكيان لتغيير السياسات والإجراءات وهي تستطيع ان تغيير في مسار هذا الكيان لكنها لا تلغي الكيان ذاته.

أراد الأصدقاء الروس "كقطب دولي" أن يساعدوا الفلسطينيين على إيجاد برنامج سياسي يحملونه في المواجهة المحتدمة مع الإدارة الامريكية، وهي تحتاج الى تفاهم فلسطيني على نقاط رئيسية في البرنامج السياسي دون الغاءٍ لبرامج الفصائل، وهي بالضبط النصائح السوفيتية في العام 1974 لمنظمة التحرير، والمنسجمة مع خيار حل الدولتين المتبنى دوليا. أي بمعنى آخر لن يقاتل أو يدافع عنك أحد لا تتفق مع رؤيته ومصالحه أو تضعف من قدرته. وهي إضاعة لفرصة "تاريخية" في ظل تشكل نظام دولي جديد وإعادة تمركز مناطق النفوذ في الشرق الأوسط بين الأقطاب الدوليين.

 في المقابل استطاعت الوكالة اليهودية قبل عام 1948 أن تشكل اطارا "كيانا" جامعا لأطراف الحركة الصهيونية المتناقضة للتكيف مع المجتمع الدولي "شكليا" في فرض قرار التقسيم بإقامة "دولة إسرائيل"، وهي لم تلغِ أطماع/ أفكار الأحزاب التي تريد فلسطين التاريخية جميعها. وما حركة الاستيطان وأحزاب اليمين المتطرف في إسرائيل إلا امتدادا لتلك الجماعات.

وفي السياق نفسه يتنزل السجادل حول مقابلة الدكتور نشأت الاقطش على قناة الجزيرة؛ فهل المشكلة فيما قاله كحقائق أم المشكلة في وجود محاور إسرائيلي في المقابلة، في ظني ان الخلاف الأساسي هو في التصريحات سواء بما يتعلق بمرجعية منظمة التحرير ونشأتها أو في تمثيلها. الذي لا يمكن أن الاتفاق معه لا في المرجعية ولا حتى في حجم تمثيلها في الانتخابات التشريعية عام 2006. فوفقا للنتائج الرسمية للانتخابات حصلت حركة حماس على 44% من الأصوات في الانتخابات النسبية "القوائم"، وبقية الأصوات الـ 56% حصلت عليها فصائل منظمة التحرير (حركة فتح، والجبهة الشعبية، وتحالف البديل "الجبهة الديمقراطية، وحزب الشعب، وفدا"، وقائمة فلسطين المستقلة، وقائمة الطريق الثالث). أما في القسم الثاني من الانتخابات "الدوائر" فقد حصلت قوائم حركة حماس على 37% من الأصوات في المقابل حصلت حركة فتح على 34% من الأصوات، فيما هُدرت أصوات 29% من المقترعين والتي ذهبت الى مرشحين وقوائم في جلها تابعة لمنظمة التحرير ككيان سياسي جامع. أي في قراءة أخرى (أي حصلت حركة حماس على 37% من الأصوات مقابل 63% من الأصوات حصلت عليها منظمة التحرير). أما فوز حركة حماس في اغلبية المقاعد في المجلس التشريعي فذلك يرجع لطبيعة النظام الانتخابي الاغلبي المطبق في الدوائر الذي يمنح الفوز لمن يحصل على أعلى الأصوات.

فيما الاختلاف يمكن ان يكون في مفهوم التطبيع وهو اختلاف فيه مساجلة بين ممن يرون أن هذه المناظرة تدحض ادعاءات الاحتلال ومتحدثيه، وممن يرون أن الحضور يمكن ان يمنح فرصة لمتحدثي الاحتلال بالوجود على شاشات التلفزة العربية وكأنه أمر طبيعي، وهي وجهة نظر يمكن نقاشها فهي تأتي ضمن الاختلاف على الإجراءات والوسائل والسياسيات وليس على الكيان ذاته.

جهاد حرب