حالنا وأحوالنا كانت ولا زالت وكما يبدو ستبقى على ما هي بل أسوأ، ليس بسبب نقص في الموارد البشريه، ولا الثروات الطبيعيه، ولا حتى الامكانيات الممكنه والقدرات الكامنه، إنما السبب في العقلية الحاكمه بنخب لديها هم البقاء وهم جمع الثروه، ويساعدها مجموعةٌ كبيره ممن يسمون رجال دين وأحزاب أسلمه سياسيه هدفها تغييب العقل وعكسه نحو ماضٍ لم يعد قائما ولن يعود، ويحابيهم مجموعات المصالح من نُخب قبليه وعشائريه ترى في الحفاظ على التخلف والتقاليد أحد أهم الأسباب التي تُبقيهم في الصداره والأهميه، ومعهم نُخب ثقافيه في المجالات المختلفه أهميتهم تكمن في حرف البوصله عن واقع الانحطاط بكيل الإتهامات للآخر كان فردا أو دوله أو حتى فكر وتحت تصرفهم كم هائل من وسائل الإعلام المقروءه والمرئيه والمسموعه، أما رجال الأعمال فهم الجزء الاساسي من نُخب الحاكميه التي تقود ليس بمفهوم الإنتاجية بل بمفهوم النهب المُمَنهج الشُّرِه عبر نهج الزبائنيه والكومبرادوريه، وهم ليسوا سوى موظفين لدى الشركات الغربيه والإسرائيليه وبإسم رجال أعمال مهمتهم تسهيل النهب وتحويل المجتمعات لمجرد سوق إستهلاكي لبضائعهم.
فلسطينيا لا يمكن الحديث عن ثوره أو مقاومه، بل عن شكل مشوه من نظام سياسي يمتزج بين مفهوم الوطنيه المعتدله المتساوقه مع مفهوم الحاكميه العربيه، وبين مفهوم الأسلمه الإخونجيه التي تبحث عن قبول لها لدى تلك الحاكميه وبتبريرات وفتاوى دينيه كمقدمه لا للشراكه معها وإنما كبديل وزبون محتمل ومقبول جماهيريا للغرب الرأسمالي، الفشل كان من نصيبها بعد فشل مشروع الاخوان المسلمين في مصر ورفض مجمل الحاكميه العربيه لها بعد كشف مخططاتها التي إرتبطت في سياسة ونهج "التِقيّه" المتبع لدى كافة فروع الاخوان المتأسلمين، أما مفهوم المقاومه فأصبح طريق للكسب الجماهيري والشعبيه أكثر من كونه نهج متأصل لدى نخبها السياسيه.
النظام السياسي الفلسطيني بِشقّيه الوطني والأسلمي وضع الحقوق الوطنيه في مهب الريح وحصن نفسه بمفاهيم المصالح وإبتعد عن الواقع الشعبي الفلسطيني في الداخل والشتات وأصبحت قضيته الأساسيه هي الحفاظ على الذات كمصالح وإمتيازات أساسها إستمرار الإنقسام وتعميقه ليصبح إنفصال دائم.
للأسف تاريخ ما يسمى بالثوره الفلسطينيه المعاصره وتاريخ الإخوان المسلمين يؤكد أن الشراكه لم تكن يوما جزءا أساسيا من جوهرهما وعقيدتهما، ولا من شكل المؤسسات التي أوجداها، فحتى في الإنتفاضه الأولى كانت حماس ترفض الانضمام للقياده الموحده للانتفاضه، واليوم وبعد الانقلاب الحمساوي بقوة السلاح وتجذر الانقسام، أصبح من الضروري البحث عن معادلات وأشكال جديدة لقيام مؤسسه تمثل الجميع ويكون أساسها صندوق الاقتراع ووفق برنامج يتجاوز الحالي ويؤسس لعملية تشبيك مع الجوار العربي بحيث يتم حل معضلة الصراع القائم على أساس الدوله الفدراليه للشرق الأدنى القديم (العراق وبلاد الشام) ليصبح دوله فدراليه علمانيه تستوعب الاثنيات والديانات والمذاهب والطوائف ككل ووفق مفهوم المواطنه والحقوق المتساويه لكل المواطنين.
التقسيم والتفتيت سيزيد حدة الصراع وهو في غير مصلحة شعوب المشرق، بل هو وصفه إستعماريه سايكسبيكيه لإستمرار نهب الثروات وتجهيل الإنسان ليبقى في مجتمع إستهلاكي يبحث عن الأمن والطعام، فالمسلمين واليهود والمسيحيين جزء من هذا الشعب المتعدد بدياناته وإثنياته ومذاهبه وطوائفه، ومصلحته الحقيقيه في التشابك والتعاون والعيش وفقا لنظام وقانون مدني علماني وليس في إقتتال وصراع دموي دائم لم يجلب لهذا الشعب سوى تدمير الذات وتعميق الحقد والكراهيه بين افراده وامتداداته.
فقط وعبر فتح الحدود وتجاوز الذي لا يمكن تجاوزه، بمعنى دفن الماضي والنظر للمستقبل على أساس أن الإنسان هو المقدس الاول وكل ما تبقى ليس سوى فرضيات ونظريات هدفها تدمير الذات الانسانيه لتدمير مفهوم الحاكميه الالهيه المتمثله في العدل والمساواة والتمايز والاختلاف في ظل التوافق والتشبيك في وطن الجميع، فالكل أمام الخالق متساوي يوم الدينونه، والكل أمام القانون متساوي في دولة المواطنه الحقه الأرضيه.
بقلم/ فراس ياغي