بسم الله الرحمن الرحيم
إن ما دفعني لكاتبة هذا المقال وإثارة الموضوع مكررا المطالبة بضرورة إنصاف وحماية حقوق موظفي البطالة الدائم ومن في حكمهم، هو الحالة المزرية والظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعيشها موظفي البطالة الدائمة وأسرهم، وإحالة بعضهم للتقاعد بدون حقوق، وخصوصية المشكلة وغياب المرجعيات، فهي قضية مركبة ومتشعبه لتنوع اليات التعامل مع كل فئه منهم، برغم أنهم يعملون على بند اسمه (البطالة الدائمة) في وزارة المالية، فقد قسموا بطبيعة عملهم وأجورهم وخصوصية كل حالة لعدة فئات، منهم من يتقاضى راتب أقل من (1000)شيقل، ومنهم يتقاضى راتب يساوي الحد الأدنى للأجور، ومنهم الخريجين والمهنيين والفنيين، وقد طبق عليهم خصم 50% من الراتب أسوة بالموظفين، وقد أصبحت رواتبهم ما بين (500 شيقل-800شيقل)، ومنهم حاصلين على عقود عمل مدى الحياة، وأخرين تم إحالتهم على التقاعد لبلغ سن (60) عام، وبدون حماية اجتماعية أو راتب تقاعدي لانهم لا يستفيدون من التأمين والمعاشات، ومكافاة نهاية الخدمة مؤجلة....،حيث يطبق عليهم قانون العمل الفلسطيني وفق قرار مجلس الوزراء رقم ( 135) لسنة 2005م بشأن حقوق العاملين على بند البطالة الدائمة في المؤسسات الحكومية، وبالتالي علاقة العمل يحكمها قانون العمل الفلسطيني -هنا قصة أخري- فلا يجوز إنهاء عقد العمل من طرف الحكومة ارتباطا بالسن وفق قانون الخدمة المدنية والتقاعد العام، وطبيعة علاقة عملهم يحكمها قانون العمل الفلسطيني - فهذا مخالف لقانون-، ويعتبر هذا الاجراء فصل تعسفي، ويترتب عليه حقوق والتزامات واجب دفعها للمستحقين، ونفس الموظفين لا يجدون السبيل لتحصيلها برغم تحركاتهم وتواصلهم مع وزراتهم أو عبر مخاطبة الحكومة ووزارة المالية، ووزارة العمل، ولم يتركوا بابًا إلا وطرقوه من أجل إنهاء معاناتهم ورفع الظلم عنهم وانصافهم، كما وطالبوا تعيينهم وفق الأصول على ميزانية السلطة وهياكلها الوظيفية، فهم تقريبا موزعون على وزارة الأشغال العامة والإسكان، والمواصلات, والسياحة والآثار، ووزارة العمل، والشؤون الاجتماعية، والزراعة، والتعليم، وعددهم لا يزيد عن 500 موظف، ومنهم من يعمل منذ عام 1993 في عهد الإدارة المدنية واستمر التشغيل على هذا البند حتى عام 2005، يعني أقلهم لديه مدة عمل تزيد عن ( 15 عام)، وأكثرهم بلغ مدة عمله أكثر من (26 عام)، وهم بنفس الراتب وبدون أي زيادات عليها في ظل المتغيرات الاجتماعية والاسرية والاقتصادية التي يعيشونها، برغم قيامهم بالدور والمهام الوظيفية التي كانت مناطه بهم، وللعلم منهم خريجون جامعيون كانوا الأوائل على دفعهم وتم تشغيلهم بقرار من رئيس الوزراء لحصولهم على التفوق الجامعي.
هذه المأساة حقيقية ولا يجوز استمرار تجاهلها وإدارة الظهر لها، والتنكر لهذه الفئة ولحقهم كموظفين بأمن وظيفي واستقرار وحماية اجتماعية وتأمين من المخاطر في الكبر والشيخوخة، والحق بحياة كريمة وراتب تقاعدي مناسب، ومن واقع المسئولية الأدبية والأخلاقية والقانونية، هناك واجبات على الحكومة الفلسطينية بضرورة العمل على علاج هذه القضية، وتطبيق القانون عليهم، وتحديد طبيعة علاقة العمل معهم، وذلك بخطوات عملية اعتقد أنها ستساهم في معالجة قضية البطالة الدائمة ومن في حكمهم، والتي استمرت لعشرات السنوات وليس هناك أي مصوغ أو مرجع قانوني محلى أو عربي أو دولي، يشير لمثل هذه العلاقة في العمل واستمرارها انتهاك للحقوق العمالية لذا اقترح للتدخل العملي بالخطوات التالية:
- فتح حوار حقيقي مع اللجنة النقابية التي تمثل موظفين البطالة الدائمة لوضع خطة علاجية مناسبة وفعالة لأنهاء هذا الملف بشكل عملي وفعال.
- العمل على دارسة ملفاتهم وتخصصاتهم ودمجهم في الهيكل الوظيفي، واستكمال تعيينهم وفق الأصول على ميزانية الحكومة، وعمل تسويات للسنوات السابقة لهم مع التأمين والمعاشات لضمان رواتب تقاعدية لهم.
- تسوية أجورهم ورواتبهم وفق تخصصاتهم وحالتهم الاجتماعية، والعلاوات، وربطها بغلاء المعيشة، وتطبيق قرار الحد الأدنى للأجور على المتبقي منهم فلا يجوز التمييز بينهم.
- ضرورة وقف أي نسب من الخصومات على أجورهم فورا، فرواتبهم متدنية ومن العدالة عدم المس بها، والواجب مراعاة خصوصية حالتهم، فلا يجوز التعامل معهم كالموظفين على قانون الخدمة المدنية، وهم يطبق عليهم قانون العمل الفلسطيني، والواجب توحيد القانون والإجراءات ووقف أشكال التمييز بين الموظفين.
- العمل على إنصاف الموظفين الذين بلغوا سن (60) عام، وذلك باستمرار عقود عملهم لمدي الحياة أسوه بزملاء لهم ما زالوا على رأس عملهم، والالتزام بنصوص قانون العمل في حالة إنهاء خدماتهم وعقودهم وفق الأصول، ومعالجة جانب الحماية الاجتماعية وتأمين الشيخوخة لهم وفق برامج الحكومة وشبكات الأمان الاجتماعي.
إن استمرار الحالة المشوهة لطبيعة علاقة عمل موظفي البطالة الدائمة ومن في حكمهم، يترتب عليه انتهاكات صارخة لحقوق هذه الفئة من الموظفين، والتي كان لها دور ومساهمات في العمل الوظيفي، ولم يدخروا أي جهد او طاقة للقيام بواجبهم ودورهم في خدمة المجتمع والوطن، ويعتبر عدم مراعاة مشكلتهم وتجاهل مطالبهم وحقهم بالحياة الكريمة والتدخل، تجاوز خطير لمبدأ من مبادئ حقوق الانسان وهو الحق بالعمل الكريم والحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي، وهنا أتوجه لفخامة الرئيس " أبو مازن " لضرورة التدخل وإعطاء تعليماته لجهات الاختصاص لإنصاف هذه الفئة من الموظفين العاملين على بند البطالة الدائمة، كما أتوجه لسعادة رئيس الوزراء الفلسطيني د. رامي الحمد الله، بطلب للإيعاز للجهات المعنية في الحكومة لإنهاء هذا الملف الذي طال انتظاره، فالموظفين متأملين الحل والانصاف والعدالة، فالكثير من المسئولين وعدوا ولكن بدون حل جذري للمشكلة!!؟؟، والموضوع ما زال معلق!!؟؟ وهذا ما لمسته من خلال لقائي مع عدد من الموظفين وبحضور لجنتهم النقابية، والتي تناضل وتواصل كل لحظة مع كل أي مسؤول تشعر بإمكانية أن تجد لديه دعم قضيتهم....
أخيرا إن هذه القضية عادلة والموظفين أصحاب حق، والواجب إنصافهم، وتنظيم عملهم وتأمينهم أمام المخاطر، ومساندتهم وتعزيز صمودهم في ظل الظروف الاقتصادية الاجتماعية الصعبة التي يعيشها الموظفين والعمال بشكل عام، ولن يشكل إنصافهم أي ضغط على الميزانية للحكومة.
بقلم / د. سلامه أبو زعيتر
• عضو الأمانة العامة للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين
3/3/2019