اعتداء على الأماكن المقدسة للديانات السماوية الثلاث
من الواضح أن قادة اسرائيل المتطرفين المتشددين لم يدركوا بعد أن أي محاولة جديدة للاعتداء على، أو المس بحق المسلمين المقدس والأبدي في الحرم القدسي الشريف ستفشل حتماً، لأن أبناء القدس المرابطين لن يسمحوا بنجاح أي محاولة استفزازية اسرائيلية، وسيقفون باستمرار ضدها بكل شجاعة وحزم، وسينتصرون كما انتصروا في اسقاط محاولات عديدة في سنوات الاحتلال الاسرائيلي للمدينة منذ حزيران 1067 وحتى الآن. لقد تناسوا أو يحاولون التغاضي عن هزائمهم في العديد من المعارك حول السيادة على هذا المكان الاسلامي المقدس. ويتجاهلون بأن قادة اسرائيليين سقطوا جراء أطماعهم ومحاولاتهم للسيطرة على اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، فايهود براك سقط بعد أن سمح لاريئيل شارون بزيارة استفزازية لساحات الحرم عام 2000، وسقط شارون أيضاً بعدوانه العسكري الغاشم على ابناء الضفة محاولا التصدي لانتفاضة عارمة حملت اسم "الاقصى عام 2000" واستمرت لعدة سنوات.
الا يعرف القادة الاسرائيليون المتطرفون أن أبناء القدس يقفون بالمرصاد لكل محاولة خبيثة ويستعدون لمواجهتها، وان وقفتهم ليست شجاعة وفريدة فحسب، بل هي نوعية ويدعمها أكثر من مليار مسلم من أبناء دول مجلس التعاون الاسلامي، كما يدعمها ويساندها المسيحيون الشرقيون أبناء الديانة المسيحية، وكذلك رؤساء الكنائس في القدس والعالم أجمع، لانه لا يجوز لأي سياسي مهما عظمت مكانته الاعتداء على دور العبادة سواء اكانت مسيحية أو اسلامية، ولا تجوز ايضا محاولة التدخل في فرض هيمنة جزئية، أو لفرض تقسيم مكاني وزماني. ويجب على هؤلاء القادة أن يتذكروا بأن مجزرة الحرم القدسي الشريف في العام 1990 لم يقف في وجهها وتصدى لها فقط المسلمون أبناء القدس والخارج، بل تصدى لها رؤساء الكنائس في القدس حينما اغلقوا الاماكن المقدسة المسيحية في الديار المقدسة لمدة 24 ساعة أمام السياح من مختلف انحاء العالم، وأحدث ذلك القرار هزة في اسرائيل والعالم كله.. ويجب ألا ينسى هؤلاء القادة أن من اوائل الذين هبوا لاطفاء نيران الحريق الذي أشعله الارهابي مايك روهان في آب 1969 هو راهب مسيحي، وقف الى جانب اخوانه من شيوخ وافراد في اخماد نار الحريق..
في معركة "مصلى باب الرحمة" سينهزم فيها القادة الاسرائيليون اليمينيون كما هزموا في معركة محاولة تركيب أبواب الكترونية على أبواب الحرم القدسي الشريف، وفي محاولات سابقة عديدة. وهذه المعركة الجديدة لن تكون سهلة، وستكون لها تداعيات وارتدادات عديدة.
الاعتداء على "مصلى باب الرحمة" هو اعتداء على مكان مقدس، وعلى حقوق ديانة سماوية.. وهو اعتداء ايضا على حرية سيادة الاديان على معابدها المقدسة جدا، وهو اعتداء على المسلمين والمسيحيين ايضا، وهو اعتداء على اتفاق السلام بين اسرائيل والمملكة الاردنية الهاشمية، لان المملكة هي صاحبة الوصاية على الاماكن المقدسة في القدس، ولها الحق الكامل في ادارتها دون تدخل في ذلك، الا ان اسرائيل ومن عادتها ألا تحترم الاتفاقيات، وتعتدي عليها بانتهاك بنودها.. وهناك أمثلة كثيرة على انتهاك العديد من الاتفاقات التي وقعتها اسرائيل ولم تحترمها، ولم تحترم هي ذاتها توقيع قادتها عليها.
لقد تواجدت عناصر الأمن الاسرائيلية داخل الحرم بحجة حمايته من اعتداءات متطرفين وارهابيين أمثال مايك روهان و"ابناء الهيكل المزعوم"، وآخرين كانوا يخططون لقصف الحرم بقذائف لتدميره، ولكن في الواقع تحوّلت هذه العناصر الى ذراع قمعي ضد أبناء القدس وضد المصلين، وأصبحت الداعم والحامي لاستفزازات خطيرة جدا. وأصبحت الجهة التي تصدر أوامر ظالمة بحق رئيس وأعضاء مجلس الأوقاف، وضد العاملين في الحرم من اداريين وحراس. وهذا ما يزيد التوتر سخونة، ويزيد من غضب أبناء القدس وكل مسلم شريف في العالم.
لذلك على قادة اسرائيل الحاليين أن يعترفوا ويدركوا بأن عليهم وقف الاعتداء على أي مكان مقدس في القدس وخارج القدس، وان يحترموا قادتهم السابقين الذين فور احتلالهم القدس في اوائل حزيران 1967 قطعوا وعدا بعدم الاعتداء على الاماكن المقدسة، وكذلك ألصقوا منشورات رسمية موقعة على أبواب الجوامع والكنائس في القدس. وعلى القادة الجدد المتطرفين أن يتوقعوا غضباً عارماً في حالة استمرار المضي قدماً في أطماعهم بمصلى باب الرحمة، وهذا الغضب سيحول الصراع الى ديني، والقادة السياسيون الاسرائيليون سيدفعون الثمن الباهظ لان اليهود العقلاء في العالم لن يسمحوا لهم بذلك، لان الاعتداء على الحرم القدسي الشريف هو ضوء اخضر للارهابيين المتطرفين في العالم للاعتداء على دور العبادة للديانات السماوية الثلاث في العالم. وسيزيد من ظاهرة "اللاسامية" أو العداء لاسرائيل أكثر من أي وقت مضى. والتساؤل الأخير: هل يتعظ هؤلاء القادة المتطرفون قبل فوات الأوان؟ هناك شك كبير في ذلك!.
بقلم/ جاك خزمو