سَتأكلُ غزةُ خُبزَها بسلاحِها

بقلم: فايز أبو شمالة

تعرف قيادة الأركان الإسرائيلية أن لدى غزة سلاحها القادر على إرباك المشهد الإسرائيلي بشكل عام، وأن لدى غزة إرادتها الواثقة من قلب الموازين، وتغيير المعطيات في الميدان لصالح المقاومة، وتعرف غزة أن إحجام القيادة العسكرية الإسرائيلية عن ممارسة عدوانها المتكرر ضد الأبرياء في غزة لا ينجم عن دوافع إنسانية، ولا خشية من لجان التحقيق الدولية، ولا رعباً من غضب الحكومات العربية، وإنما نتاج حسابات ميدانية دقيقة لا تصب في صالح الغزاة.

القيادة العسكرية الإسرائيلية تعرف أن العدوان على غزة سيرتد رعباً وفزعاً وموتاً على المجتمع الإسرائيلي، وهذه هي الصخرة الكأداء التي تتهشم عليها تهديدات المستويات الأمنية الإسرائيلية كافة، ولاسيما بعد أن تأكدت القيادة الإسرائيلية أن الأوضاع في القدس والضفة الغربية قابلة للانفجار مع تطور المواجهات، وتدرك الحكومة الإسرائيلية أن لقرارها العسكري ارتداداته على المجتمع العربي والساحة الإقليمية، والتي قد تتحول بين عشية وضحاها إلى ساحة انفلات للغضب الشعبي العربي غير مضمون النتائج.

وتقرأ غزة هذا الواقع جيداً، وتعرف غزة نفسها جيداً؛ تعرف قدراتها، وامكانياتها؛ سواء تلك التي يعرفها عدوها، أو التي يجهلها، وتعرف نقاط ضعفها، لذلك قررت غزة أن تأكل رغيفها بسلاحها، ومسيراتها، لقد قررت غزة رفع الحصار بالمقاومة، ولاسيما في هذه المرحلة التي تخوض فيها الأحزاب الإسرائيلية معاركها الانتخابية للبرلمان، فهذه لحظات مصيرية فارقة بين تحقيق الأهداف التي يتطلع لها أهل غزة، وبين الموت البطيء في صناديق الوعود الفارغة.

غزة ترفض أن تموت جوعاً، وهذا قرار شعبي، يشارك فيه الموظف الذي لم يتسلم راتبه من شهور طويلة، ويشارك فيه العامل الذي وصلت البطالة بين صفوفه إلى 52%، والتاجر الذي أفلس، والطالب الذي فقد الأمل بالمستقبل، والخريج الجامعي الذي وصلت نسبه البطالة بينهم إلى 70% ، ورب الأسرة الذي أرهقه العوز، والمرأة  التي احتارت في توفير لوازم بيتها، والعجوز الذي يئن على عكازه، والطفل الذي يفتش عن صباحه الملهوف، لذلك فإن المواجهة والتصعيد قرار شعب يرفض أن يموت انتظاراً وصبراً وتوسلاً، هذا قرار الشعب قبل أن يكون قرار القيادة السياسية والعسكرية في غزة، وهذه لغة الشارع أينما يممت وجهك، في الحارة والمخيم والمدينة والقرية وفي أماكن التجمع في الشوارع المكتظة بالناس والخاوية من القدرة الشرائية.

غزة تقرأ الزمن جيداً، وتعرف أنها تسير باتجاه التصعيد الشعبي من خلال مسيرات العودة حتى يوم الأرض، 30/3/2019، وحتى ذلك التاريخ، فإن غزة لن نترك الانتخابات الإسرائيلية تمر بتاريخ  9/4/2019، دون أن تصل إلى غايتها، لن تسمح غزة للانتخابات الإسرائيلية بأن تمر دون أن تهز الجدران، فإما رفع الحصار، وإما اختلال الأمن على كافة المستويات.

أيام معدودات، وستخرج غزة مع غضبها، ستخرج غزة بنسائها ورجالها وأهلها لتأكل خبزها المغمس بالبارود والنار، فلا خيار، والقرار ألا تعود غزة إلى حظيرة الانتظار.

في آخر لقاء مع يحيى السنوار، سمعته يقول: ما قيمة سلاحنا الذي نتدرب عليه، ونعتد به، إن لم يطعم شعبنا من جوعٍ، وإن لم يؤمنه من خوفٍ؟!

د. فايز أبو شمالة