يستحق هذا الرجل أن نكتب عنه نحن الفلسطينيين باحترام شديد، فهو الذي يقف صامداً وسط حالة التساقط تباعاً التي بدأت تهوي في الأعوام الأخيرة باتجاه تل أبيب من قبل دول عربية لم تعد ترى في العلاقة مع إسرائيل ما يكسر الموقف العربي الذي ظل متماسكاً لعقود طويلة.
مرزوق الغانم هو رئيس البرلمان الكويتي والذي يقاتل إسرائيل بعناد ليس فقط في البرلمانات الدولية كما فعل العام الماضي حين طرد الوفد البرلماني الإسرائيلي، بل أيضاً يجد الرجل نفسه مقاتلاً بين البرلمانيين العرب محاولاً أن يعيد عليهم قراءة درس جمال عبد الناصر من جديد.
يستحق هذا الرجل أن نكرمه بما نملك من بساطة الأقلام وبساطة اللغة، وهذا أقل ما يمكن أن يقال لرجل بدا كأنه يسبح عكس تيار الرغبة الأميركية التي تدفع بالعرب عنوة نحو إسرائيل وعكس تيار الزيارات التي يقوم بها الإسرائيليون لبعض العواصم، وفي الزمن الذي يتبجح به نتنياهو بأن العلاقات مع الدول العربية السرية مفتوحة بل وصادمة لو عرفها الفلسطينيون. يسطع نجم الغانم الذي بدا كأنه يلاطم أمواج التطبيع بما يملك من صوت ليس ضعيفاً في زمن التردي لأن الشعوب العربية لا تزال ترى في إسرائيل دولة محتلة، ولا تزال ترى أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى، فالمظاهرات التي تتحرك تضامناً من اليمن للمغرب تعكس حالة المزاج العربي.
محاولات التطبيع الخجولة والتي أطلت برأسها في اجتماع البرلمان العربي وهي محاولات رسمية تصدى لها الغانم وهي نتاج تعرض النظام العربي الرسمي لضغوط هائلة من الإدارة الأميركية وليس جزءا من الرغبة العربية ومن تابع كيف رسمت إسرائيل سياستها بعد فوز الرئيس الأميركي ترامب يعرف كيف وضعت التطبيع العربي واحداً من أولوياتها المطلوبة من الولايات المتحدة الأميركية، لذا جرى الحديث عن مؤتمر يجمع العرب وإسرائيل في قمة البحر الميت كتمهيد للقاء عربي مع نتنياهو وكذلك قمة وارسو وأخيراً كان الأمر أكثر وضوحاً في اجتماع البرلمانيين العرب.
في الزمن الصحيح لم تكن مواقف رئيس البرلمان الكويتي تثير الانتباه عندما كان الموقف العربي بكل تلك الصرامة ولكن مع الانهيارات الحاصلة لا بد لهذا الموقف أن يحظى باحترامنا وإعجابنا باعتباره موقفاً استثنائياً، وتلك وحدها قصة حين هبط سقفنا الفلسطيني إلى أن نفرح لأن لاعب كراتيه انسحب من المباراة لأن بها لاعب إسرائيلي أو أن عداء رفض المشاركة لوجود إسرائيلي، وأمام هذا الهبوط يظهر موقف الغانم وخاصة أنه موقف رسمي يظهر كحالة صمود أخلاقي.
لا يعبر الغانم عن موقفه الشخصي وحده بالتأكيد وإن كان له فضل بذلك، ولكن الحقيقة أنه يعبر عن موقف الكويت وأصالة الكويت التي تحتضن لجنة مقاومة التطبيع.
فهذه الدولة مازالت محافظة على رصانة مدعاة للإعجاب ليس فقط لأنها تعبر عن قوميتها بل لأنها بالتأكيد تعرضت لما تعرضت له دول عربية من ضغوط كبيرة للذهاب نحو تل أبيب أو استقبال أي مسؤول إسرائيلي لكنها أعادت التأكيد على موقفها من خلال رئيس برلمانها.
الحقيقة التاريخية التي علينا الاعتراف بها أن الكويت التي تحمل وتساند موقف منظمة التحرير الفلسطينية والتي لعبت الدور التاريخي الأبرز في احتضان النواة الأولى لحركة فتح والثورة الفلسطينية بل ووضعت كل الإمكانيات أمام الخلية الأولى تعرضت لما يشبه الخذلان من المنظمة إبان حرب الخليج حين وقف الفلسطينيون إلى جانب العراق تأييداً ومباركة في حربه ضدها واجتياحه لها.
وكان من الممكن أن تظل الكويت الأكثر عداء للموقف الفلسطيني ولكن تلك الدولة تفاجئنا جميعاً بأن مواقفها القومية لا ترتبط بردات الفعل فهي أكثر اتزاناً من نزوات التاريخ العابرة وأخطائه الساذجة.
لكن السؤال الأكبر حول تسارع التطبيع أو زيادة الرغبة لماذا الآن بالذات؟ لماذا مع أكثر الحكومات تطرفاً في إسرائيل؟ ولماذا مع انغلاق كل آفاق التسوية؟ ولماذا مع ازدياد الهجمة الإسرائيلية على أقدس مقدسات العرب وهي القدس؟ فلو كان الأمر مع حكومات يسار كما التي كانت يوماً ما وأن عملية التسوية والمفاوضات مستمرة ربما لكان في المسألة ما يمكن أن يجد بعض ما يبرره ولكن بعد أن تستخلص إسرائيل عصارتها القومية المتطرفة وتقدمها للعرب ليتقربوا منها فهذا لا يمكن فهمه.
الضغوط الأميركية لم تتوقف وإن زادت وتيرتها مع الرئيس الأميركي الجامح نحو تنفيذ البرنامج الإسرائيلي.
لكن بات من الواضح أن هناك مستجدات تجاوزت يمينية إسرائيل وبرامجها وكذلك جعلت هذه الضغوط تحقق اختراقاً على صعيد التطبيع وهو ما يقف بوجهه رئيس البرلمان الكويتي الذي يسجل هو ودولته موقفاً للتاريخ.
أغلب الظن أن هناك مسألتين لعبتا الدور الأبرز في صناعة مناخات التطبيع الذي يجعل بعض البرلمانيين العرب يحتجون على رفض التطبيع في البيان الختامي، الأولى ما حدث في الإقليم من اهتزاز وإزاحة أنظمة عربية كان للولايات المتحدة وأدواتها دور في إزاحتها جعلت النظم العربية أقل ثقة بنفسها وأكثر استجابة لواشنطن، وللرغبة الإسرائيلية خوفاً من بطش كلتا الدولتين ما يكلف النظام العربي حكمه من مخرجات الربيع العربي الذي يدفع ثمنه الفلسطينيون.
المسألة الثانية وهي التي علينا الاعتراف بها دون خجل أو استمرار باتهام الآخرين وكأننا بريئون من دم قضيتنا والعبث بها وهو أن شكلنا الحالي بعد الانقسام وتوقف الانتخابات وتآكل المؤسسات، هل ما زلنا نحظى بالاحترام الذي كان يوماً ما؟ ربما أن كثيراً من العرب أرادوا سابقاً التقارب مع إسرائيل وبعضهم فعلها سراً، ولكن المشهد الفلسطيني بتماسكه وهيبته كان واحداً من أهم ممانعات عملية التطبيع وما هو قائم لدينا يعطي لمن يريد أن يذهب بلا خجل وهنا علينا التوقف عن لوم العرب وتحميلهم مسؤولية وإعطائهم شهادات رغم رفض التطبيع باعتباره واحداً من أهم أوراق القوة الفلسطينية، ولكن هل نحن فعلاً مهتمون بكل أوراق القوة لدينا ؟ هناك شك في ذلك.
علينا مراجعة أنفسنا أولاً ولوم أنفسنا كثيراً عما فعلناه بنا، وفي فترة المراجعة علينا أن نقول شكراً للكويت على عروبتها وشكراً للغانم على مواقفه الشجاعة...!
بقلم/ أكرم عطا الله