تستمر قيادة السلطة بالنهج الإنفصالي في إدارتها للشأن السياسي الفلسطيني , وتواصل الإنسلاخ عن واقع الصراع الحقيقي في فلسطين , وتصر على الغوص في وحل التخبط اللامتناهي ,وهي تنفرد بعيداً عن الكل الوطني , وتهرب في وادي سحيق لا ينتمي لتطلعات شعبنا الوطنية , عبر خطوات تساهم في زعزعة الصف الفلسطيني , وتعمل على إحباط كل محاولات رأب الصدع وإنهاء الإنقسام السياسي ,ولعل مرد ذلك إلى العقلية الإقصائية التي أحكمت السيطرة على مؤسسات المنظمة , وتزعم التمثيل للشعب الفلسطيني في حين أن الكل الفلسطيني يعلن جهاراً نهاراً معارضته لكل الخطوات والإجراءات ,التي تقوم بها القيادة السياسية المتنفذة والمتحكمة في القرار الفلسطيني الرسمي.
حكومة جديدة تم الإعلان عن تشكيلها بقرار من الرئيس محمود عباس , وهي الحكومة الثامنة عشر في سلسلة حكومات السلطة الفلسطينية , وسط مقاطعة وإعراض الكثير من الفصائل الفلسطينية الوازنة عن المشاركة فيها , رغم كمية الإغراءات المادية التي عُرضت على الفصائل والأحزاب من أجل الإنضمام إليها , حيث ترى الفصائل الفلسطينية أن الواجب الوطني يحتم علينا التداعي نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية , تكون وليدة إتفاق وطني أو تطبيقاً للاتفاقيات والتفاهمات السابقة , مهمتها الرئيسية تهيئة الأوضاع المناسبة من أجل إجراء الإنتخابات الشاملة ( مجلس تشريعي , ومجلس وطني , ورئاسة ) .
الشخصية التي وقع عليها التكليف بتشكيل حكومة السلطة , كما كان متوقعاً هو السيد محمد إشتيه عضو اللجنة المركزية لحركة فتح, ومعروف بمواقفه المعادية لقطاع غزة , حيث يرفض تخفيف الحصار ووقف العقوبات , حيث قال في مقابلة مع تلفزيون فلسطين التابع للسلطة , بأنه يرفض التعاطي المصري الإنساني مع قطاع غزة , معلل موقفه ذلك بأن أي إجراء لتخفيف الحصار هو بمثابة تنفيس لإجراءات السلطة القمعية ضد أهالي قطاع غزة , التي تهدف إلى تفجير الأوضاع الداخلية في قطاع غزة.
قيادة السلطة عزمت أمرها ولن تتراجع عن سياسة التفرد , حيث تريد إجراء إنتخابات تشريعية فقط , وبالمناسبة هذه الإنتخابات لن تكون تعبيراً عن إرادة الشعب الفلسطيني الحقيقية , في حال تم إجرائها وسط حالة الإنقسام وغياب الوحدة الفلسطينية التي تشكل ضمانة حقيقية لإجراء إنتخابات نزيهة وتكون نتائجها مقبولة من جميع الأطراف.
في قراءة خطاب التكليف للسيد إشتيه, نرى أن المهمات التي اُنيطت بالحكومة , يسيطر عليها الإرباك والتخبط في الأولويات الوطنية , في هذا الظرف التاريخي الذي تمر به قضيتنا الوطنية , يصر رئيس السلطة محمود عباس على تشكيل حكومة ذات لون واحد وذات أهداف غير مجمع عليه فلسطينياً, واللافت أن أول أهداف حكومة (عباس – إشتيه ) هي العمل على ما يسمى بإستعادة قطاع غزة إلى الشرعية , عن أي شرعية يتحدث كتاب التكليف ؟ هل هي شرعية المقاومة والصمود التي تتقنه غزة وأهلها أكثر ممن صاغ كتاب التكليف ومن وقع عليه ؟!. أم هي شرعية الوحدة الوطنية التي تمارس عملياً في غزة عبر ميادين المواجهة ضد المحتل الصهيوني ( مسيرات العودة , والغرفة المشتركة ) وليست في الخطابات الجوفاء والشعارات المضللة , فالشرعية الفلسطينية الحقيقية تكون لمن يقارع المحتل في غزة والقدس ورام الله , ولن يكون هناك شرعية لمن يقدس التنسيق الأمني ويؤمن بحق الصهاينة بالتنعم بخيرات فلسطين ويسعى لحفظ أمن " إسرائيل " ليعيش شبابها القاتل بأمن وسلام .
ضمن الأهداف الإستعراضية الكاذبة ما جاء في البند الثالث , هو توفير الدعم المعنوي والمادي " الممكن " لضحايا الإحتلال وأسرهم من شهداء وأسرى , في هذا البند تخلي عن تقديم الدعم في حالة عدم الإمكان, و الأصل هو التأكيد على أن تقديم الدعم لعوائل الشهداء والأسرى واجب وطني ونهج إستراتيجي لا يمكن التخلي عنه , ويطرح السؤال ماذا عن مئات الحالات من عوائل الأسرى والشهداء الذين حرموا من مخصصاتهم المعيشية ومرتباتهم التي يقتاتون منها ؟, لاشك ان إستمرار قطع مخصصات هذه الفئة التي تشكل عنوان للتضحية والفداء يشكل إنخرافاً عن المسار الوطني الفلسطيني , ويعتبر طعنة في ظهر الثوار وخذلان لذويهم الأطهار .
ويأتي البند الرابع من كتاب التكليف , بإدعاء العمل على تعزيز ودعم صمود شعبنا وبقائه في أرضه , هل سياسات السلطة في قطع الرواتب للموظفين وعوائل الأسرى والشهداء ووقف الإمدادات الحيوية في قطاع الصحة بغزة تساهم في تعزيز صمود شعبنا في أرضه ؟ , أم أنها تساهم في محاولات تركيع شعبنا بالجوع والحصار والإجراءات العقابية ,في ظل الهجمة الشرسة على القضية وعنوانها " صفقة القرن " , كما أن قمع المقاومة في الضفة المحتلة ومطاردة رجالها ومصادرة سلاحها , وإستمرار التنسيق الأمني يزيد من إضعاف شعبنا وسلبه أدوات القوة والمقاومة في الدفاع عن نفسه وأرضه في مواجهة عربدة المستوطنين التي زادت في ظل هذه السياسات العبثية للسلطة وأجهزتها الأمنية , فمن يريد تعزيز صمود شعبنا في أرضه يجب عليه أن يوفر لهم متطلبات الصمود والبقاء وعدم محاربتهم في أرزاقهم , كما يجب عليه دعم وإسناد مقاومتهم في مواجهة الإحتلال ومستوطنيه الذي يمارسون الإستباحة لكل شئ فلسطيني في الضفة والقدس .
ما يمكن إستخلاصه أن هذه الحكومة جاءت من أجل تنفيذ رغبات حزبية ضيقة الأفق , تتنافى مع كل مفاهيم الشراكة الوطنية ,تضرب عرض الحائط كافة التفاهمات والإتفاقيات وتعتبر إمعاناً في التفرد والإقصاء والتهرب من إستحقاقات الوحدة الوطنية ومتطلبات إنهاء الإنقسام عبر الطرق المجمع عليها وطنياً , والتي تشكل مساراً آمناً لإستعادة الوحدة وتحصين القضية من كافة الأخطار المحدقة.
بقلم : جبريل عوده*
كاتب وباحث فلسطيني
10-3-2109م