بعد أربعين يوماً، على استقالة أو بالأحرى إقالة حكومة الوفاق الوطني عكست شيئاً من التردد، والشكوك، يقطع الرئيس محمود عباس، كل ذلك بإصدار مرسوم تكليف عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الدكتور محمد اشتية بتشكيل حكومة جديدة، وبعد أن ساد اعتقاد بأن الرئيس قد يؤجل ذلك إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية.
لا بد أن قرار إقالة الحكومة، وتشكيل حكومة سياسية فصائلية يعكس رؤية مختلفة لجملة التحديات التي تواجه الفلسطينيين في هذه المرحلة، والتي لم تنجح حكومة الوفاق في التصدي لها. وكالعادة، تذهب حكومة وتأتي أخرى بدون تقييم موضوعي لأدائها، للوقوف على أسباب وعوامل النجاح أو الإخفاق، لكن الثابت هو أن كل حكومة منصرفة تدعي أنها حققت العديد من الإنجازات رغم صعوبة الظروف، رغم أن الأحوال تسير من سيئ إلى أسوأ في الوضع الفلسطيني. ومع غياب آلية التقييم الموضوعي تغيب المحاسبة والمساءلة، ومع غيابها تصبح الكثير من الملفات، إضافة إلى ما تختزنه الأدراج.
خمس سنوات على حكومة الوفاق، لم يكن لها نصيب من اسمها، فهي لم تعكس حالة وفاق وطني حقيقي، إذ تعرضت لانتقادات شديدة من قبل حركة حماس والفصائل الفلسطينية، ولا هي حققت الهدف الأساسي، وهو إنهاء الانقسام، بما أنها جاءت نتيجة اتفاق الشاطئ.
فشل الحكومة في تحقيق الهدف الذي تشكلت على خلفيته ومن أجل تحقيقه، لا يعود صراحة، إلى الحكومة، ذلك أن قرار وآليات تحقيق الوفاق، مسألة سياسية أساساً، خاصة وأنها جاءت بإرادة سياسية. ربما كان تشكيل حكومة سياسية برئاسة عضو من اللجنة المركزية لحركة فتح، أحد الدوافع وليس كل الدوافع التي تقف وراء عملية التغيير، فحكومة الحمد الله لم تستقل من ذاتها، وإنما هي أقيلت بقرار من «فتح» والرئيس عباس.
من حيث المبدأ لا غبار على كفاءة الدكتور اشتية، الذي يملك من المهارات والإمكانيات النظرية والعملية ما يجعله من نخبة الكفاءات القليلة التي يمكن أن تتبوأ هذا المركز، ولكنه وحكومته، أيضاً، سيخضع لذات شروط وظروف وآليات عمل الحكومات السابقة، وأفضل ما يمكن أن يفعله هو النجاح أكثر في تدوير الزوايا.
تشكيل حكومة سياسية فصائلية من منظمة التحرير الفلسطينية مع الاستبعاد المسبق والحازم، لحركتي حماس والجهاد الإسلامي لا شك أنه يعكس أكثر من دلالة.
أول هذه الدلالات، هو أن حل حكومة الوفاق، ينطوي على قطع مع البيئة والدوافع، والاتفاق الذي أنتجها واستدعى وجودها. لقد وصلت حركة فتح إلى نتيجة مفادها أن إنهاء ملف الانقسام واستعادة غزة إلى حضن الشرعية والسلطة الوطنية، لا يمكن أن يتحقق من خلال الحوار والوساطات، والاتفاقات التي يجري توقيعها بدون أن يجد أي منها النور على أرض الواقع.
لقد سبق لأكثر من مسؤول في حركة فتح بما في ذلك مسؤول ملف العلاقات الوطنية عزام الأحمد القول بأن الحركة لن تعود للحوار مع حركة حماس، وقد جرى تكثيف هذا الاستخلاص قبل لقاءات موسكو. والحقيقة هي أن لقاءات موسكو والنتائج الفضائحية التي أفضت إليها عززت مثل هذه القناعة، الأمر الذي عكس نفسه على الجهد المصري، الذي أخذ يركز في الفترة الأخيرة على ملف التهدئة كأولوية.
عند استعراض ممكنات تشكيل هذه الحكومة، في ضوء رفض فصائل أساسية من منظمة التحرير الفلسطينية، فإن النتيجة ستكون واضحة، من أنها ستكون حكومة حركة فتح بامتياز، ولا يقلل من أهمية هذا الاستنتاج وجود وزراء من فصائل أخرى أو شخصيات مستقلة. هذا الأمر يعكس تقدم حركة فتح نحو تحمل المسؤولية الأساسية عن معالجة العديد من الملفات، والتحديات، بما في ذلك وفي مقدمتها ملف إنهاء الانقسام، ولكن بوسائل مختلفة طالما أن وسائل الحوار والوساطات لم تجد نفعاً.
انطلاقاً من ذلك، واستناداً إلى الإصرار على استعادة قطاع غزة، فإن المتوقع هو أن تلجأ السلطة والمنظمة وحركة فتح إلى تصعيد الإجراءات، ومنها الأكثر تأثيراً وفعالية في الضغط على حركة حماس، وربما، أيضاً، على الناس في القطاع، الأمر الذي ستواجهه حماس بالمزيد من الإجراءات والأفعال.
وبدون أن يحسب على من سيقول إن تشكيل هذه الحكومة يعمق الانقسام على أنه يقف في المعسكر المضاد للحكومة ومن ورائها، فإن الأمر موضوعياً، يذهب في اتجاه تعميق الانقسام، وتفاقم الأزمات ورفع مستويات التوتر والصراع الداخلي، بالرغم من صحة الهدف الذي يقول بضرورة إنهاء الانقسام بأقصى سرعة، وبأي الأساليب ما دون الحرب الأهلية والاقتتال والفوضى.
أما السبب الثاني فيعني أن حركة فتح تزجّ بنفسها وطاقاتها من موقعها كحامل وحام مفترض للمشروع الوطني، في أتون الصراع المسؤول عن مواجهة المخاطر التي تواجه القضية الفلسطينية.
يدعو ذلك للاعتقاد بأن حركة فتح تتجه نحو تصعيد دورها السياسي والشعبي في مقاومة التطاول على الحقوق الوطنية الفلسطينية، وعلى نحو مباشر، ما يعني أنها بعد تشكيل حكومة من هذا النوع ستكون مسؤولة عن نجاح أو فشل الحكومة في تحقيق أهدافها التي تضمنها كتاب التكليف والرد عليه.
من الواضح أن حركة فتح تريد أن تستعيد ثقة الجماهير، هذه الثقة التي تضررت كثيراً، خلال المرحلة السابقة، منذ وقوع الانقسام، على أن الملف الذي يحظى بأولوية المعالجة بالنسبة لحكومة اشتية يكمن في قدرتها على معالجة ملف الأزمة المالية، التي ستشكل أول اختبار في ضوء التداعيات الكارثية لهذه الأزمة في حال طال أمدها.
بقلم/ طلال عوكل