هل نجحوا حقا في ترويضنا؟

بقلم: علي الصالح

إنهم يروضوننا تدريجيا للقبول بكل ما يملونه علينا، وحتى لا تهتز لنا قصبة،
إنهم يروضوننا للقبول بزيارات المسؤولين الإسرائيليين إلى الدول العربية، لا سيما الخليجية، ويعودوننا نفسيا على أن يكون مشهد لقاءات المسؤولين الإسرائيليين مع نظرائهم العرب أمرا مألوفا، ولا يثير ردات الفعل التي كان تثيرها تلك المشاهد في السنوات الماضية. فلهذا تراهم مرة يظهرون في عُمان ومرة في الإمارات وثالثة في البحرين واخرى في قطر والأردن، وينقلوننا على بساط الريح إلى المغرب، حيث النفوذ الإسرائيلي القوي، قبل أن يعودوا بنا إلى مصر، وفي آخر مرة، اقتيد نحو عشرة وزراء خارجية عرب إلى العاصمة البولندية وارسو، لالتقاط الصور مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، تحضيرا أو ربما "بروفة" لما سيكون عليه الوضع عند إطلاق ما يسمى صفقة القرن، بعد الانتخابات الإسرائيلية في9 إبريل المقبل.
إنهم يروضوننا لكي ننظر إلى الماضي لا إلى المستقبل ونقول "يا ريت اللي كان ما كان"، يجملون الماضي في أعيننا بخلق صورة بشعة للحاضر وإخافتنا مما يخفيه لنا المستقبل.
إنهم يروضوننا ليصل بنا الحال، وقد وصل، كي نرى في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، المنقذ فنقبل الأيادي، ونفتح لها الأبواب كي تأتي إلينا وتعيد احتلالنا لمساندتنا وتخلصينا من أنظمة ديكتاتورية قاتلة واستبدادية من صنع يديها،
إنهم يعملون عبر التخويف والترهيب، على حرماننا من حلم التغيير في المستقبل من دونهم، بعد النتائج التي آلى إليها ما يسمى بـ"ثورات الربيع العربي" في ليبيا وسوريا واليمن ومصر وحتى تونس. فخلقوا لنا ما يسمى تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي كان يتشكل بمعظم عناصره من عملاء لأجهزة أمن الدول، لاسيما الغربية التي ابتعثوا منها، فيضربون أكثر من عصفور بحجر واحد، أولا التخلص من الشباب المسلم المتذمر والغاضب والمتطرف في هذه البلدان. وثانيا تشويه صورة الإسلام والمسلمين وشيطنتهم، وهذا ما نجحوا به إلى حد كبير، لينتشر ما يسمونه في الغرب بعبع "الإسلاموفوبيا". ثالثا ليمنعوا أي تطور للمسلمين في هذه البلدان التي يمثلون فيها نسبا سكانية عالية إلى حد ما، ويحولون دون تبوئهم أعلى المراكز التي يستحقونها، صحيح أن هناك نوابا ووزراء مسلمين في بلد مثل بريطانيا، ولكن نسبتهم لا تعكس أعدادهم التي ربما تتجاوز الملايين الثلاثة، مقارنة بتمثيل اليهود وعددهم لا يتجاوز نصف المليون، في مجلس العموم ومجلس اللوردات الخ.
بالغوا بقوة هذا التنظيم وسمحوا له بالانتشار والتوسع جغرافيا والسيطرة على مساحات شاسعة من الاراضي السورية والعراقية، تصل إلى مساحة سوريا، وسمحوا له بإعلان دولته. ومبالغة في قوة هذه التنظيم، زعموا وعلى لسان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، أن التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة بحاجة إلى نحو30 عاما للتخلص من دولة الخلافة. ولكن اختلف الامر عندما تحققت الأهداف ودُمّرت الدول العربية الكبرى، وامتصت ثرواتها في صفقات سلاح لا تستخدم إلا ضد بعضنا بعضا، وخلقت الأسافين بين ابناء الشعب الواحد، وقسمتهم إلى ديانات وطوائف وإثنيات متناحرة متقاتلة، ما يحتاج منها لسنوات طويلة لرأب الصدع إذا كان ذلك ممكنا، وإلى ترليونات الدولارات لتعيد الشركات الغربية بناءها. فحتى مصر الملتزمة بمعاهدة سلام، مع اسرائيل لم تنج من مؤامراتهم، ونجحوا في إشغالها في حرب ضد ما يسمى بالجهاديين لتظل بحاحة ماسة للمساعدات من دولة الاحتلال والولايات المتحدة من ورائها، وتبقى مرتبطة على الأقل أمنيا لدحر هذا البعبع المختلق والمصطنع. ولن تتحقق هذه الأمنية للنظام المصري طالما لا تخدم هذه الخطوة مصلحة الاحتلال.

    سيظل العالم العربي ميدانا لتجريب السلاح في العالم ومحطة لصراع الدول الكبرى

واختزلت السنوات الثلاثين التي تحدث عنها أوباما للقضاء على تنظيم "الدولة"، بقدرة قادر إلى سبع سنوات فقط، لتعلن الولايات المتحدة على لسان رئيسها ترامب، أن تنظيم "الدولة" هزم، وأن قوات سوريا الديمقراطية الكردية التي تحظى بدعم من واشنطن تواصل ملاحقة فلول مقاتلي التنظيم، وأسر الآلاف منهم. وأعلن ترامب أيضا أنه سيسحب القوات الأمريكية من سوريا، رغم معارضة المسؤولين العسكريين الذين تختلف حساباتهم عن حساباته. وبالمناسبة فإن دول التحالف لن تسعى للقضاء على "داعش" وستبقي على مئات أو آلاف من عناصره، لتشغيلهم عند اللزوم والحاجة.
وكما يقول المثل "الحديث ذو شجون" سنعود إلى ما بدأنا فيه، وهو كيف يعملون على ترويضنا وإعدادنا نفسيا للقبول بما يملونه علينا، ويجعلوننا دوما نترحم على الماضي، إلى حد أن الواحد منا أصبح يتمنى بسبب سوء الحاضر، أن يعود بنا الوقت إلى الوراء لنعيد النظر في موقفنا المعارض، على سبيل المثال لمعاهدة سلام كامب ديفيد بين مصر مع إسرائيل عام 1979، التي أطاحت بالإجماع العربي وأخرجت مصر من المعادلة وحدها، بعد النتائج الكارثية لاتفاق اوسلو الذي وقع في البيت الابيض في سبتمبر 1993.
والشيء بالشيء يذكر فقد أحيا معهد ترومان الاستشراقي التابع للجامعة العبرية في القدس المحتلة، قبل ايام الذكرى الأربعين للمعاهدة التي وقعها الرئيس الراحل أنور السادات ورئيس وزراء دولة الاحتلال مناحيم بيغين في منتجع كامب ديفيد، برعاية الرئيس الامريكي جيمي كارتر، الذي تحول لاحقا كغيره من المسؤولين والدبلوماسيين الغربيين السابقين، إلى مؤيد للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وذلك في مطلع التسعينيات وتحديدا بعد توقيع اتفاق أوسلو.
وتعتبر معاهدة كامب ديفيد أحد أكبر الإنجازات المهمة للسياسة الخارجية لدولة الاحتلال، بصفته أول اتفاق بين إسرائيل ودولة عربية، فبفضل هذه المعاهدة تحول الصراع الإسرائيلي- العربي لصراع إسرائيلي ـ فلسطيني، وهذا القول صادر عن وزير أمن الاحتلال الاسبق موشيه يعلون.. وتحدث عن حيوية الاتفاق بالنسبة لإسرائيل ومكانتها في المنطقة. فقال بعد توقيع كامب ديفيد بدأت دول عربية التسليم بوجود إسرائيل وبحقها في البقاء كدولة قومية للشعب اليهودي، وهذه مسيرة بدأت ولم تستكمل حتى اليوم". وحول الصراع الإسرائيلي – العربي قال يعلون إنه يمكن القول اليوم إن إسرائيل وأنظمة عربية تقف في صف واحد طبعا، يقصد الدول الخليجية بحجة الخطر الإيراني. وكل هذا ما كان ليحدث لولا خروج مصر من المعادلة، ومن الصف العربي قبل 40 عاما. وحاليا فإن نسبة كبيرة من الشعب المصري تترحم على أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك، فلم يفعل مبارك ما فعله ويفعله نظام عبد الفتاح السيسي الان.
واصبح العراقيون، وأقصد الكثير من المعارضين العراقيين، الذين كانوا يؤيدون بل يدعون للتدخل الأمريكي لتخليصهم من صدام، أصبحوا يترحمون على أيامه التي ذاق فيها الشعب العراقي الأمرين، بعد أن اصبح العراق الغني بثرواته، وكالة من غير بواب.
ويترحم العديد من الليبيين على أيام العقيد معمر القذافي بسبب الأحوال التي آلت إليها الأوضاع والاقتتال الداخلي الذي تشهده ليبيا، وينطبق ذلك على اليمن الذي لا يزال يدمي بسبب الحرب التي تقودها ضده السعودية، وكذلك على سوريا بعد أن نجحت دول خليجية في المساعدة على إجهاض الثورة. وأخيرا سيظل العالم العربي ميدانا لتجريب السلاح في العالم ومحطة لصراع الدول الكبرى، فلأمريكا مشروعها في المنطقة، وكذلك روسيا ولكل من الدول الكبرى في المنطقة، وهي إسرائيل أولا ثم تركيا وايران لها مشاريعها وأطماعها، إلا العرب الذي سيظلون إلى أجل غير مسمى هم محط الأطماع.
واختتم بكلمات لمسؤول ليبي سابق حول ما سماه بأغرب صراع في التاريخ، صراع امريكا وحلفائها ضد روسيا وحلفائها.
ميدان الصراع: أرض العرب
ضحية الصراع: شعوب العرب
سبب الصراع: حماقة العرب
تمويل الصراع: أموال العرب
وقود الصراع: اقتصاد العرب
هدف الصراع: ثروات العرب
المطبل للصراع: إعلام العرب
ويا عيني لا تحزني

علي الصالح
كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"