لقد أحكم الاحتلال قبضته على الاقتصاد الفلسطيني في اتفاقيتي أوسلو وباريس. وأصبح الاستيراد والتصدير والمال بيده، أو بمعنى آخر صار المفتاح بيده. الاحتلال يعلم أن الاقتصاد هو القوة بعينها، وهي التي تعمل على التماسك المجتمعي الداخلي، وتجربتهم (اليهود) في السيطرة على الاقتصاد العالمي لا تزال حاضرة في عقول من يدركون كيف يعمل هذا العالم. المفتاح اقتصادي اجتماعي سياسي، من يدرك هذه التركيبة يسهل عليه فهم تعقيدات العالم بكل أنواعها.
اقتصاد غزة والضفة هو اقتصاد مشوه لأسباب كثيرة أهمها الاحتلال، وهذا الاقتصاد انما هو ترس صغير في اقتصاد الاحتلال . هكذا أراد الاحتلال له أن يكون، وهكذا أراد مجتمع دولي متواطئ مع الاحتلال ضمن منظومات المصالح الكبرى . الاقتصاد عامل استقرار اجتماعي وسياسي مهم، بل مهم جدا . حرب الاقتصاد إنما تهدف إلى نزع حالة الاستقرار المجتمعي .
السؤال هل يمكن وخلال فترة زمنية الانعتاق بطريقة أو بأخرى عن هذا الوحش الاقتصادي المجرم الذي يأكل الأخضر واليابس ويمتص الدماء؟. أو هل يمكن تحقيق مكاسب كبرى منه، وتقليل مكاسبه من اقتصادنا؟
التفكير مهم ويجب أن يركز على كيفية الوصول الى حالة من الرضى لدى المواطن خصوصا فئة الشباب لتقليل نسبة البطالة. وذلك من خلال خلق فرص عمل منتجة وليست شكلية ، بتناغم وتنسيق بين كافة القطاعات ، واحتياجاتها من التخصصات العلمية العليا والدنيا والمتوسطة والمهنية. دخول الجامعات على الخط مهم، والقطاع الخاص ربما اهم، وتلعب الحكومة دورا محوريا في كل ذلك. هناك قطاعات أخرى أساسية كالقطاع الأهلي و قطاع الوقف وغيرها والتي يجب أن تسهم جميعا بطريقة تشاركية وقوية في إحداث تحول تدريجي وجذري في العلاقة بين هذه القطاعات .
حتى المشاريع والمساعدات تخضع لاشتراطات المانح ومن خلال منظومة أعلى ، القرار فيها يخضع لموافقة الاحتلال بل لارادته، فكل دولار يدخل الضفة اوةغزة من المهم معرفة دورته وطريق حركته وأين يمر ومن المستفيدون منه؟
المساعدات كلها من الممكن أن تكون (أي شيء)، ما عدا أن تكون تنموية، حتى مشاريع البيئة والمياه والصرف الصحي والنفايات وغيرها ، كلها مشاريع من شروطها المعلنة او غير المعلنة ان لا تكون تنموية ولا مستدامة ولا تخلق فرص عمل حقيقية تعمل على إحداث تغيير نوعي وحقيقي في مستوى المعيشة أو الاقتصاد أو الاجتماع .
القيد الاقتصادي ثقيل جدا جدا على الضفة وغزة من قبل الاحتلال، والتفكير يجب أن يكون بنفس المستوى، لا ينبغي أن نشكو بل تنبغي المبادرة في كل الاتجاهات، الاقتصاد يحتاج إلى صناعة بيئة مناسبة ، ينبغي العمل على صناعتها بهدوء ، الاقتصاديون يملكون الأفكار الرائعة ، ينبغي تحويلها إلى واقع ملموس، قد يحدث تصادم هنا أو هناك، هذا أمر طبيعي وممكن حله داخليا. هناك تشوهات كثيرة بحاجة إلى حلول بسيطة وصغيرة ومعقدة وتراكمية، الحلول من الممكن أن تأتي ، والمبادرات يجب أن تنجح، والموارد رغم قلتها يجب أن يتم البحث عنها بقوة، واستثمارها بطريقة تعود بالنفع على الجميع بعدالة في التوزيع والإنتاج والمساهمة والإدارة . قد يحتاج هذا الكلام وقتا ، لكن الإرادة والعزيمة والتصميم فوق كل العقبات.
لا اقتصاد بدون مجتمع متحرك ومبادر وقوي، ولا اقتصاد بدون عمل و اجتهاد ، أو بدون موارد، الموارد الأهم العقل والإنسان والوقت .
نعرف انه جرى استنزاف الموارد خلال خمسين سنة وأكثر من قبل الاحتلال ، وكل ممارسات الاحتلال منذ 67 حتى اللحظة تركزت على إجهاض أي حالة أو تجربة تنموية او شبه تنموية مهما صغرت كما يشير العديد من خبراء الاقتصاد السياسي وعلى رأسهم سارا روي.
التحدي الأكبر هو التحرك للإمام مهما صغرت الخطوة فإن تراكميتها سوف تصنع فرقا نوعيا وتغييرا جوهريا. ملخص القصة يكمن في تحريك الأفكار الحبيسة في العقول وفي منتدياتنا وفي تداولاتنا. ..
الافكار هي الزناد الذي يقدح الافكار لينير الطريق ويحرك الساكن، ويسرع البطيئ ويقوي الضعيف . ..
بقلم/ د. محمد الأغا