وما زال البطل المقدام يجوب أرض فلسطين، يتناول الزيت والزعتر صباحا ومساء، يختفي بين أوراق التين والزيتون، يجمع دفء الشمس بين جنباته، يحمل بندقيته التي غنمها وخاض بها معركة سوف تدرسها الأجيال ليس في المدارس بل في كل أركان الحياة .
تسعة عشر ربيعا هي سنوات العمر أيها العملاق، هي سنوات مملكتك، وانت تخوض الحرب وحدك وتقاتل وحدك، وتتحرك وحدك، وتسافر أمام كل العيون وحدك، وأمام كل الكاميرات وحدك، وتقود سيارتهم وحدك، وتحمل رخصة السيارة ورخصة السلاح وشرعية المقاومة، فأنت من تمنح الشرعية ببندقيتك التي غنمت في حربك الضروس، تمنحها لمن يستحقها أيها الرجل في زمن توارى فيه أدعياء الرجولة مختفين وراء قطع من هواء لا تخفي لهم عورات ولا تستر أجسادا باتت وافئدتها هواء.
شرعيتك أقوى من كل ادعاءاتهم، شرعيتك أعلى من زيفهم، شرعيتك ايها البتار اكبر من كل ترهاتهم، شرعيتك يا حبيب لا تضاهيها في هذا الكون شرعية ، فأنت تستمد شرعيتك من سورة الإسراء من (سبحان الذي أسرى)، وانت تحملها في صدرك وفي قلبك وفي روحك تشدو بها في حلك وترحالك وانت تجندلهم غير هياب ، سلفيت يا عمر ليست وحدها، فمعها كل القرى والمدائن والحارات والنجوع والبيارات والشوارع ، والأطفال في الصباح وفي طوابير الساحات، يرتلون إسمك حفظا وتسميعا كما تعلموا في المدارس وفي الحارات وفي الطرقات وبينما هم يرضعون حليب الوطن من صدور الأمهات عند كل غروب وشروق وبين سويعات النهار .
أيها الملاك الطائر فاخفاه الله عن أحاسيس وجواسيس الأعداء ، اخفاه الله في ثنايا الريح تتنسم عطرها وطيبها الآتي إليك من هناك، من الفراديس العلا، انت لست وحدك، انت سفير ملائكي اتانا زائرا من هناك، وما زلت هنا، ولسوف يعطيك ربك حتى ترضى ، ألم يرعب الله بك دولة يخشاها المناحيس الصغار والكبار والغيار والعيار، لقد ارعبتها وارعبتهم بنصل سكين كانت أمك حفظها الله وحفظك، تفرم به البصل في أجمل المطابخ واروعها، أو تقشر به حبة برتقال، أو تقطع به حبة البندورة تصنع منها أجمل السلطات بفتح السين، فأنت يا عمر ويا عمرنا لا تؤمن بغير السلطة في السياسة، مطبخ أمك الذي طالما أعدت لك فيها أشهى الطعام، وسمعت فيه ازكى الكلام ، أيها الحاضر الغائب، أيها المدرك كل الخبايا وغيرك مهما كان لا يدركها ولا يكاد يعي منها حرفا .
أيها المقاتل وحده ومعه كل شعبه، يلهث ونصل السكين سيف مرفوع فوق الهامات، وموجه نحو المجرمين من القتلة. والرجال الذي صنعتهم بأول طلقة وانت تفرغها في رأس من قتل شعبك على مدار سبعين سنة ويزيد ، والرجال الذين صنعوك إليك من هناك ينظرون. وانت تتألق قمرا منيرا. أيها المقاتل وحده وكل الأمهات تلهث شفاههن وقلوبهن وصدورهن وارواحهن تدعو لابنها الذي طالما حلمت بانجابه عريسا تفخر به كل الدنيا وهو يمرغ ارضا بيمينه - سلمت يمينه - أنف المجرمين والقتلة الذين سرقوا الأرض وقتلوا الشعب وقطعوا الورد والوعد والعهد ، والسند ، ولم يبق لك يا عمر إلا الرب الواحد الأحد، وانت تسجد له، كما كل شيء في الأكوان له قد سجد .
أيها الجميل والصبوح والحب والحنون والحبيب و الأديب والاريب والعنيد والجديد والسيد والسديد والعزيز والكريم والرقيب والمحبوب والمعسول والمرموق والرفيع والمرفوع والمحفوظ والصادق المصدق المصدوق، والأمين والمامون .. ...
لست وحدك الآن هنا أو هناك، انت بين الضلوع وانت القلب ، انت في كل مكان ، انت هنا وانت هناك ، وانت بين هنا وبين هناك، ثق يا عمر لن يغدر بك كما غدر بمن قبلك، ثق يا عمر انك ابن محبيك جميعا ، ثق يا عمر انك ابن الأقصى وابن القدس وابن مكة وابن المدينة وابن بغداد وابن الجزائر وابن القاهرة وتونس ودمشق وحلب والكويت والبصرة ومسقط وصنعاء وعدن، انت ابن الرباط ونواكشوط وابن جاكرتا وابن طهران، وابن كابل وابن كل المدائن وابن كل الأوطان وابن كل البحار والأنهار والبحيرات والجبال والصحارى والسهول والينابيع والعيون النابضة بحبك والدعاء لك في كل أطراف الزمان والمكان وقلوبهما. ..
انت انت ونحن نعرف من انت يا انا ويا هم ويا نحن ويا كل الأحرار .... انت ... انت الإمام وكلهم يصلون الفجر خلفك حيث أنت ... ببيت المقدس ... وفي كل مكان نراك انت وترانا انت ايها النادر من الرجال في وقت الوفرة من الناس ...
الكاتب/ د. محمد رمضان الاغا