مؤسسات الحكم السياسيه في الأنظمة المتقدمه تستند دائما لخبراء ومحللين ومراكز دراسات وغالبا في كل صغيره وكبيرة وتعتبر مؤسسة "رند" الأمريكية مثلا رائدا في هذا الجانب...في النظام العربي والفلسطيني الممزق يبدو أن الأمور لها مُنحى آخر، الزعيم وحاشيته وبطانته لديهم كل الحلول لكل المشاكل، وهمها الأساسي إعلان مواقف كردّة فعل على ما يأخذه غيرها عبر إستراتيجيه وخطه.
في أمريكيا وفي البيت الأبيض على وجه الخصوص ظهر زعيم لا يختلف كثيرا عن زعامات دول العالم الثالث، ويرى في نفسه وبطانته الأقدر من كل المؤسسات المتخصصة على وضع الخطط والاستراتيجيات فهو رجل أعمال يهتم كثيرا بمفهوم الصفقه وكل شيء لديه ليس سوى صفقه هدفها الأساسي جلب المال للولايات المتحدة لتحسين إقتصادها الذي يعاني، ودعم قرة العين ودرة تاج الصهيونيه المسيحية، "إسرائيل"، وبغض النظر عن القانون الدولي وحقوق الشعوب والدول مستندا لقوة وعظمة أمريكا المُتضعضه أصلا.
إعلان سيد البيت الأبيض "ترامب" بأن الجولان المُحتل آن أوان الإعتراف بسيادة إسرائيل عليه، ليس النموذج الأول في سياساته الهادفة لتمزيق المشرق العربي وإحداث منظومة جديدة من المفاهيم لتعميق الصراعات القائمه وتجذيرها ونقلها لمستوى أعلى من العنف القادم لا محاله، إعترافه ب "القدس" عاصمة لإسرائيل، وقف المساعدات عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، وقف المساعدات عن السلطة الفلسطينيه والمجتمع المدني الفلسطيني، محاولة تشكيل حلف "وارسو" عربي-إسرائيلي، حديثه وحديث طاقمه حول خطة للسلام بدون جوهرها القدس المحتله ككل وببقاء أغلب المستوطنات، ومحاولات مستمره لفصل غزة عن الضفه....الخ.
سياسة الرئيس "ترامب" ومقربيه التي تُمثل الإداره الأمريكيه لم تستند بالمطلق لخطط مرتبطه بتحليلات إستراتيجيه بقدر ما هي جزء من عقيده دينيه "توراتيه" ترتبط بالمفوم الماسوني المسيحي- الصهيوني،وهذا يكسبها أبعاد عنيفة المستوى لأنها ستؤدي للتصادم وستنقل المنطقة ككل للمواجهة المحتومة عبر حروب عنوانها الدمار وعلى الجميع دون إستثناء، وهذه المره من خلال صراع المحاور أكثر من كونها صراعات محلية الطابع أو وطنية الهدف.
منطقتنا العربيه وبالذات مشرقها،أصبحت تتشكل بشكل واضح من محورين،الأول تتزعمه إقليميا "إيران" متحالفه مع روسيا والصين، والثاني رأس حربته "إسرائيل" ومرتبط بشكل مُمَنهج براعيه الأمريكي، هذا الفرز هو الأساس لسياسة "ترامب-بينس" التوراتيه والهادفه لجر المنطقه ككل لحروب وتحت مسميات تختلف في أهدافها ولكنها تلتقي في جوهرها، "ترامب" يريد تحقيق صفقات عسكريه كبرى للولايات المتحده لإنعاش إقتصادها ومواجهة المارد الصيني بالأساس و "بينس" يريد تحقيق نبوءة التوراة ومعركة "هرمجدون"، أما "إسرائيل" فتريد تعظيم دورها وتَسييد نفسها على كل المشرق العربي وضم غالبية أراضي الضفه الغربيه كمفهوم توراتي والجولان كمفهوم أمني، في حين عرب الإعتدال يريدون مواجهة إيران ونفوذها الكبير في المشرق العربي.
صراع المحاور هو العنوان القادم، والساحة هي مشرقنا العربي، وطبيعة المواجهة هي من سيحدد طبيعة موازين القوى وطبيعة التقسيم القادم، فإما تشبيك جديد يؤدي لإستيعاب كافة المكونات الإثنيه والدينيه والمذهبيه في سوريا الكبرى والعراق وجزيرة العرب، وإما دويلات صغيره مُسيطر عليها وفق النموذج "اليوغسلافي" وبحماية "إسرائيليه-أمريكيه"...المخاض بدأ منذ فوز "ترامب" وإعلانه القدس عاصمة لإسرائيل، والمخاض يُعلن عن نفسه بقوة بالتصريحات حول السيادة الإسرائيليه على "الجولان"، وأعتقد أن المتبقي للبدء هو الصاعق المطلوب لإطلاق شرارة الحرب الكبرى، خاصة أن "نتنياهو" واليمين الإسرائيلي المتطرف جاهزين وليسوا بحاجة لتشجيع من أحد.
ضمن هذا المفهوم يبقى الوضع الفلسطيني الداخلي للأسف غير مؤهل لأي دور فاعل، "غزة" تواجه حراك إجتماعي بالقمع والإضطهاد وتحت مسمى المؤامره على المقاومه "هذا كذب وإفتراء" وإتهام السلطه في رام الله بذلك، وفي الضفه حدث ولا حرج، الإهتمام الأساسي مُنصب على مواجهة المعارضين وقطع رواتبهم ومواجهة حركة "حماس"، وإطلاق التصريحات والبيانات ضد الإنتهاكات اليوميه والسياسات الهادفه لتصفية القضيه الفلسطينيه وتحت مسمى "الثوابت الوطنيه".
لأول مرة سيكون السياق المؤسسي الفلسطيني مُمَزّق ومنقسم ضمن مفهوم المحاور القائم في المنطقه، ودوره سيقتصر على إنتظار النتائج وجزءا منه سيكون لجانب المعركة الكبرى خاصة في "غزة" إذا بقيت أصلا "غزة".
بقلم:فراس ياغي