ما بين خطاب نصر الله .....وضم الجولان السوري

بقلم: راسم عبيدات

خطاب سماحة السيد حسن نصر الله أمس الثلاثاء، ركز على قضيتين محوريتين الأولى متعلقة بالقرار الأمريكي بضم الجولان السوري المحتل الى دولة الإحتلال، في عربدة وبلطجة غير مسبوقتين على القانون الدولي والشرعية الدولية،وتحدي واهانة وإستخفاف ل وبكل العرب والمسلمين،وكشف لحالة العجز التي تعيشها الأمة،نتيجة قيادات عربية منهارة وشريكة للأمريكان والمحتل في مشاريعها ومخططاتها المستهدفة أرض الأمة وخيراتها وثرواتها ...ومن وجهة نظر سماحة السيد نصر الله،فإن وعد ترامب يشكل قضية مفصلية في تاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي ...وهو يغلق الطريق أمام كل القائلين بخيار الحلول السياسية والدبلوماسية من اجل استعادة الحقوق المغتصبة،ويزيل الغشاوة عن عيون الكثيرين،بأن امريكا في يوم من الأيام ستكون وسيطاً حتى منحازاً الى جانب دولة الإحتلال في تسوية لمشاكل المنطقة المرتبطة بإغتصاب اسرائيل للأراضي العربية وتهديد امنها وإستقرارها،بل قرار ترامب قال بشكل واضح ،بأن امريكا شريك مباشر في العدوان على شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية،وتتعامل معها على قاعدة فرض الشروط والإملاءات وبما يستجيب لكل شروط وإملاءات اسرائيل،ويرى السيد نصر الله بان القرار الأمريكي بضم الجولان،ما كان له ان يكون لولا حالة الخنوع والذل التي تعيشها الأمة وإرتهان الكثير من القيادات العربية للإرادة الأمريكية،والتي فرطت بقضية القدس،ولم تتخذ أية خطوات عملية او جدية لمواجهة القرار الأمريكي بالإعتراف بالقدس عاصمة لدولة الإحتلال..والسيد نصر الله يرى بأن أقل رد عربي على القرار الأمريكي،يجب ان يكون بسحب المبادره العربية للسلام من التداول،على رغم من بؤسها ونقاط ضعفها.

اما القضية الثانية التي تناولها الخطاب،هي زيارة بومبيو الى لبنان وتحريضه على حزب الله والمقاومة،حيث شدد على ان بومبيو يحارب حزب الله لكون هذا الحزب يقف حجر عثرة في وجه صفقة القرن الأمريكية وتصفية القضية الفلسطينية،ولذلك في بيانه السريع بومبيو ذكر اسم حزب الله 18 مرة وايران 19 مرة،وحمل رسائل تهديدية الى الحكومة اللبنانية،اذا ما استمرت في احتضان حزب الله،او خرق العقوبات والحصار المالي الذي تفرضه امريكا على الحزب،وكذلك بومبيو جل رسائله تركز على خلق فتنة داخلية لبنانية،وتهديد السلم الأهلي في لبنان ،وكذلك ضرورة الإستجابة للشروط الإسرائيلية في ترسيم لبنان لحدوده البرية والمائية مع دولة الإحتلال..ولكن تهديدات بومبيو ذهبت ادراج الرياح،حيث اصطف اللبنانيون خلف مقاومتهم ورفضهم للشروط والإملاءات الأمريكية.

نحن نقول بأن الحقوق لا تحميها القوانين ولا تنصرها قرارات،بل المقاومة وموازين القوى وتملك الإرادة،فقضيتنا الفلسطينية،تختنق أدراج المؤسسات الدولية،بأكثر من سبعمائة قرار صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة،وأكثر من ثمانين قراراً صدرت عن مجلس الأمن الدولي،ولم يترجم أي منها الى فعل حقيقي على أرض الواقع...وقرار ضم الجولان السوري يغلق كل الأبواب أمام استعادتها بالطرق الدبلوماسية والسياسية والقانونية ...في زمن البلطجة والعربدة الأمريكية ...فهل نشهد صحوة عربية ،أم سنبقى نراهن على " حلب الثور ؟؟؟".

ضم الجولان حمل أبعاداً متعددة تتجاوز التوقيت في إعلانه لدعم ترامب لصديقه وحليفه نتنياهو في الإنتخابات الإسرائيلية القادمة،فهو يحل علاقات البلطجة والقوة وشريعة الغاب في العلاقات الدولية،بدل المرجعيات الدولية ،وبما يؤسس لسياسة البلطجة وجواز الإستيلاء بالقوة على أراضي الغير،وهذا تطور خطر جداً،وانا اعتقد بأن هذا القرار رغم كل الرفض الدولي والعربي له،فإنه مفيد بأنه يعري كل الملتصقين والمدافعين من العرب عن امريكا،وهي التي حشدتهم في مؤتمر وارسو من اجل خدمة اهدافها ومشاريعها في المنطقة،وكذلك تظهير وتشريع وعلانية علاقاتهم التطبيعية مع دولة الإحتلال والإنخراط معها في تحالف،ضد عدو افتراضي رسمته لهم أمريكا،ألا وهو ايران،وأبعد من ذلك الطلب منهم بتمويل الشق الإقتصادي من صفقة القرن المستهدفة شطب وتصفية القضية الفلسطينية،وتعميم المشروع الإسرائيلي - الإسرائيلي على كامل المنطقة العربية. وكذلك نحن ننظر لهذا القرار من زاوية انه،يجعل سوريا تفكر بشكل جدي وسريع،بضرورة العمل على فتح جبهة الجولان من اجل إستعادتها،فالخيارات السياسية والدبلوماسية والحقوقية مغلقة،ولذلك آن الآوان لطرح خيار بديل،وسيكون مدعوم من قبل كل قوى المقاومة العربية وطيف عالمي واسع.

الأمور في بلطجة ترامب لن تتوقف عند حدود إعلان ضم الجولان الى دولة الإحتلال الصهيوني،والتي من اهدافها ربما،السطو على الجغرافيا العربية،بالعبث بالجغرافيا العربية،فما يسمى بصفقة القرن،تحتاج الى تبادل أراضٍ تشمل أراضي سورية ،أردنية،مصرية وسعودية،من اجل شرعنة إحتلال اسرائيل للأغوار وقسم كبير من الضفة الغربية ،وتمدد غزة تجاه سيناء المصرية لخلق دويلة فلسطينية هناك.

وقد يكون من أهداف قرار الضم للجولان،هو ممارسة ضغوط كبيرة على محور قوى المقاومة من طهران حتى الضاحية الجنوبية،هذا المحور الذي بات يقلق أمريكا واسرائيل،لكونه يتمدد ويتوسع ويمتلك قدرات وإمكانيات عسكرية نوعية،من شأنها ان تعرض امن اسرائيل ووجودها للخطر،ولذلك ربما تهدف هذه العملية الى مقايضة النظام السوري،ما بين خيار إستعادة الجولان،وخيار بقاء وتموضع قوات حزب الله والقوات الإيرانية في سوريا،يعني اخراج القوات الإيرانية،وفك العلاقة مع طهران مقابل إعادة الجولان ،والسماح بعودة النازحين السوريين.

الرد على قرار ضم الجولان،يجب أن ياخذ أكثر من بعد، البعد الأول التحرك على المستويات السياسية والإعلامية والحقوقية والدبلوماسية،بحيث تشارك فيه الى جانب سوريا حلفائها وأصدقائها عربياً وإقليمياً ودولياً،وكل من يهمه حماية السلم والأمن والإستقرار العالمي لأن مرور هذا القرار سيشكل سابقة تطيح بالاستقرار والأمن الدوليين القائمين على رفض اللجوء الى القوة ورفض الإقرار بمفاعيلها.

البعد الآخر،وهو البعد الميداني،الرفض المعبر عنه بالمقاومة المدنية التي يمارسها السوريون من أهل الجولان باقتدار واضح، ويتوسّع ليشمل التحضير والاستعداد للمواجهة الميدانية مع جيش الاحتلال الإسرائيلي عندما تهيأ البيئة المناسبة له وهي مواجهة لن تقتصر على سورية وحدها بل ستشمل مكونات محور المقاومة، خاصة أن توحيد الجبهة في شمال فلسطين بات حقيقة واقعة ولن يكون ممكناً فصل جبهة الجنوب اللبناني عن جبهة الجولان السوري بعد المتغيّرات الأخيرة والتي جاء ضم مزارع شبعا اللبنانية ليؤكد عليه.

فلسطين – القدس المحتلة

27/3/2019

[email protected]

بقلم/ راسم عبيدات