الجولان... لماذا الآن؟

بقلم: اماني القرم

أشك أن إعلان ترامب الاعتراف بسيادة اسرائيل على هضبة الجولان قد سبّب صدمة لأحد ، فقراره المشئوم الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، جعل العقل البشري مستعدا لتوقع أي شيء يصدر عن هذه الادارة بعد ذلك سواء ارتفعت حدة الاستنكارات أم خفتت !!

تحتل هضبة الجولان مكانة ذات استراتيجية بالغة الاستثنائية في الشرق الأوسط أمنيًّا واقتصاديًّا. فمجرد الوقوف على الهضبة يمكّن الانسان من كشف أربع دول هي فلسطين وسوريا ولبنان والأردن. كما أنها تعد خزّاناً استراتيجيًّا للمياه وأرضاً للنبيذ الفاخر بفضل كرومها وثرواتها الزراعية ووفرة مياهها.

والسعي الاسرائيلي لحيازة اعتراف أمريكي على الجولان ليس وليد اللحظة أو نتيجة ظروف الانتخابات الاسرائيلية فحسب، بل يمتد الى سنوات سابقة كان آخرها طلب نتنياهو من الرئيس السابق باراك أوباما في نوفمبر من العام 2015 الاعتراف بالسيادة الاسرائيلية، وكرر الطلب نفسه مع دونالد ترامب في العام 2017.

شكلت الحرب الأهلية السورية فرصة ذهبية لاسرائيل للإطاحة بأية سيناريوهات سابقة كان يتم الحديث في خضمها عن انسحاب اسرائيلي من الهضبة مقابل السلام مع سوريا. فتداخل الدولي مع الاقليمي مع المحلي في عمق الساحة السورية أدى إلى اختلاف كلي لسوريا قبل العام 2011 عن سوريا بعد هذا العام. وعلى الرغم من التقدم الحالي الذي يحرزه نظام الأسد في استعادة السيطرة على معظم المناطق السورية، إلا أن الدعم الخارجي الذي لولاه ما استطاع الاسد لملمة قبضته مرة اخرى، يجعل الشك حاضرا ً في استمرارية الجغرافيا السياسية لسوريا الموحدة.

عموماً ترامب لا يقدم شيئا بالمجان، وهدية نتنياهو اليه النبيذ من أراضي الجولان ليست كافية! والسؤال: لماذا جاء الاعتراف الأمريكي بالسيادة الاسرائيلية على الجولان في هذا التوقيت بالذات؟؟

الحقيقة أن المصلحة مشتركة لكلا من ترامب ونتنياهو:

بالنسبة لترامب: بعد تخلصه من صداع تحقيقات "مولر" المتعلقة باتهامات التعاون مع روسيا في الانتخابات الأمريكية، فإن ترامب الآن يركز على حملته الانتخابية الرئاسية القادمة والتي بدأها مبكّراً، وبتقديم هديتين هما الأغلى ثمناً لاسرائيل: القدس والجولان، فإنه بذلك يضمن أصوات اليهود الأمريكان ودعم الايباك له بسلاسة ودون منافس .

أما بالنسبة لنتنياهو: فإن القرار الأمريكي بمثابة صاروخ  انطلق به الى رئاسة وزراء اسرائيل للمرة الخامسة. والتخطيط  بعناية لإخراج هذا الاعلان في هذا التوقيت مقصوداً ولا يبتعد عن أصابع نتنياهو وأصدقائه في البيت الأبيض. ولم تكن زيارته مع السفير الأمريكي فريدمان وعضو الكونجرس الجمهوري ليندسي غراهام حليف ترامب لمرتفعات الجولان في 11 مارس الماضي إلا تمهيداً لما ستؤول اليه الأمور خاصة بعد انخفاض أسهمه إثر حملة اتهامات الفساد التي لحقت به وازدياد حظوظ منافسيه. وقد أضاف هذا القرار مزيداً من النجاحات على صعيد سياسة نتنياهو الخارجية وعزز من موقفه الانتخابي . ولا يخفى في الاوساط الاسرائيلية الحديث المتكرر عن تدخل ودعم أمريكي قوي لنتنياهو في الانتخابات القادمة. ونتنياهو يعلم ذلك جيدا فصوره الكبيرة تقترن بصور ترامب في مختلف الشوارع!

سخرية نتنياهو من منافسيه كانت لاذعة إبان التوقيع على القرار، حيث أعلن أمام الملأ أنه قدم لترامب أفضل نبيذ من كروم الجولان قائلاً : أرجو ألا يفتحوا تحقيقاً حول هذه الهدية !!

بقلم/ د. أماني القرم