الصورة المرفقة رسم لرجل حقيقي اسمه صالح وزوجته تفاحة من منطقة غور فلسطين، بريشة الفنان توماس تايلور عام 1875.
من أحلى وأجمل مايُزين مخيم اليرموك، تلك الزركشة الإجتماعية التي جمعت قرى وبلدات ومدن وأرياف وحواضر وعشائر فلسطين في تركيبة اليرموك السكانية، فلا تكاد بلدة أو قرية (وعلى حد تعبير أحدهم لاتكاد خربوشة) في فلسطين إلا ومنها من هم في مخيم اليرموك، إما سكاناً من لاجئي فلسطين أوعابرين مؤقتين، أو زائرين أو غير ذلك. خريطة فلسطين التاريخية السكانية كاملة في مخيم اليرموك، ويتوضع في هذا المجال إخواننا من أبناء شعبنا من مواطني منطقة الغور، من أصبع الجليل وسهل الحولة شمالاً بما في ذلك بعض قرى مدينة صفد، وصولاً الى منطقة الشونة في غور الأردن. غوارنه فلسطين، من اطيب الناس، وأحسن الناس، وابسط الناس، ومن الذين قدموا قوافل من الشهداء في عموم القوى والفصائل الفلسطينية. إذاً، الغوارنه في فلسطين يعودون لقرى الغور الخصيب الواقعة على مسار الحدود الفلسطيني السورية والفلسطينية الأردنية وفق تقسيم الثنائي اللعين (سايكس بيكو) والتابعة لقضائي صفد وسهل الحولة. والغور هو المنطقة التي تنحدر إليها مياه الجبال الشمالية ولاسيما الجليل الشرقيّ، وتمدّه بمياه عذبة، ويُولَد منه نهر الأردن، وبحيرة طبرية ... وأهم ما في الغور الفلسطيني هو تلك المسمّاة لدى المزارعين بالعقد الشتوي، حيث إنه ينتج المحاصيل الربيعية والصيفية قبل أوانها بسبب حرارة الغور. هذه المنطقة كانت مشتى الرومان والغساسنة والمسلمين ولاسيما من خلفاء بني أمية، وكانت الصّنّبْرة جنوب حطين مشتى للخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، وقد اكتشفت آثار قصر أموي قديم له في تلك المنطقة. وفي كتاب صديقنا منصور إبراهيم المعنون بـ (الخالصة قرية ووطن) فإن أهم قرى الغوارنه في قضاء صفد هي : الخالصة، إبل القمح، بويزيه، بيسمون، تليل، جليبينة، الحسينية، الحقاب، خان دوير، خربة السمان، عين زاغة، الخصاص، درباشية، دردارة، دريجات، دوارة، دير ميماس الحورة، زحلق، الزوق التحتاني، الزوق الفوقاني، سيلان، صلحا، قيطية، لزازة، المفتخرة، المداحل، الملاحة، منصورة الخيط، منصورة الحولة، الناعمة، النبي يوشع، هراوي، ويسية، يردا. عرب الحمدون، عرب الخرانبة، عرب الدكة، عرب زبيد، ووادي اللوز... وفي هذا الصدد، فإن معظم غوارنة فلسطين لجؤا إلى سوريا ولبنان عان النكبة وبنسبة أقل إلى الأردن، وكانت هناك مخيمات بأكملها معظم سكانها غوارنه مثل مخيمي تل الزعتر والنبطية في لبنان، ومخيمي جرمانا وخان دنون يسوريا. وفي مخيم اليرموك تمركز الغوارنه في كتلتين رئيستين، الكتلة الأولى قبل نهاية شارع اليرموك في الحارات الشرقية منه وحول حديقة الطلائع وخلف مدارس الوكالة في تلك المنطقة. والكتلة الثانية في الحارات الواقعة على يمين ويسار شارع صفد عند نهايته ومقابل شارع القدس... لكن جغرافيا التحولات السكانية وإتساع مناطق اليرموك أدت لتناثر كتل القرى والتجمعات الفلسطينية. ويُسجل لأخواننا الغوارنة دورهم الوطني، والصفوف الطويلة من الشهداء، نذكر منهم على سبيل المثال، ومن موقع الإشارة لعلامة من علامات اليرموك الشهيد الرائد محمد فايز حلاوة الذي أطلق جيش التحرير الفلسطيني على مشفاه العسكري في اليرموك.
إسم الشهيد، وقد أفتتح المشفى عام 1977 في اليرموك ب‘حتفال حضره قائد الجيش اللواء مصباح البديري ورئيس الدائرة العسكرية في المنظمة وقائد الصاعقة الشهيد زهير محسن، وكنت واحداً ممن حضروا الإحتفال. والرائد محمد فايز حلاوة، أستشهد في حرب تشرين/أكتوبر 1973 على جبهة الجولان في القطاع الشمالي وهو يقود إحدى سرايا قوات حطين التابعة لجيش التحرير الفلسطيني في الهجوم على تل الشحم وتحريره. فأستحق وسام بطل الجمهورية في سوريا، وتكريماً له تمت تسمية المشفى باسمه، وراحت شهرة المشفى تحت عنوان مستشفى حلاوة عند كل الناس. تنسب لأبناء شعبنا من الغوارنة الكثير من الصفات الحميدة والرائعة، ولكن هناك صفة فريدة، هي شقاء فتيانهم، وشطارتهم المميزة في ضرب الحجارة والعصي أثناء (طوش المخيم) في الحارات الخلفية، والتي تحوّلت في فترات ماضية الى مايشبه الفولكلور الخاص باليرموك وحارات الغوارنة، وكم من مرة في زمن الشقاوة قال فلان من الفتيان (إنفج راسي) بحجر من حارات الغوارنة.
بقلم/ علي بدوان