منذ دخول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب البيت الأبيض رئيساً للولايات المتحدة ، وهو يعمل على توفير كل الدعم اللامحدود لحكومة العدو الصهيوني ورئيسها بنيامين نتنياهو ، مدشناً هذا الدعم اعترافه بالقدس الموحدة عاصمة للكيان الغاصب . واليوم يتابع ترامب سياسته الداعمة من دون هوادة لصديقه وحليفه نتنياهو ، فيصدر قراره الاعتراف بسيادة الكيان على الجولان العربي السوري المحتل . هذا الاعتراف الذي يعد الدفعة الأقوى المؤيدة لنتنياهو في سياق المعركة الانتخابية التي يخوضها للحصول على الأكثرية في " الكنيست " القادم ، ومن ثم رئاسة الحكومة في الكيان . وبالتالي وليس بعيداً عما يسعى إليه ترامب وإدارته وفريقه في مواجهة خصومه داخل أسوار الولايات المتحدة ، ومن ثم التحضير لانتخابات الرئاسة الأمريكية ، وتطلعهم الفوز بولاية رئاسية ثانية بالاستناد إلى الصوت اليهودي الوازن ، بمساعدة مكشوفة من اللوبي الصهيوني .
من بين ردود الأفعال على قرار الرئيس الأمريكي ، يجب قراءة الموقف الروسي الذي جاء الأكثر وضوحاً في التحذير من العواقب السلبية لهذا القرار وما سيتركه من مخاطر على التسوية في المنطقة عموماً ، والتسوية السياسية في سورية خصوصاً . لأن هناك تفاهمات قد تم التوصل إليها في قمة " هلسنكي " العام الماضي 2018 ، بين الرئيسين بوتين وترامب بشأن سورية عموماً ، وجنوبها على وجه الخصوص . وهو ما عتبرته موسكو في القرار الأمريكي تنصلاً من تلك التفاهمات . وعليه كيف ستتحرك موسكو مستقبلاً لمنع أية تطورات قد تقود إلى مواجهة عسكرية مفتوحة فرضها القرار على سورية وحلفائها في محور المقاومة ؟ . وبالتالي كيف ستكون عليه العلاقات المستقبلية بين بوتين ونتنياهو ؟ ، الذي ومن الواضح أن الأخير لا يقيم وزناً لأية علاقة مع الرئيس بوتين ، الذي لطالما اعتبر تلك العلاقة أن من شأنها أن تخدم ما يسمى ب" عمية السلام في منطقة الشرق الأوسط " .
إعلان ترامب الاعتراف بسيادة الكيان على الجولان لن يغيير من حقائق التاريخ والوضع القانوني على أن الجولان المحتل هو أرض عربية سورية محتلة منذ العام 1967 ، وبالتالي لن يثني أولاً أهلنا هناك في التخلي عن هويتهم العربية السورية ، وهم الذين يتمسكون وبقوة بتلك الهوية منذ أن أعلن الكيان ضم الجولان في العام 1981 . وثانياً لن يدفع الدولة السورية بشعبها جيشها وقيادتها القبول بالأمر الواقع ، وهم سيعملون وبكل الوسائل على استعادة الجولان سلماً أو حرباً ، وإلى جانبهم بالتأكيد شرفاء الأمة في قوى المقاومة . وبالتاي التصريحات والمواقف السورية الرسمية القوية تأتي في سياق التأكيد على ما ستنتهجه سورية في التعامل بجدية للتصدي للقرار ومراميه وأهدافه ، التي تقف في طليعته شرعنة الاحتلال للجولان ، بالرهان على أن الأنظمة الرجعية العربية ، بل والنظام العربي برمته في ظل تصدعه وتهميشه ، لن يحرك ساكناً في مواجهة القرار الأمريكي ، وذات الحال قد سبقتها في الردود الباهتة والبائسة عندما اعترف ترامب بالقدس عاصمة للكيان ونقل سفارة بلاده إليها ، الذي كان مطمئناً أن القيامة لن تقوم ، ولن تشهد العواصم العربية التظاهرات الغاضبة المهددة بالمقاطعة ، أو سحب المبادرة العربية للسلام ، ومن ثم إحراق الأعلام الأمريكية . هذا المشهد يذكرنا بمشهد إحراق المسجد الأقصى ، وما قالته " غولدا مائير " يومها " ﻟﻢ ﺃﻧﻢ ﻟﻴﻠﺘﻬﺎ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺗﺨﻴﻞ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﺳﻴﺪﺧﻠﻮﻥ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﺃﻓﻮﺍﺟﺎً ﻣﻦ ﻛﻞ ﺻﻮﺏ ، ﻟﻜن ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻃﻠﻊ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ ﻭﻟﻢ ﻳﺤﺪﺙ ﺷﻲﺀ ﺃﺩﺭﻛﺖ ﺃﻥ ﺑﺈﺳﺘﻄﺎﻋﺘﻨﺎ ﻓﻌﻞ ﻣﺎ ﻧﺸﺎﺀ ، ﻓﻬﺬﻩ ﺃﻣﺔ ﻧﺎﺋﻤﺔ " .
رامز مصطفى
كاتب فسطيني