(1) الحكومة الفرصة الأخيرة لحركة فتح
تشكيل د. محمد اشتية للحكومة القادمة هي فرصة لحركة فتح، العائدة للحكم من البواب الواسع الذي حرمت منه على مدار ثلاثة عشر عاما، لاستعادة ثقة المواطنين. وهي الفرصة الأخيرة لإعادة حركة إلى مكانتها في قلوب وافئدة الفلسطينيين "أيام الزمن الجميل". الامر الذي يُصعّب المهمة على رئيس الحكومة في فترة التشكيل وفي رقابته على أداء وزرائه أو فريقه الذي يختاره. بهذه "الحكومة" اختارت فتح أن لا تتحمل الأعباء فقط بل أيضا إعادة النظر في الاوزار التي تحملتها من حكومات التكنوقراط السابقة، وهي بذلك لن تتمكن لجنتها المركزية أو كوادرها من الإلقاء باللائمة على الوزراء أو الاخرين.
هذه المهمة الصعبة "استعادة الثقة"، ليست فقط بنظام الحكم بل في حركة فتح باعتبارها قائدة العمل الوطني وعموده الفقري، تضع تحديات إضافية على رئيس الحكومة في اختيار أعضاء الحكومة من الكفاءة إلى النزاهة وما بينهما من قبول شعبي. هذا الاختيار على المحك اليوم فلم يعد أحدا ينظر على انه قدرٌ منزلٌ للشعب، ولم يعد لدى المواطنين القدرة على تحمل التجربة والخطأ، وكذلك لم يعد الوقت يسعف أحدا كما أن أحدا لم يعد يحتمل ذلك.
صحيح أن توقعات المواطنين في المسائل السياسية والاقتصادية وحتى المصالحة واستعادة الوحدة محدودة، وفي نفس الوقت لا يُحملون الحكومة المسؤولية عن الفشل القادم في هذه الملفات لأنهم "أي المواطنين" يدركون أن هذه الملفات ليست بيد الحكومة وحدها وان هناك لاعبون آخرون. لكن المواطنين يُحملون الحكومة الجديدة مسؤولية محاربة الفساد وانهاء الاعتماد على "الوشوشة" في اتخاذ القرارات الحكومية، وانهاء عقود الذين تم التمديد لهم خارج النطاق العمري للوظيفة العامة في الحكومة السابقة، وإعادة النظر في قرارات الترقية بالوظيفة العامة في السنتين الأخيرتين، واحترام القانون وسيادته، واحترام الموظف لدوره المناط به وخضوعه للقانون وحده، واجبار كافة الوزراء احترام قيم النزاهة وفي حدها الأدنى استقالتهم من جميع المناصب في القطاع الخاص والأهلي. والاهم من ذلك كله شفافية الحكومة في قراراتها وأعمالها وإجراءاتها وخاصة المالية.
إن حكومة الكل الوطني التي نادى بها رئيس الحكومة المكلف لا تعني بالضرورة حكومة الفصائل بل هي تتعدى المعنى الضيق لان تكون حكومة المواطنين أي شعورهم، بغض النظر عن اشخاصها، أنها تمثلهم وأنها ستقوم على خدمتهم وهي بالمعنى الاوسع والادق تحوز على رضى المواطنين.
(2) تضارب المصالح للوزراء
لم أكن أنتوي الكتابة عن الحكومة المنتهية ولايتها استنادا على المثل القائل "إذا طاح الجمل كثرة سكاكينه". لكن ما أفرزه النقاش الدائر على شبكات التواصل الاجتماعي بخصوص اقالة مدير مستشفى النجاح الجامعي الطبيب سليم الحاج يحيى، وإن كنتُ أعتبرها مسألة عمالية تتعلق بالعامل ورب العمل على الرغم من جفاء كتاب الإقالة. لكن تظهر الوثائق التي نشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي مخالفة رئيس الحكومة د. رامي الحمدلله لأحكام المادة 80 من القانون الأساسي باستمراره رئيسا لمجلس أمناء المستشفى وممثلا لجامعة النجاح في شركة المستشفى ومفوضا بالتوقيع ما يخلق حالة من تضارب المصالح بين المنصبين؛ خاصة ان مستشفى النجاح الجامعي أحد المتعاملين الرئيسيين مع الحكومة " وزارة الصحة".
ينص البند الثاني من المادة 80 من القانون الاساسي على أنه "لا يجوز له طوال مدة وزارته أن يكون عضواً في مجلس إدارة أي شركة أو أن يمارس التجارة أو أي مهنة من المهن أو أن يتقاضى راتباً أخر أو أي مكافآت أو منح من أي شخص آخر وبأي صفة كانت غير الراتب الواحد المحدد للوزير ومخصصاته".
وفي السياق، مخالفة أحكام المادة 80 من القانون الأساسي، فإن وزير الحكم المحلي حسين الأعرج استمر في عضوية مجلس ادارة الشركة الوطنية لصناعة الالمنيوم والبروفيلات "نابكو" في السنوات 2016 و2017 كما هو مبين في التقارير المالية للعامين 2016 و2017 للشركة واستلامه بدل مكافأة عن حضوره جلسات مجلس الادارة، فيما التقرير السنوي للعام 2018 لم ينشر حتى الان على موقع الشركة. علما أن حسين الاعرج قد تم تعيينه في منصب وزير في الحكومة السابعة عشر بتاريخ 1/ 8/ 2015.
هذا الامر يفتح المجال لفحص مجالات تضارب المصالح للوزراء في الحكومة المنتهية ولايتها، والحكومة القادمة، مع مناصب أخرى لهم في مؤسسات القطاع الخاص والأهلي في خرقٍ لأحكام القانون الأساسي وهي مهمة هيئة مكافحة الفساد وديوان الرقابة المالية والإدارية الكشف والافصاح عن ذلك أمام الكافة، وهذا الامر لا يعفي الموظفين الذين تغاضوا عن كشف ذلك من المسؤولية. كما أن هذه الاعمال تتنافى مع غاية المشرع في تفرغ الوزراء للعمل في مناصبهم التي تحتاج الى متابعة واهتمام.
جهاد حرب