هناك من ينظر للتفاهمات أنها جزء من صفقة القرن، وهناك من ينظر إليها أنها انجاز…فأين تكمن الحقيقة..؟
السلطة تنظر اليها أنها ترسيخ للانفصال وتنفيذ لصفقة القرن فعلى ماذا استندت…؟
الهيئة العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار التي تضم أغلب فصائل العمل الوطني والإسلامي ترى في التفاهمات انجازا دفع شعبنا ثمنه دماء غالية، كيف تم ذلك؟
تختلف زوايا الرؤية بين السلطة وحماس تجاه التفاهمات.
أولاً: زاوية رؤية السلطة الفلسطينية للتفاهمات.
ترى السلطة الفلسطينية التفاهمات ضمن ثلاث زوايا هي: مدى استفادة حماس من التفاهمات – مدى انعكاس التفاهمات سلباً على السلطة الفلسطينية – التهديد المحتمل للتفاهمات على المشروع الوطني الفلسطيني.
- مدى استفادة حماس من التفاهمات:
منذ قمة البحر الميت في مارس/ 2017 فرضت السلطة الفلسطينية إجراءات عقابية على قطاع غزة لتضييق الخناق على حركة حماس ودفعها نحو تسليم قطاع غزة إلى الرئيس محمود عباس، أو المراهنة على انفجار سكان قطاع غزة في وجه حماس، وهو انعكاس لحجم الأزمة بين فتح وحماس بعد الانقسام بحيث انتقلت الخصومة السياسية إلى فجور سياسي وواضح أن المستقبل يحمل في طياته التحول من الفجور إلى التهديد الوجودي.
التفاهمات تفشل إجراءات الرئيس عباس تجاه غزة، وتعزز من حكم حركة حماس من وجهة نظر السلطة الفلسطينية.
- مدى انعكاس التفاهمات سلباً على السلطة الفلسطينية.
ما تخشاه السلطة الفلسطينية أن تستمر إسرائيل في المضي قدماً في التفاهمات لتصل إلى مرحلة تقسيم المقاصة الضريبية وتسليم حصة قطاع غزة للقطاع، وبذلك تتخذ حماس قراراً باستيعاب موظفي السلطة في قطاع غزة، يضاف إلى ذلك وهو الأخطر بالنسبة للسلطة الفلسطينية يتمثل في التحول داخل الوعي الجمعي بالضفة الغربية من خلال المقارنة بين مشروع التسوية الذي يتبناه الرئيس عباس وبين مشروع المقاومة بكافة اشكالها الذي تتبناه حماس، وضمن المقارنة السابقة فإن الجميع سينحاز باتجاه المشروع الآخر وهو ما يعني فقدان السلطة الفلسطينية مكانتها وشعبيتها لدى جماعات المصالح، وعليه فإن فرص انهيارها يبقى قوياً ضمن ما سبق.
- التهديد المحتمل للتفاهمات على المشروع الوطني الفلسطيني.
حاجة الولايات المتحدة للتهدئة كبيرة جداً فهي تريد الإعلان عن صفقة القرن ومن المبكر التلويح بالعصا قبل استنفاذ فرص الجزرة لتمرير الصفقة. وعليه ترى السلطة الفلسطينية في فشل التفاهمات وانزلاق الأمور باتجاه مواجهة تحقق فيها السلطة ثلاثة أهداف هي: إضعاف حماس والمقاومة – افشال صفقة القرن – تعزيز من فرص هزيمة نتانياهو لصالح أزرق أبيض التي ترغب السلطة الفلسطينية في تشكيله للحكومة الصهيونية.
وبطريقة معاكسة لقراءة الأمور من طرف السلطة الفلسطينية، فهي ترى أن التفاهمات تمضي ليست بسبب قوة حماس أو مسيرات العودة بقدر أنها تأتي بدعم أمريكي وإسرائيلي لتحييد قطاع غزة عن ما يخطط للضفة الغربية سواء المتعلقة بتصريحات السفير الأمريكي فريدمان حول الاعتراف الأمريكي بالسيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، وإدراك نتانياهو أن صفقة القرن تصب في الصالح الاستراتيجي الإسرائيلي.
ثانياً: زاوية رؤية حماس والفصائل المنطوية في هيئة مسيرات العودة للتفاهمات.
حماس والهيئة العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار ترى بأن التفاهمات انجازاً دفع شعبنا ثمنه دماءً غالية، وفرض على الاحتلال قواعد اشتباك ضغطت عليه وأزمته للقبول بالتفاهمات، وتقر المقاومة بأهمية الوصول إلى التفاهمات لمجموعة من الأسباب:
- الواقع الاقتصادي السيئ في قطاع غزة بعد ثلاثة عشر عاماً من الحصار على غزة.
- حراك بدنا نعيش والتي ترى فيه حماس بأنه تهديد مباشر لها مدفوع من السلطة الفلسطينية وحركة فتح، وعليه فإن العمل على معالجة دوافع خروج الناس أولوية قصوى لدى حماس والتفاهمات هي الطريقة الأقل كلفة لتحقيق ذلك.
- دور الوسطاء لعب دوراً بارزاً في الضغط على حماس للوصول إلى التفاهمات وتحسين الواقع الانساني في قطاع غزة.
- بعد التضحية الممتدة على مدار عام من مسيرات العودة وكسر الحصار أصبح هناك فرصة لتحسين حياة الناس مقابل وقف الأدوات الخشنة في مسيرات العودة – (الارباك الليلي –البالونات الحارقة –قص السلك الخ…) – وهي محط اختلاف مع بعض الفصائل المشاركة في الهيئة العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار، أي ترى حماس بالتفاهمات أنها ستحسن الحياة في غزة نسبياً وفي نفس الوقت تبقى مسيرات العودة كخيار وطني سلمي عليه حالة اجماع بين كافة النخب والفصائل والمكونات المجتمعية مستمرة.
الخلاصة: الكل صادق في طرحه ضمن زاوية رؤيته التي تنسجم ومصالحه الشخصية والحزبية، ويضبط ايقاعها الانقسام، فهو له قوة السحر في إنجاز المشروع الصهيوني بشكل سلس، وبأقل تكلفة وعليه: فإن خيارات الجميع محدودة فلا أحد يلوم غزة التي تتجرع جوعاً وتركها الشقيق والصديق حتى باتت أقرب لسيناريو الاقتتال وهو الأخطر على الحالة الوطنية والنسيج المجتمعي. من هنا أخلص في هذا المقال إلى الحل الأمثل ويتمثل في تقييم شامل للحالة الفلسطينية من كافة جوانبها، ومخرجاتها تكون ملزمة للجميع مع ضرورة التفكير في جدوى بقاء السلطة والتمسك بحل الدولتين، ما يجري بحاجة لقرارات ترقى الى حجم التحديات.
في حال تعثر ذلك فإن من حق قطاع غزة البحث عن مصالح سكانه بكل الوسائل والأدوات وهنا لا يوجد اتفاق مقدس، وفي حال كان التهديد على القضية الفلسطينية عبر صفقة القرن أو غيرها فإن فرص انقلاب غزة على كل الاتفاقيات مسألة مشروعة وممكنة ولكن هذا يتطلب تحول لدى الطرف الآخر وهو السلطة الفلسطينية وحركة فتح سواء بسلوكها تجاه المقاومة بالضفة وعقوباتها تجاه قطاع غزة.
د. حسام الدجني
المصدر: قناة الغد.