الوضع السياسي الفلسطيني مقاربة تاريخية

بقلم: خالد جميل القطراوي

أثبتت الايام ان التوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين مهمة مستحيلة بالنسبة الى قادة المشروع الصهيوني، فقبل الحرب العالمية الأولى كان وجود حركة وطنية فلسطينية قوية تعارض بشدة المشروع الصهيوني مشكلة خطيرة بالنسبة للمجتمع اليهودي . وفى الوقت ذاته اكتشف اليهود في مطلع القرن العشرين انهم لا يستطيعوا معالجة مشكلة العرب الفلسطينيين المحليين بعيدا عن اطار العالم العربي ، وكان للتعامل مع الاتجاه القومي ثلاثة ابعاد رئيسية:
الاول: بعد سلبى عليه ان يتعامل مع حقيقة ان القومية العربية والقومية الاسلامية المعروف عنها آنذاك بمعادتها للغرب وللمشروع الصهيوني. في حين يقوم البعد الثاني على تصور ان القادة العرب غير الفلسطينيين يبدون اكثر ميلا من الفلسطينيين الى التوصل لتسوية معهم.
البعد الثالث: كان يرى ان وضع المشكلة الفلسطينية في الاطار العربي يعطى اليهود المبرر لإنشاء وطن قومي لليهود على ارض فلسطين ؛ حيث يكون لدى العرب المساحة الكبيرة من الارض وبإمكانهم الاستغناء عن جزء منها لصالح العرب الفلسطينيين.
لذلك حاول قادة المشروع الصهيوني الرجوع لمشروعهم الى العرب الاخرين باستخدام الحوافز الاقتصادية بدعوى انهم سيقومون بتنمية فلسطين وضمان مساندة مالية وسياسية غربية لحركة القومية العربية في الاجزاء الاخرى في العالم العربى. وفى محاولة لجس امكانية التوصل لحل مع الزعماء العرب على هذا الاساس، حاول قادة المشروع الصهيوني حل مسالة الفلسطينيين من خلال اتفاق سياسي مع حركة القومية العربية ، مع ترك العلاقات اليهودية – الفلسطينية ليتقرر مصيرها في ضوء التعامل الاقتصادي والاجتماعي اليومي.
وقد اتضح ذلك النهج في اتفاق فايتسمان- فيصل عام 1919 الذى يعتبر الاتفاق الرسمى الصهيونى – العربى الوحيد قبل نشأة الدولة العبرية. وكان فايستمان يرمى من تفاوضه مع الامير فيصل الى تجاوز المعارضة الفلسطينية ، وقد اعلن بأنه لا يوجد تعارض بين الحركة الصهيونية والقومية العربية بل ان الصهيونية يمكن ان تتحول الى جسر يربط بين بريطانيا والدول العربية المأمول قيامها.
ولتبرير عدم تعامل الصهيونية مع عرب فلسطين زعموا ان المكاسب الاقتصادية التى سيحققونها للمجتمع المحلى ستؤدى بالنهاية الى نيل تقدير الفلسطينيين وزعموا ايضا ان معارضة الفلسطينيين للصهيونية ليست معارضة حقيقية ولكنها جاءت ليستغلها الساسة الفاسدون ، وبالنهاية قالوا ان الفلسطينيين ليس لهم كيان وتنقصهم القيادة السياسية.
اما الجانب الفلسطيني انذاك فغالبيتهم العظمى شاركوا احلام وتطلعات القومية العربية والوحده العربية، الا انهم لم يكونوا على استعداد لأن يضحوا بأى حال بمطلبهم بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وانهم على استعداد لتبنى مبدأ القومية العربية بقدر ما كانت تفيد في دعم نضالهم من اجل الاستقلال .
دق اسفين بين الفلسطينين والقيادات العربية:
حدثت محاولات عديدة لتعبئة الفلسطينيين لتأييد المشروع الصهيوني والتي باءت بالفشل، حاول بعض زعماء اليهود ومنذ عام 1918 اقامة علاقات مع عدد من العناصر الفلسطينية المهادنة البعيدة عن التيار الوطني الذى تمثل آنذاك في الرابطة المسحية- الاسلامية ومؤتمر حيفا، فخلال الفترة من 1921 حتى 1923 نجح كلفاريسكى وكان يشغل منصب رئيس الادارة العربية في المجلس الصهيوني بالقدس، في تقديم مساعدة مالية صهيونية لإنشاء الرابطة الوطنية الاسلامية وذلك بهدف ضرب الرابطة المسيحية- الاسلامية، تبع ذلك رؤية الحركة الصهيونية في انشاء حزب عربي معتدل في فلسطين .
حققت الرابطة الوطنية الاسلامية بعض الانجازات واعطت صورة للأجانب عن وجود جماعه كبيرة في فلسطين تؤيد الحركة الصهيونية ، ومع ذلك اخفقت تلك التجربة بسرعه بسبب اعتمادها الكلى على التمويل الصهيوني، وسرعان ما تهم الجمهور اعضاءها ومؤيدوها بتلقى الرشاوى للانضمام اليها ونبذهم مع استنكار محاولات كلفاريسكى لشراء ذمم بعض الفلسطينيين ودفعهم لبيع بلادهم الى اليهود، وفى النهاية اثبتت الرابطه عجزها التام حين لم تستطع المشاركة في انتخابات المجلس التشريعي عام 1923 . وقد حاول بن غوريون ايضا ان يدق الاسافين بين الفلسطينيين والعرب لإخماد ثورة الفلسطينيين عام 1936 الا ان محاولته باءت بالفشل، نتيجة تمسك الفلسطينيين بارضهم وعدم مساومتهم على حقوقهم الاصيلة.
ان الشاهد في هذا المقال التاريخي وما يزخر به من حقائق ما هى الا شواهد على ان المؤسسة او التنظيم الذى يجمع عليه الفلسطينيين من اجل نيل حقوقهم في ارضهم واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وان الاطار الجامع للتمثيل الفلسطيني يتمثل في منظمة التحرير الفلسطينية، والتي تحظى باعتراف دولي وتمثيل ، فأنها في الوقت الحاضر تتعرض للتشويه والاغراءات بالمال والاقتصاد ، وما أشبه اليوم بالبارحه، فالضغوط التي تتحملها منظمة الحرير من اجل القبول بصفقة القرن والتي بدأت فصولها بإعلان ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة اسرائيل ، وما فتئ التدخل العربى والغربي في تمويل جماعات فلسطينية لتشارك في تلك الصفقة والتي اخر فصولها كما اعلن نتنياهو ضم الكتل الاستيطانية ومناطق c في الضفة الغربية بأنها أراضي إسرائيلية في اعلان منتظر من ترامب، وانه لن يسمح بعودة غزة الى الضفة الغربية ويجب المحافظة على الانقسام الفلسطيني، وانه يجب مساعدة السكان الفلسطينيين في غزة اقتصاديا .
لقد فشلت كل المشاريع التي حاربت الكيانية الفلسطينية على مر التاريخ، قد تنجح بعض المشاريع المشبوهة لفترة وجيزة لكنها سرعان ما تنهار، ويبقى الحلم الفلسطيني بإقامة دولة فلسطينية على حدود السابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشريف والتطبيق الامين لقرارات المنظمات الدولية.


أ: خالد جميل القطراوي