@ استقالة الرئيس وحدها قد تفضي إلى ذهاب الرأس مع بقاء النظام نفسه، حتى وإن أجريت عليه بعض التحسينات والتعديلات بغرض إرضاء الشارع وإعادة المحتجين إلى بيوتهم!
أعلن الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، عن نهاية عهدته الرئاسية الحالية، بتقديم استقالته لهيئة المجلس الدستوري (2/4)، استجابة لـ"مطالب الشارع الجزائري، والإسهام في تهدئة نفوس المواطنين وتجنب انزلاقات وخيمة"، كما قال.
وجاءت هذه الاستقالة، لتلبي جزءاً من أهداف الحراك الشعبي الذي رفع سقف مطالبه من إسقاط العهدة الخامسة، إلى المطالبة بتغيير النظام الحاكم ككل، بما فيه جميع العناصر والرموز التي تشكل واجهة له. وبات يؤكد في شعاراته المرفوعة على ضرورة رحيل السلطة القائمة، بدءاً من رئيس الجمهورية وصولاً إلى الحكومة والبرلمان ورموز مختلف المؤسسات الرسمية الموالية، في حين أنّ استقالة الرئيس وحدها قد تفضي إلى ذهاب الرأس مع بقاء النظام نفسه، حتى وإن أجريت عليه بعض التحسينات والتعديلات بغرض إرضاء الشارع وإعادة المحتجين إلى بيوتهم!.
وقبل ذلك، تحدثت تسريبات عن وجود صفقة بين مؤسسة الجيش والرئاسة، تتضمن إعلان استقالة الرئيس مقابل الخروج الآمن لعائلته، وخصوصاً شقيقاه سعيد وناصر. وأصدرت الرئاسة الجزائرية بياناً مقتضباً، أكدت فيه عزم بوتفليقة التنحي عن السلطة قبل نهاية ولايته الحالية في الـ28 من نيسان/ أبريل الجاري. مشيرةً إلى أن الرئيس سيصدر قرارات وصفت بـ"الهامة" قبل استقالته، تضمن استمرارية سير مؤسسات الدولة خلال المرحلة الانتقالية.
وكشفت المؤشرات الأولية أنّ الخروج الآمن لشقيقي الرئيس، سيكون على حساب المحيطين بهما، خاصة أن الجيش يتجه إلى التضحية بوجوه بارزة من هذا "اللوبي" لترضية الشارع الذي طال غضبه مؤسسة الجيش نفسها.
وباستقالة بوتفليقة، يكون البند 102 من الدستور قد طبق بصفة آلية. وفي هذه الحال يفترض أن يتولى رئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح، مهام رئيس الدولة، طبقاً للمادة 102 من الدستور، لمدة أقصاها تسعون يوماً، تنظم خلالها انتخابات رئاسية. ولا يحق لرئيس الدولة المعين بهذه الطريقة أن يترشح لرئاسة الجمهورية.
تطورات متسارعة
وجاء القرار في سياق تطورات متسارعة عاشتها البلاد خلال الساعات الأخيرة التي سبقت إعلان الاستقالة، تواتر خلالها صدور بيانات عن مؤسستي الرئاسة والجيش تبادلتا فيها تهم الكيد والتآمر!.
فقد دعا قائد الجيش، الجنرال أحمد قايد صالح، إلى "التطبيق الفوري للحلّ الدستوري" الذي يتيح عزل بوتفليقة، بعد البيان الذي صدر عن الرئاسة معلناً استقالة الرئيس قبل انتهاء ولايته في الثامن والعشرين من نيسان/ أبريل الجاري، والذي اعتبره صالح "صدر عن جهات غير دستورية وغير مخوّلة، وليس عن رئيس البلاد".
وقال في بيان مضاد: "نؤكد أن أي قرار يتخذ خارج الاطار الدستوري مرفوض جملة وتفصيلاً"، في إشارة إلى أن الجيش قد "يتوقف عن التقيد بقرارات صادرة عن الرئاسة". وبعد أن عدد الفريق قايد صالح المساعي التي قام بها الجيش للخروج من الأزمة الحالية اعتبر أنّ هذه المساعي قوبلت بـ"المماطلة والتعنت وحتى بالتحايل من قبل أشخاص يعملون على إطالة عمر الأزمة وتعقيدها، ولا يهمهم سوى الحفاظ على مصالحهم الشخصية الضيقة غير مكترثين بمصالح الشعب وبمصير البلاد".
وأضاف أن طموح الجيش هو "ضمان أمن واستقرار البلاد وحماية الشعب من العصابة التي استولت بغير حق على مقدرات الشعب الجزائري". وحرص البيان على التشديد أنه صدر في ختام لقاء بين الفريق قايد صالح وقادة أسلحة الجو والبر والبحر وقادة المناطق.
معركة كسر عظم
وكان المستشار في رئاسة الجمهورية، محمد علي بوغازي، كذّب مضمون البيان الصادر عن مؤسسة الرئاسة ويحمل توقيعه، وأعلن براءته منه، ومن التزوير الذي طال المؤسسة السيادية الأولى في البلاد.
واتهم البيان الذي وُجّه إلى الأمة، ويحمل ختم وشعار مؤسسة الرئاسة وتوقيع المستشار محمد علي بوغازي، قيادة المؤسسة العسكرية، بـ"التدخل اللادستوري والمخترق لقوانين الجمهورية من خلال الإيعاز للمئات من عناصرها بمحاصرة مبنى رئاسة الجمهورية وإقامات الدولة والتلفزيون الحكومي"، وأن ذلك يعتبر "انقلابا على المؤسسات الرسمية".
ودعا البيان الجزائريين إلى "الالتفاف حول مؤسسات الدولة، والحيلولة دون وقوعها تحت الهيمنة العسكرية"، وحمّل مسؤولية أي خطر يلحق رئيس الجمهورية أو عائلته إلى قيادة أركان الجيش. وأعلن عن قيام الأمن الرئاسي باعتقال من أسماهم بـ"قادة الانقلاب".
وجاء هذا البيان بعد نفي وزارة الدفاع لبيان سابق ينسب إلى رئاسة الجمهورية، تضمن قراراً تنهي بموجبه مهام الجنرال أحمد قايد صالح، على رأس قيادة أركان الجيش، وتعيين الجنرال المتقاعد سعيد باي خلفاً له، وأدرجته دوائر إعلامية مقربة من قايد صالح، في خانة "مناورة تستهدف إرباك جهود قيادة الجيش لمرافقة الشارع في تحقيق مطالبه السياسية".
وشككت تلك الدوائر في مصدر بيان تنحي الرئيس الجزائري عن الرئاسة قبل نهاية ولايته، واعتبرت بوتفليقة في "حالة غيبوبة وتنفس اصطناعي"، ونسبت البيان إلى المستشار سعيد بوتفليقة، وأن ما جاء فيه حول "اتخاذ قرارات هامة لضمان سيرورة المرحلة الانتقالية"، هو تمهيد لمناورات جديدة لإرباك الوضع وتعفينه، كما حدث مع قرار إقالة قايد صالح.
ومع ذلك أكد مصدر جزائري أن قرار إقالة الأخير "حقيقي وجدّي أصدرته مؤسسة الرئاسة، إلا أنها فشلت في تنفيذه بسبب تفطّن المعني للعملية، وقطعه الطريق على البيان ومنعه من الوصول إلى المحطات الإعلامية، والهيئات النظامية للمؤسسة العسكرية، ويحمل قطيعة نهائية بين الرئاسة وقيادة الأركان".
استهداف "اللوبي" المالي
وربط مراقبون اشتداد حدة المعركة بين الطرفين، بحملة التضييق التي أعلنت مؤخراً على رموز اللوبي المالي المقرب من الرئاسة، والإعلان عن إدراج عدة رموز نافذة في قصر الرئاسة، في خانة
المنع من السفر "تحسباً لتحقيقات منتظرة في ملفات فساد وتهريب عملة صعبة، بإيعاز من قيادة أركان الجيش".
وكشفت برقية داخلية لنيابة قضاء العاصمة وجهت إلى المصالح الأمنية وشرطة الحدود (1/4)، عن وضع عدد من رجال المال والأعمال النافذين تحت طائلة المنع من السفر، ويتعلق الأمر بكل من علي حداد الموقوف، وأفراد من عائلة كونيناف، ومحمد بعيري، إلى جانب أفراد آخرين من عائلة طحكوت، وكل من ولد بوسيف محمد، وبودية إبراهيم.
ويعتبر هؤلاء الأذرع المالية القوية للسلطة إلى غاية اندلاع الحراك الشعبي في البلاد في الثاني والعشرين من شباط/ فبراير الماضي، إذ امتلكوا نفوذاً بالغاً داخل مؤسسات ومفاصل الدولة خلال السنوات الأخيرة، وتجلّى نفوذهم وتأثيرهم حتى في تسمية وإقالة مسؤولين كبار في الحكومة والجهاز الإداري والتنفيذي!.
وارتبطت الذراع المالية للسلطة الجزائرية، بالحلقة الضيقة في رئاسة الجمهورية، وبالتسهيلات التي كان يمنحها محيط بوتفليقة لهؤلاء، في الاستحواذ على المقدرات المالية للدولة، كالقروض البنكية والإعفاءات الجمركية والجبائية، واحتكار الاستثمارات العمومية.
وتطرح لائحة رجال المال والأعمال المدعوين من طرف القضاء للتحقيق في تهم الفساد، دور شقيقي الرئيس بوتفليقة (سعيد وناصر)، وعلاقتهما باللوبي المالي والسياسي الفاسد، كونهما كانا خلال السنوات الأخيرة على تحالف غير معلن. وإذ ثمن ناشطون في الحراك الشعبي وفي شبكات التواصل الاجتماعي، الخطوة التي قام بها القضاء، فقد حذروه من الوقوع في فخ الانتقائية وتصفية الحسابات.
استمرار الحراك
وفي الوقت الذي يستعدّ فيه ناشطو الحراك الشعبي لمسيرة مليونية سابعة يوم 5/4، للتأكيد على مطلب "الرحيل الفوري والجماعي للسلطة"، نزل طلبة الجامعات ومحتجون آخرون إلى شوارع العاصمة (2/4)، للتعبير عن رفضهم لما وصفوه بـ"المناورات" والدعوة إلى رحيل السلطة. وطالبوا باستبدال النظام السياسي القائم، وبجيل جديد من القادة. وقال أحد رموز الاحتجاجات، المحامي مصطفى بوشاشي، إن المحتجين "لا يقبلون حكومة تصريف الأعمال الجديدة، وإن الاحتجاجات السلمية ستستمر".
والسؤال الذي يطرحه المراقبون الآن هو؛ ما هي طبيعة الدور الذي سيستمر الجيش الجزائري في لعبه؟ وما هو مدى ونوعية التغييرات التي يمكن أن تطال بنية النظام السياسي القائم، والتي سيسمح هذا الجيش بقيامها؟. وبكلام آخر؛ هل نحن أمام سيناريو مشابه، على نحو ما، للسيناريو الذي شهدته مصر ما بعد "25 يناير 2011"، أم ماذا؟، علماً أنّ للمؤسسة العسكرية الجزائرية دوراً مشابها لنظيرتها المصرية في "صناعة الرؤساء".
وفي المقلب الآخر، هل سيكون بمقدور الحراك الشعبي والسياسي الجزائري الخروج من "وصاية الجيش" وإشرافه على المرحلة الانتقالية، والمضي قدماً نحو تحقيق أهدافه في تغيير بنية النظام الحاكم ككل؟، أم أنه سيبقى أسير هذه "الوصاية"، وخصوصاً في ظلّ الدور "الانقاذي" الذي لعبه الجيش في تجاوز مأزق "الانسداد" الذي ظلّ قائماً طوال أسابيع من الاحتجاجات المتصاعدة؟!
بقلم/ فؤاد محجوب