منذ ما يقارب التسعة اعوام، رفع اتحاد الشباب الديمقراطي الفلسطيني "أشد" في لبنان شعار " نريد جامعة فلسطينية مجانية في لبنان. واستند الاتحاد في دعوته ومطلبه هذا الى واقع وظروف التعليم الجامعي للطلبة الفلسطينيين في لبنان، والفرص المتاحة امامهم لاستكمال تحصيلهم الجامعي.
وتعود ازمة التعليم الجامعي للطلبة الفلسطينيين الى عدة اسباب، اهمها عدم تبني وكالة الاونروا للمرحلة الجامعية، واقتصار برنامجها التعليمي في لبنان على المراحل الابتدائية والاعدادية والثانوية، الامر الذي خلق عوائق عديدة امام قدرة اعداد كبيرة من الطلاب على استكمال تحصيلهم الجامعي. ويدفع سنويا نسبة كبيرة منهم الى التوقف عن الدراسة في المرحلة الاعدادية او الثانوية والتوجه مباشرة نحو سوق العمل او الالتحاق ببعض المراكز المهنية.
وعلى الرغم من هذه المعاناة، الا ان ذلك لم يمنع الطلاب الفلسطينيين من البحث عن مخارج تمكنهم من تجاوز هذه العوائق والتقدم في مسيرتهم وتحصيلهم الجامعي، ولم تشكل هذه المسألة عائقا امام بروز عدد لا يستهان به من الطلبة الفلسطينيين في مجالات تخصصاتهم، والامثلة كثيرة على هذه النجاحات والابداعات في العديد من المواقع والمراكز.
شكل التعليم عنصراً رئيسياً في اذكاء الشعور الوطني:
وهنا نستشهد بما قاله الباحث دافيد جيلمور في كتابه " المطرودون محنة فلسطين 1917- 1980-" حيث قال: لقد برز الفلسطينيون خلال سنوات المنفى بوصفهم افضل جميع الشعوب العربية تعليماً، فنسبة الطلبة بينهم اعلى منها في بريطانيا وفرنسا". وذلك بسبب ايمان الفلسطينيين بأن التعليم هو الشيء الوحيد الذي ترك لهم، وهو حبل الخلاص والنجاة الذي يمكنهم من العيش الكريم ومواجهة كل التحديات التي تعصف بظروفهم السياسية والاجتماعية الى جانب كونه عنصرا هاما ورئيسيا في إذكاء الشعور الوطني لديهم.
والجدير ذكره ان النسبة الاكبر من الطلبة الفلسطينيين خلال الفترات الماضية كانت تلتحق بالكليات الادبية في الجامعة اللبنانية الرسمية الى جانب اعداد معينة كانت تلتحق في الكليات العلمية ببعض الجامعات الخاصة وخصوصا جامعة بيروت العربية والجامعة الامريكية في بيروت خاصة لدراسة الطب والصيدلة والهندسة، حيث كان يستفيد هؤلاء الطلبة من القروض التي يوفرها صندوق الطالب الفلسطيني الذي تأسس في العام 1973 بمبادرة مجموعة من رجال الاعمال والمثقفين الفلسطينيين والعرب، وكان هدف الصندوق هو تقديم المساعدة والقروض الميسرة لتمكين الطلاب المتفوقين الذين لا يملكون القدرة المادية اللازمة لمتابعة تعليمهم الجامعي. هذا الى جانب استفادة مئات الطلبة في مرحلة السبعينيات والثمانينات من المنح التي كانت توفرها فصائل الثورة الفلسطينية وتحصل عليها من بعض الدول الاشتراكية والتي تراجعت بشكل كبير جدا بنهاية الثمانينيات وبداية التسعينات.
مشكلات وعقبات ... وتدني نسبة الملتحقين بالدراسة الجامعية:
وقد أثر هذا الواقع على الطالب الجامعي الفلسطيني وساهم بشكل كبير في تدني نسبة الطلبة الملتحقين بالدراسة الجامعية، وبحسب تقارير لمعهد الفافو فقد تدنت نسبة الطلاب الفلسطينيين الحاصلين على الدرجات الجامعية الى معدل النصف من (2.4) بالألف الى (1.2) بالألف.
ونتيجة لهذا الواقع فلم يكن امام النسبة الأكبر من الطلبة سوى اللجوء الى الجامعة اللبنانية والالتحاق بكلياتها النظرية، نظرا لصعوبة الالتحاق ودخول الكليات العلمية بسبب اعتماد معظمها اللغة الفرنسية لغة أساسية في التدريس، فيما الفلسطينيون يعتمدون اللغة الانكليزية، وكذلك بسبب صعوبة التسجيل فيها نتيجة السياسة الانتقائية والاستنسابية المتبعة من قبل ادارة الجامعة والنسبة المحددة لقبول الطلبة الأجانب، ومن ضمنهم الطلبة الفلسطينيون بحيث لا تتعدى 10% من مجموع عدد الطلاب.
وبالتالي لم يكن من خيار امام الطلبة الفلسطينيين الذين يريدون الالتحاق بالكليات العلمية في الجامعات الخاصة سوى محاولة التغلب على شروط صندوق الطلاب الذي وبسبب عجزه المالي بدأ يزيد من شروطه وقلص عدد الكليات والتخصصات والجامعات التي كان يتبنى التعليم فيها. ويمكن القول، ان الطالب الفلسطيني لم يعد هو صاحب القرار في اختيار تخصصه الجامعي، وانما بات محكوماً للشروط الموضوعة من قبل صندوق الطالب، او شروط بعض المنح المحدودة جداً التي بدأت توفرها وكالة الاونروا بشكل متقطع بدعم من بعض الدول المانحة، مع الاشارة الى ان هذه المنح غير تابثة، لأنها تندرج من خارج ميزانية الأونروا المخصصة للبنان، ومرتبطة بالمساهمات التي تقدمها تلك الجهات، وهي لا تغطي اكثر من 3% من مجموع الطلبة الفلسطينيين الذين يصل عددهم وفقاً لإحصاءات اتحاد الشباب الديمقراطي الفلسطيني "أشد" الى نحو 6500 طالب.
نضالات وتحركات مطلبية لمعالجة أزمة التعليم الجامعي:
وفي العام 2010، وبعد سلسلة من التحركات والاتصالات التي خاضها اتحاد الشباب الديمقراطي الفلسطيني، تم تأسيس "صندوق الرئيس محمود عباس" لدعم الطلبة الفلسطينيين في لبنان بدعم من بعض الممولين الفلسطينيين، وشكل ذلك خطوة هامة، لكنه لم يعالج جذور الازمة، بسبب تغطيته الجزئية، الى جانب عدم إعتماد الصندوق كمؤسسة رسمية من مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا ما يشكل خطراً على مستقبل الصندوق واستمرار دعمه للطلبة الفلسطينيين. هذا الى جانب الشروط التي يضعها الصندوق والتي تتسبب بحرمان العديد من الطلبة من الاستفادة من مساعداته.
وانطلاقاً من معايشته اليومية وملامسته المباشرة لهموم الطالب الجامعي الفلسطيني، رفع الاتحاد شعاره ومطلبه في العام 2011 لبناء جامعة مجانية للطلبة الفلسطينيين في لبنان وتوجه بمطلبه هذا إلى منظمة التحرير الفلسطينية ووكالة الأونروا بإعتبارهما الجهتين المسؤولتين عن معالجة ومتابعة أوضاع الشعب الفلسطيني والطلبة الفلسطينيين في لبنان.
مع الاشارة الى أن هذا المشروع، وهذه الفكرة، سبق وأن تم طرحها قبل سنوات طويلة، وتحديداً في أواسط السبعينات، حين أخدت تطرح بعض الأوساط في منظمة التحرير الفلسطينية، وبشكل خاص مركز التخطيط، فكرة إنشاء جامعة فلسطينية خارج الأراضي المحتلة، "ولم تظهر فكرة الجامعة إلا في أواسط السبعينات، عندما شكلت لجنة عمل مكونة من الصندوق القومي الفلسطيني واليونسكو والصندوق العربي للإنماء الإقتصاي والإجتماعي لدراسة الفكرة ومدى جدواها، وقد شكلت الأونيسكو لجنة خبراء معظمهم من الفلسطينيين لإعداد دراسة الجدوى حيث ظهرت النسخة العربية منها عام 1979. وفي العام1981، كلف الدكتور إبراهيم أبو لغد رئاسة الجامعة، وتم إختيار بيروت مركزاً لرئاسة الجامعة، الا أن الإجتياح الاسرائيلي للبنان عطل العمل في هذا المشروع، الذي لم ير النور، وحرم الطلبة الفلسطينيون في لبنان من وجود هذا الصرح التربوي الذي لو قدر له النجاح لما تفاقمت أزمة التعليم الجامعي الفلسطيني في لبنان، ووصلت إلى ما وصلت إليه اليوم .
ويرى «أشد» أن مشروع إنشاء الجامعة الفلسطينية في لبنان هو أحد الحلول والمخارج التي يمكن من خلالها تخطي إحدى أهم الأزمات التي تواجه الطلبة الفلسطينيين في لبنان وتمكنهم من القدرة على مواصلة دراستهم الجامعية وتخطي حالة البؤس والحرمان التي يعيشونها في مخيمات لبنان بفعل استمرار قوانين الحرمان بحق اللاجئين الفلسطينيين، وما يمكن أن يوفره هذا المشروع التربوي أيضاً من فرص عمل لعشرات الشباب الأكاديميين الخريجين والعاطلين عن العمل بفعل القوانين المجحفة.
على هذا الأساس يخوض «أشد» منذ العام 2011 تحركاً طلابياً واسعاً، ونظم سلسلة واسعة من التحركات والمؤتمرات الطلابية لتحقيق هذا المطلب، كما وقع آلاف الطلبة على عريضة مطلبية عنوانها " نريد جامعة مجانية فلسطينية في لبنان" وسلمت نتائجها قبل اعوام من قبل "أشد" للمفوض العام للأونروا وللرئيس محمود عباس خلال إحدى زياراته الى لبنان الى جانب تسليمها للاتحاد الاوروبي والدول المانحة.
مذكرة الجبهة الديمقراطية للمجلس الوطني:
ويسجل في هذا الاطار للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين تبنيها الجدي ودعمها لهذا المطلب، من خلال المذكرة التي تقدمت بها كتلة الجبهة الديمقراطية في المجلس الوطني الفلسطيني الذي انعقد في مدينة رام الله بتاريخ 30 نيسان 2018، حيث صوت المجلس بالإجماع لصالح تبني مضمون المذكرة ووقع عليها مئات الأعضاء والتي طالبت منظمة التحرير بإنشاء جامعة فلسطينية ومستشفى تخصصي في لبنان.
ونتيجة لقرار المجلس الوطني، وخلال زيارته الاخيرة الى لبنان بتاريخ 5/9/2018، فقد بحث وزير التربية الفلسطيني الدكتور صبري صيدم، مع نظيره اللبناني الوزير مروان حمادة، في إمكانية فتح فرع لإحدى الجامعات الفلسطينية في لبنان، وتشير المعلومات بهذا الشأن ان الرد اللبناني كان ايجابياً لجهة استعداد وزارة التربية اللبنانية لتسهيل انشاء الجامعة اذا ما استوفت الشروط القانونية والأكاديمية المعمول بها في لبنان.
لتشكيل لجنة فلسطينية اكاديمية وتوفير الشروط المطلوبة:
وإنطلاقاً من كل ما ذكر، ومن اهمية هذا المشروع والصرح العلمي والوطني الأكاديمي، الذي بات ضرورة وحاجة ملحة لشعبنا الفلسطيني في لبنان، وهناك حاجة لتشكيل لجنة وطنية اكاديمية فلسطينية من اصحاب الكفاءات والخبرات بهذا المجال، وانجاز دراسة علمية لهذا المشروع تساعد على تحفيز الجهات المانحة على المساهمة بتمويله، ووضعه على سكة التطبيق من خلال توفير كل الشروط الادارية والقانونية والأكاديمية التي تتلاءم وقوانين التعليم العالي في لبنان.
ولا شك أن إنجاز هذا المشروع التربوي سيكون له نتائج ايجابية كبرى على مستقبل التعليم الجامعي للطلاب الفلسطينيين في لبنان الذين يعانون الكثير من المصاعب والعقبات التي تعترض إستكمال دراستهم الجامعية بسبب أوضاعهم الاقتصادية الصعبة وارتفاع تكاليف الاقساط بالجامعات الخاصة في لبنان .
وبالإمكان تحويل هذا الحلم الى حقيقة، من خلال تعاون منظمة التحرير والاونروا، وكل الجهات الحريصة على شعبنا الفلسطيني لتعويضه عن بعض جراحه وآلامه الكبرى التي تسببها مرارة اللجوء والشتات، واحتضانه ورعاية مستقبل اجياله من خلال توفير ابسط حقوقهم واحتياجاتهم التي تمكنهم من التغلب على صعوبات الحياة وتمكنهم من مواصلة مشوارهم النضالي على طريق التحرير والعودة.
بقلم: يوسف أحمد
رئيس اتحاد الشباب الديمقراطي الفلسطيني "أشد"
اعلام أشد - بيروت
09.04.2019