عنب غزة حصرم

بقلم: فايز أبو شمالة

بعد أن طاف الحرامي عدة مرات حول كرم العنب، وبعد أن عجز في العثور على ثغرة صغيرة في السياج ينفذ منها إلى الكرم، نظر الحرامي بحسرة إلى قطوف العنب الشهية وقال في نفسه: العنب  حصرم! وهذا حال نتانياهو الذي وقف على بوابات غزة عاجزاً في ثلاثة حروب، ليقول أمام صندوق الانتخابات: إنه قادر على احتلال غزة، ولكن لا أحد يريد تحمل مسؤوليتها!.

عنب غزة حصرم تضرس منه أنياب الجيش الإسرائيلي، وتضرس منه كل حكومات إسرائيل، التي فككت مستوطناتها وفرت هاربة سبتمبر 2005، لقد هربوا من غزة تحت وجع الضربات المميتة لعشرات الجنود القتلى تحت الأنقاض، لتظل غزة عنباً حصرماً على كل من يعاديها.

ذلك هو السبب الأول الذي يحول بين الحكومة الإسرائيلية وبين شن أي عدوان واسع على غزة، أم السبب الثاني فيرجع إلى مصلحة إسرائيل الاستراتيجية في إبقاء غزة بعيدة عن الضفة الغربية، فالطمع في أرض الضفة، والزهد في أرض غزة، استراتيجية كل الأحزاب الإسراليلية.

لما سبق، تعيش غزة على حد السيف، وتخطف طعامها برماحها، لن تشبع في ذاتها، ولن تجوع، لن تكبر ولن تموت، وسيظل أمرها مرهوناً بصفقة القرن، التي تستند إلى الأمر الواقع، والواقع يقول بانفصال الضفة الغربية عن غزة، وانفصال الضفة عن بقية الوطن فلسطين، تماماً مثلما تم فصل الضفة الغربية عن فلسطيني الخارج حين وقعوا على اتفاقية أوسلو.

لقد افقت إسرائيل على تزويد غزة  بخط الكهرباء 161 دون موافقة السلطة الفلسطينية، وهذا يعني أن إسرائيل ستخصم تكلفة الخط هذا من أموال المقاصة، وعليه؛ فإن السلطة ستعمد إلى مزيد من التضييق على حياة الناس في غزة، وزيادة الخصم من رواتب الموظفين، بهدف زعزعة الاستقرار، لنجد كل من يهتم بالهدوء في غزة يطالب باقتطاع نصيب غزة من أموال المقاصة، وتسليمها إلى أهل غزة، ليتم إدارتها بإشراف الأمم المتحدة، أو بالآلية نفسها التي تدار بها الأموال القطرية، وفي هذه الحالة يصير من حق موظفي سلطة رام الله أن يتقاضوا رواتبهم كاملة من إدارة غزة، كأهم خطوة عملية تؤكد على الفصل.

إنه الفصل، نعم إنه الفصل، فصل الضفة الغربية عن غزة، إنه الفصل الذي بدأ بقطع رواتب موظفي حركة حماس مع بداية الانقسام سنة 2007، وبدأ بأوامر قعود موظفي السلطة في البيوت، ينتظرون مصيرهم المجهول، وإنه الفصل الذي بدأ مع موجات قطع رواتب الموظفين، ثم بمزيد من القطع والخصم، ثم بمزيد من الفصل عن طريق المزيد من العقوبات وقطع الكهرباء، كل ذلك ضمن خطة منسقة منضبطة متطورة، تصل اليوم إلى نهايتها.

بعد الانتخابات الإسرائيلية، وفي زمن المتطرق فيجلن وبن غفير، ستشهد غزة تحسناً ملحوظاً في حياتها، طالما كانت غزة على بر التهدئة، وفي المقابل، ستعيش الضفة الغربية مرحلة التضييق على حياة السكان، وقد بدأت الخطوة الأولى بصرف 50% من الراتب، وبدأت بقطع رواتب من ينتمون لحركة حماس والجهاد في نابلس وجنين، ومن ينتمون للتيار الإصلاحي في القدس وقلنديا، والحبل على الجرار، والأيام القادمة ستفضح مؤامرة خنق حياة الإنسان الفلسطيني في الضفة الغربية، لأهداف سياسية، ستشجع على موجات الهروب من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية، على طريق الوطن البديل، وحكم ذاتي هزيل تحت نفوذ الأمن الإسرائيلي.

لافته: قد يقول البعض: لا بد من المصالحة الفلسطينية، والعودة إلى الاتفاقيات التي وقعوا عليها، وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وتقويم الاعوجاج، وهذا صحيح، ولكن السؤال: هل الذي بدأ بالاعوجاج، وقاد الانفصال، وحرف المسار جاهل عن نتائج الطريق؟ وهل من دفع بالقضية إلى الهاوية تصرف بعفوية وجهل أم بتخطيط وتدريب وتنظيم وتنسيق؟

يافطة: الخلاص لفلسطين من هذه الحالة لا يتحقق إلا بالخلاص ممن كان السبب.

 

د. فايز أبو شمالة