مفارقة لافتة، عنوانها الولاية الخامسة، حدثت في حالتين وفي وقت متقارب.
الولاية الخامسة الجزائرية، وقد جرى إفشالها حين تدفق الجزائريون إلى الشوارع والساحات، وأرغموا الرئيس بوتفليقة على التنحي، أما الولاية الخامسة الإسرائيلية فقد جرى إنجاحها حين تدفق الإسرائيليون على صناديق الاقتراع، وأتوا بصاحبها نتنياهو، كما لو أنهم يقولون: "هذا الرجل مهما فعل فهو الأفضل"، ولا يستبعد أن يحظى بولاية سادسة.
لم يكن تتويج نتنياهو للمرة الخامسة بفعل رغبة شعبية إسرائيلية فقط؛ بل أسهم العالم المؤثر في الشرق الأوسط في ذلك. كانت كلفة الولاية الخامسة باهظة إلا أنها فعالة: الجولان من الجانب الأميركي، وتوقيت إعادة رفات الجندي المفقود منذ سبع وثلاثين سنة من الجانب الروسي.
منافسو نتنياهو كانوا في واقع الأمر أضعف بكثير من أن يقلبوا المعادلة في إسرائيل. فعلى أهمية أو نجومية الأشخاص الذين شكلوا الحزب المنافس، وفيهم أربعة من قادة الجيش الإسرائيلي، فإن حزبهم بدا مرتجلاً، وأن رهانه الأهم تركز على ملل الجمهور من طول أمد حكم نتنياهو، وهذا رهان يصلح على مستوى النخب محدودة التأثير في الصناديق، وكذلك رهان آخر على غرقه في قضايا الفساد، التي لو اتُّهم غيره بها في أي مكان من العالم لأطيح به دون عناء، إلا أن هذه القضايا أحدثت نتيجة عكسية تماماً، فقد برع نتنياهو في تسييسها وتحويلها لدى جمهور اليمين إلى رافد مهم يصب في مصلحته في الانتخابات، فالغالبية في إسرائيل تعتنق شعاراً مجرباً مفاده: "فاسد من عندنا أفضل من صالح من عندهم".
ووفق هذه المعادلة، ارتفع الفارق بين اليمين المتجذر واليسار الملفق إلى عشرة أعضاء على الأقل لمصلحة الأول، وإذا ما أخرجنا النواب العرب من المعادلة فسيتضاعف الفارق.
على ضوء هذه التركيبة الجديدة لبيت القرار الأول والأخير في إسرائيل، ينهض سؤال: إلى أين تتجه الحكومة الجديدة في أمر يهم الفلسطينيين أكثر من غيرهم؟ وهو أمر احتمالات التسوية السياسية معهم، إذا ما نُظر للأمر من زاوية استئناف المفاوضات، مثلما حدث في حقبة أوسلو، فقد انتهى تماماً احتمال كهذا، ذلك أن الوضع الداخلي وقراءة اليمين الإسرائيلي المنتصر في الانتخابات للوضع الإقليمي والدولي، يشجع على ترجيح خيار الضم الزاحف من جانب واحد للأرض وللناس.
وفي هذا الاتجاه لم ينتظر الإسرائيليون نضوج ظرف يساعد على ذلك؛ بل فعلوها بتسارع ملحوظ حد التهور في المكان الأهم، القدس، وفي أمكنة أخرى، مع التهيئة لمزيد من الضم في المناطق "ج" التي تزيد مساحتها عن نصف الضفة.
إذن، وبعد التركيبة الجديدة للكنيست، ستستقبل الحكومة الإسرائيلية "صفقة القرن" وهي في وضع تراه مواتياً تماماً.
حين تُعرض الصفقة رسمياً، فسوف يرفضها الفلسطينيون أو يجددون رفضهم لها، وسيعتبر الإسرائيليون هذا الرفض مبرراً كافياً لكي يأخذوا من الصفقة ما يناسبهم، ويتركوا ما لا يناسبهم، أي ما يفيض عن حاجاتهم، للفلسطينيين، وفق قانون "Take it or leave it".
الخلاصة السياسية للتركيبة الجديدة يمكن اختصارها بجملة محددة: "لا أمل في حل تفاوضي، والباب مفتوح لحل مفروض".
المجتمع الدولي الذي يعول الفلسطينيون عليه كرافض تلقائي ودائم لأي إجحاف بحقوقهم، سيؤكد بصورة جماعية أو فردية على رفض الظلم الواقع على الفلسطينيين بفعل صفقة أميركية إسرائيلية مشتركة، إلا أن المعضلة تبقى كما كانت على الدوام: أين القدرة على الفعل والتأثير أمام الاحتكار الأميركي والجشع الإسرائيلي الذي لا حدود ولا ضوابط له؟
بعد هذه الصورة القاتمة، ينهض سؤال بديهي: ماذا سيفعل الفلسطينيون حيال ذلك؟
في خطابه أمام القمة العربية الأخيرة، أعلن الرئيس محمود عباس أنه مقبل على قرارات مصيرية. لا أدَّعي معرفة بها، ولكن ربما يكون قد أفصح عنها لمن رآه مناسباً من القادة العرب، فلننتظر إذن.
نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني