الخالصة وزهر البيلسان

بقلم: رامز مصطفى

صباح يوم العاشر من نيسان عام 1974 مرّ شبان ثلاثة ، كان الشاعر اللبناني طلال حيدر قد اعتاد أن يصادفهم صباح مساء كل يوم ، وهو يتناول قهوته من على شرفة منزله ، موجهين إليه التحية من دون معرفة بينهم ، ودون أن يُدرك الشاعر طلال حيدر أنها المرة الأخيرة التي سيصادفهم بها . وعلى غير العادة هؤلاء الشبان لم يعودوا ، فأبدى الشاعر قلقه من عدم عودتهم مساء ذاك اليوم الربيعي ، لأنه كان وعد نفسه أن يفاتحهم عن سبب دخولهم تلك الغابة في الصباح ، والعودة منها في المساء ، لكن فضوله خذله فلم يحظّ بفرصة سؤالهم ، ليفاجأ صبيحة اليوم التالي ، أي في الحادي عشر من نيسان أن هؤلاء الشبان ليسوا سوى فدائيين نفذوا عملية استشهادية جرئية في منطقة الجليل الفلسطيني المحتل ، وتحديداً في الخالصة التي حولها العدو الصهيوني إلى مستوطنة لقطعان الصهاينة المستجلبين من أصقاع الأرض أسماها " كريات شمونة " ، بعد أن شردّ أهلها في أيار عام 1948 .
ذُهلّ الشاعر طلال حيدر من تلك المفاجأة السارة ، إنها عملية فدائية نفذها شبان ثلاثة لم يبدو عليهم شيء لافت حين كان يصادفهم يومياً . وأعجب أكثر أن تلك العملية قد اتسم أبطالها بالجرأة واشجاعة ، حيث قتلوا 19 صهيوني وجرحوا 15 أخرين عدا عن الخسائر المادية الكبيرة التي نجمت عن تفجير هؤلاء الأبطال للمبنى المؤلف من 15 شقة ، واستشهد الفدائيون الثلاثة وهم من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة ، التي زودت قيادتها هؤلاء فدائييها الأبطال شروطها لإنهاء العملية في الإفراج عن 100 أسير فلسطيني حسب قدمهم في الأسر منذ العام 1966 ، وفي مقدمتهم الفدائي الياباني كوزو اوكاموتوا المحكوم عليه أحد أبطال عملية مطار اللد عام 1972 ، ولاحقاً تم تحريره في عملية الجليل لتبادل الأسرى التي نفذتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة في أيار 1985 ، في اشارة بالغة الدلالة في أن الجبهة التي طالبت بالإفراج عنه في عملية الخالصة ، ذاتها التي أبقت على وعدها في تحريره وتحرير الآلاف من أسرانا الأبطال قد نفذت وعدها فحررته في عملية الجليل رُغم أنف العدو الصهيوني الذي ظل يراوغ ويتهرب من الإفراج عنه .
يومها قرر الشاعر طلال حيدر يومها ولما تركه هؤلاء الفدائيين الشبان من أثر طيب في نفسه ، أن ينظم فيهم قصيدة شعرية ، جاءت كلماتها معبرة ومؤثرة وجميلة المعاني في دلالاتها . واختار لها عنوان لافتاً ( وحدن بيبقوا متل زهر البيلسان ) . بعد أن فرغ الشاعر من نظم قصيدته عرضها على المطربة الكبيرة السيدة فيروز ، التي رحبت موافقة أن تغنيها ، كيف لا وقد غنت لفلسطين الجريحة والذبيحة ، التي أكدت فيها أن الطريق إلى فلسطين لا يمر إلاّ من فوهة بندقية .
هكذا ارتبط اسم عملية الخالصة وأبطالها الثلاثة ، ياسين موسى فزاع الموزاني الموسوي ( أبو هادي ) من العراق ، ومنير المغربي ( أبو خالد ) من فلسطين ، وأحمد الشيـخ محمود من سوريا ، كأول عملية استشهادية في تاريخ الكفاح المسلح الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني الغاصب لأرضنا الفلسطينية ، بأغنية ( وحدن بيبقوا مثل زهر البيلسان ) . أغنية روت قصة فدائيين أقسموا على الاستشهاد من أجل أن يحيا أبناء شعبهم وأمتهم ، وتحرير فلسطين الأرض والإنسان .
رامز مصطفى
كاتب فللسطيني