ثمة علاقة وثيقة بين المؤثر والمتغير في صياغة الحالة الفلسطينية ببعدها الاجتماعي والثقافي والسياسي ، وبداية مع ظهور وعد بلفور وما قبله المؤتمر الصهيوني الاول في بازل واللذان اعطيان اليهود"" الحركة الصهيونية "" ببعدها الاقتصادي والسياسي والديني وطن لليهود في فلسطين ، وقد يكون البعد الاجتماعي والاقتصادي للشعب الفلسطيني في الخلافة والحكم العثماني وتغييب العامل السياسي وتفكيك الدولة الاسلامية وهزيمة الامبراطورية العثمانية وظهور سايكس بيكو بمؤثر على تقسيم المنطقة بحدود متنازع عليها ومن ثم الاحتلال البريطاني والفرنسي والايطالي للمنطقة العربية وما خص فلسطين من استعمار بريطاني وامتداد لظواهر سائدة ابان حكم الامبراطورية العثمانية من حكم الاقطاع والاسر الكبيرة وتنصيب بعد القبائل الكبيرة في حكم الشعب الفلسطيني هي السمات السياسية والثقافية والاجتماعية وابعادها الاقتصادية بين الملاك للارض والمزارعين باستثناء فئات ليلة تمتلك بعض من الاراضي ولكن ايضا تحت سيطرة الاقطاع ، لم يتغير الحال ما بين حكم الامبراطورية العثمانية ووجود المندوب السامي البريطاني ، وان كانت بعض التطور في الحالة الاجتماعية والمجتمعية ظهلرت في ابان الحكم البريطاني وهي ظاهرة التعليم التي تعدت مدارس الكتاب والمشيخات الى دور ومدارس علم في بعض المدن في القدس ويافا مع احتكار التعليم لما يسمى طبقة """ الذوات والباشوات وابناء الاسر الكبيرة " ،وظهور الكيبوتسات الاسرائيلية الاستيطانية ، وادخال منهجية متكاملة اجتماعية اقتصادية عسكرية امنية ومجمعات انتاجية متكاملة تحت حراسة قوات الاحتلال البريطاني .
حكمت العائلات الفلسطينية بتوافقياتها واختلافها وخلافاتها الشعب الفلسطيني وادارت العملية السياسية ما قبل الحرب العالمية الثانية وما بعدها وربما كان الانقسام بين تلك العائلات وخلافاتها على ادارة البلديات مثل القدس وغيره من المسببات الحقيقية والفاعلة في اجهاظ حركة التحرر الفلسطيني والتي كانت تتصدى للهجرة اليهودية لفلسطين ، وربما ايضا واجه الشعب الفلسطيني حكم الاقطاع والعائلات الكبيرة في ثورة 36 والتي اجهظت فيما بعد نتيجة تلك العوامل الذاتية والموضوعية .
وقبل ان استطرد في المؤثر والمتغير والحالة المجتمعية للشعب الفلسطيني لا بد ان انوه ان سوسيولوجيا تعني العلم الذي يدرس المجتمعات والقوانين التي تحكم تطوره وتغيره، وترجع أصول علم الاجتماع لعصور قديمة ففي اليونان حاول ديمقريطس وأرسطو وأفلاطون ولوكريتيوس تفسير أسباب التغيرات الاجتماعية، والقوى التي تحرك حياة الناس وأصل الدولة والقانون والسياسة.
فإن علم "السوسيولوجيا" اليوم هو من العلوم المهمة والتي أخذت المجتمعات المتطورة الاهتمام به أكثر من السابق لكونه يساهم مساهمة فعالة في تتبع مشاكل الفرد والمجتمع وقد يعرض حلوله وبرامجه في نفس الوقت.
ان متغير النكبة والهجرة واللجوء قد غير من الخارطة الاقتصادية والاجتماعية للشعب الفلسطيني من تشتت وانفصام عائلي ومجتمعي كان مستقرا نوعا ما الى نسيج من اللاجئين عبر مخيمات داخل الوطن وفي دول الاقليم وان لوحظ بعض النشاط الاقتصادي لما تبقى من ارض الوطن نتيجة وجود الوصاية الاردنية والمصرية على كل من قطاع غزة والضفة ووجود وكالة الغوث لتشغيل اللاجئين وتوفير الحد الادنى من منظمة الحماية الانسانية وتوفير التعليم لكل طبقات وفئات الشعب التي قد تساوى معظمها في الحالة الاقتصادية ما عدا بعض الاسر من بقايا الاقطاع والراسمالية وانفصام ثقافي ما بين ماهو لاجيء وما هو مواطن .
ولكن الظاهرة الاساسية للمكون المجتمعي الفلسطيني والواقع اضفت ظاهرة نضالية وتحررية لاسترداد الارض والحقوق من خلال الاحزاب مثل الحزب الشيوعي والاخوان والقوميين العرب والبعثيين وهي انشطة حزبية لا تتجاوز دور الاعداد الثقافي والوعوي والتعبوي ..... ولقد لعبت ثورة 23 يوليو بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر دورا حيويا في ايقاظ الروح الوطنية والثقافية والخروج من ظاهرة الصدمة التي لحقت بالشعب الفلسطيني من جراء اللجوء والنزوح...... ولقد اثرت حركة التعليم وانتشارة لتوفير الاف الفرص التشغيلية في السوق العربية كدول الخليج والمغرب العربي في انعاش الحالة الاقتصادية للاسر والمجتمع الفلسطيني .
ان ظهور ارتكازات حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح وخاصة بعد نكسة وهزيمة 67م وهي ارتكازات ثقافية ومجتمعية وسياسية وامنية ومن خلال محددات طرحتها في ادبياتها وشعاراتها الى تحول في الثقافة المجتمعية والسياسية للشعب الفلسطيني والتي كان لها بعد امني وعسكري بل اعادت صياغة اللغة الثقافية للاسرة الفلسطينية ، وقضت على الانسلاخات التوجهات الحزبية ومن خلال مربع واسع يحتوي الكل الفلسطيني من خلال منظمة التحرير الفلسطينية وتوجه كل الطاقات في الثورة كادوات رئيسية في حرب التحرير الشعبية ..... ولكن المؤثر الاقليمي مرة اخرى وضغوطاته وامكانياته قد فرض على الفلسطينيين التحول من الثورة الة عالم التجاوب مع الاطروحات والمبادرات الدولية والتي استثنت فيها منظمة التحرير وحركة فتح شعاراتها واهدافها من تحرير لكامل التراب الفلسطيني وتصفية اسرائيل مؤسساتيا وهزيمة نظريتها الصهيونية .
في عصر الاحتلال المباشر لما تبقى من ارض الوطن حدث انتعاش كبير للحركة الاقتصادية من خلال عشرات بل مئات الالاف من فرص عمل مختلفة للفلسطينيين داخل الارض المحتلة مما احدث تغير ا في شكل ومظهر المخيمات الفلسطينية داخل الوطن من حيث الانشاء والقوة المادية اما مخيمات اللجوء فقد حدث لها تطور مشابه ايضا من خلال سوق العمل العربي والمحلي ... باستثناء المخيمات في لبنان وبقوانيين جائرة وصادمة وظالمة من انعدام فرص العمل وبقاء المخيمات كما هي عليه وبنية تحتية مدمرة وفتح باب الهجرة لاوروبا وكندا وغيره .
وحدة الشعب الفلسطيني السياسية والثقافية اصابها المؤثر من ثقافات عربية محلية فالشعب الفلسطيني داخل الوطن المحتل تاثر بالثقافة المجتمعية الاسرائيلية وكما هو الحال في الدول خارج الارض المحتلة .. بل اصبحت منظمة التحرير عمليا لا تمثل كل الشعب الفلسطيني مع ظهور الاسلام فوبيا واحزابه وانتشاره نتيجة فراغات وسلبيات من القوى الوطنية من حيث السلوكيات السياسية والثقافية والاجتماعية واستبدال لظاهرة الاقطاع بظاهرة تجار المواقع والمناصب التي استغلت من اجل اتساع ثرواتهم الشخصية على حساب السلوك النضالي والثوري .
قد تكون اتفاقية اوسلو من اخطر المنعطفات التي غيرت في الشعب الفلسطيني ما بعد1993م بظواهرها السياسية والامنية والاقتصادية والسلوكية وما انجبت من سلطة لم يحسن استغلالها وطنيا رغم قذارتها وظهور الفوضى ومراكز القوى وبين من سمو العائدين والمواطنيين ومن هم من فئة العائدين من تونس ومكتسباتهم ومن هم من دول الاقليم الاخرى ..... لا ننسى ان السلطة قد شغلت اكثر من 160 الف فرصة عمل واعادت للوطن ما يقارب نصف مليون فلسطيني بشكل او باخر .... ولكن ما زالت اتفاقية اوسلو تمثل خندق وجرف سياسي ووطني صعب التخلص منه وبمعطياتها السياسية والامنية والاقتصادية والمجتمعية والثقافية ... ومن هنا كانت خطىورتها على اللبنات الاجتماعية والثقافية للشعب الفلسطيني والتي ما زالت تعاني منه حركة التحرر الوطني والقوى الوطنية ومحتيجاتها التحررية التي تلبي طموح الشعب الفلسطيني.
اوسلو قد اختزلت الوطن التاريخي بقايا من الوطن في الضفة وغزة وظهور انتشار شرس للمستوطنات الاسرائيلية التي تهدد المطلب المختزل بدولة في الضفة وغزة ... بل قد تكون هناكة سيناريوهات قادمة لاختزال الحلم الفلسطيني بكيانيتين منقوصتين سياسيا وامنيا واقتصاديا في كل من الضفة وغزة .
ليست استقراءات بل هذا ما انجبته اوسلو من منافع لبعض الفئات وظهور الصراعات الوظيفية والرواتب المشروطة ببعدها من الولاءات وظهور الفساد الاداري والسلوكي والامني وما نتج من انقسام دموي عام 2007 ومن صراع على الحكم وقيادة السلطة التي لن تخرج باي حال من الاحوال عن الشروط المعلنة والغير معلنة لاتفاقية اوسلو والتي يصعب للان معالجة الانقسام وظهور المكون التشرذمي في الاسرة الواحدة الى المؤسسة الى البرنامج ، بل ما يتم استهدافه لحركة التحرر الوطني والقوى الوطني من خلال الانقسام الداخلي نتيجة نظرات فئوية جغرافية ونظرة اقتصادية تعزز سيناريوهات مطروحة لفصل الضفة عن غزة وبناء على لغة المصالح الذاتية لكلا من المسيطرين منهم من يبتعد خطوات عن الاحتلال ومنهم من يبتعد امتار والمحصل تهديد المشروع الوطني الفلسطيني بل احداث انهيارات فيه وبالتالي قد يكون من الصعب التحدث عن وحدة الشعب الفلسطيني وطاقاته وثقافته وادوات فعله وعمله.
بقلم/ سميح خلف