الشمال الأفريقي يزداد سخونة واستتباعاً السودان بفعل مفاعيل وتفاعلات الأدوار العسكرية لأفريكوم

بقلم: محمد احمد الروسان

إنّ تكلفة الاستسلام أكبر من تكلفة الصمود، لأنّك باستسلامك ستكون انبطاحيّاً وتزحف حبواً على شفاهك نحو الآخر، وانجازات الصمود أكثر فائدة من التكاليف، وأن تكون حليفاً لأمريكا أكثر خطورة من أن تكون عدواً لها، والاستقلال السياسي يتطلب استقلالاً اقتصادياً، والمقاومة تتطلب اقتصاداً مقاوماً، وكل الأحداث تثبت صحة هذه المعادلة وتؤكد يوماً بعد يوم، أن الاستعمار ينطلق من الاقتصاد ويمر وينتهي به، ولا يمكن لك أن تفصل السياسة عن الاقتصاد، فالعلاقات بينهما حتمية ووجودية من حيث التشبيك في من يحفّز الآخر ليكون سبباً للحروب.  أنظر إلى حالنا وكيف يستخدمنا الآخر لمحاربة بعضنا البعض، ضمن استراتيجيات الخداع الإستراتيجي(حروب عربية عربية، ليبيا، سورية، ولاحقاً مصر ودول شمال أفريقيا، وقبل ذلك اليمن – مع احتمالية كبيرة لمهاجمة تشاد السودان بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بعمر البشير، وبعد انقلاب آخر من داخل الانقلاب الذي أطاح بالبشير، وخروج عوض بن عوف المطلوب للجنائية الدولية ونائبه كمال عبد المعروف، وإقالة صلاح قوش مدير المخابرات من قبل رئيس المجلس العسكري الجديد الفريق عبد الفتاح البرهان(رجل الإمارات والسعودية)، وإفراج الأخير بشكل فوري عن الضباط من الجيش الذين حموا المتظاهرين، وبنفس الوقت إعلانه عن تشكيل حكومة مدنية توافقية بالتفاهم مع القوى السياسية والمدنية في المرحلة الانتقالية، على أن يكون الجيش جزء من جلّ المرحلة الانتقالية، كل ذلك لتخفيف درجات الاحتقان الداخلي، وهنا نوجه الشكر إلى كل الشعب السوداني ونحترم خياراته المشروعة، كما الشكر موصول إلى الرفاق في الحزب الشيوعي السوداني وقوى اليسار الأخرى والمستقلين، والقوى الشعبوية التي قادت الحراكات السلمية، ولكن حذاري حذاري من أن يكون كلا الانقلابين رؤية أمريكية اسرائلية، عبر الإمارات والسعودية لإعادة إنتاج نظام البشير، والمحافظة على أركانه خاصة بحضورات لمندوب إسرائيلي اسمه محمد دحلان في المعادلة، فثمة تقسيم أدوار بين قادة العسكر في السودان، ومكان العسكر في كل الساحات، في الثكنات والثكنات فقط، وليسوا قادة تغيير سياسي مدني)ولاحقاً عربية فارسية، كنهج ولاياتي أمريكي وهي انعكاس لإستراتيجية الصبر الاستراتيجي، التي يتحدث عنها كوادر استخبارات البنتاغون لصناعة حروب متنقلة(عربية عربية)والبدء من اليمن، وكلا الإستراتيجيتين وفّرتا الغطاء للعملية العسكرية على اليمن الطيب والفقير، حيث لعنة الجغرافيا تلاحقه فما ذنبه؟. الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على تشكيل بازارات من الحروب الطائفية والمذهبية، والتي يجري إنضاجها على نار حامية في جلّ المنطقة العربية، وتجعل إسرائيل تتموضع في خارطة العمل العسكري الحالي على اليمن في الظل، حيث تتقاطع مصالحها(أي إسرائيل الصهيونية)مع البعض العربي الآخر، والذي بلع الطعم اليمني حتّى اللحظة بنهم، حيث أعاد التاريخ نفسه ولكن بالمقلوب في الحالة اليمنية الآن، حيث شعبها طيب وفقير وخطيئته الوحيدة هي الجغرافيا ولغتها، ومشاركة البعض العربي في هذه العملية العسكرية غير مقنعة لأحد ولكثير من الناس في الدواخل العربية، وهنا أتساءل: هل يراهن هذا البعض العربي على انزياحات تحققها خرائط التقسيم القادمة، والتي تحدثت عنها كوادر الاستخبارات الأمريكية وعبر استراتجيات الصبر؟ أمريكا تحارب إيران بالعرب، وتحارب العرب بالعرب، وتحارب المسلمين بالمسلمين عبر حلف ناتو عربي سنّي  بدافع الرجولة الوهمية مع كل أسف، لإشغال حرب بسوس القرن الحادي والعشرين، ولمحاربة كل من لا يسير في الفلك الصهيوني والأمريكي من العرب، ولتشجيع تركيا بعاصفة حزم أخرى في سورية، ودفع مصر لتكرارها في ليبيا((قد تكون عملية الجنرال خليفة حفتّر الحالية، جزء من عملية عسكرية مكلّفة بها مصر أمريكيّاً في ليبيا بتمويل سعودي إماراتي صرف، وما كشفته صحيفة وول ستريت جورنال رأس جبل الجليد فقط من جلّ العملية، خاصةً أنّ حفتر زار الرياض قبل عمليته بيومين، وقبل ذلك كان في الإمارات في اجتماع مع ولي العهد الإماراتي ومدير المخابرات بحضور محمد دحلان، وبعد بدء العمليات العسكرية حطّت طائرات بوينغ إماراتية تحمل عتاد عسكري ومستشارين عسكريين في المنطقة الشرقية دعماً للمشير حفتّر، وفي ذات الوقت تقول معلومات أنّ طائرة من نوع فالكون 50 روسيّة وهي طائرة للمهمات الخاصة حطّت أيضاً في بنغازي، قد تكون تحمل وفداً خاصاً لحفتر من موسكو أو تحمل المشير حفتر نفسه، بعد أن قام بزيارة سريّة لموسكو طالباً دعمها العسكري والدبلوماسي والسياسي والإعلامي، خاصة بعد أن فشل الوفد المخابراتي والعسكري الخاص الذي أرسله حفتر إلى ايطاليا التي تدعم حكومة الوفاق في طرابلس حكومة فايز السرّاج، لتوسطها إلى هدنة مع حكومة طرابلس، مما يعتبر ذلك مؤشر فشل واضح لقوات المشير حفتر في السيطرة على طرابلس بشكل سريع وخاطف، وهو ما فشل فيه بعمق حتّى اللحظة، بالرغم من الأعداد المسبق وعلم الفرنسيين بجل عملية حفتر ودعمهم من تحت الطاولة له ولعمليته – وما الموقف الفرنسي المعلن سوى ذر للرماد في العيون – يعني تكاذب فرنسي وقح. في جانب آخر بدأت الميديا الأمريكية ببث معلومات تسيء وتعد تشويهاً للموقف الروسي الحالي في ليبيا بأنّه توجد هناك مرتزقة من الروس من شركة فاغنر الروسية الأمنية الخاصة في شرق ليبيا، تقدم المشورة والمساعدة لقوّات حفتر والممول الأمارات والسعودية معاً بحافظات مالية ضخمة، كل ذلك لتشويه الموقف الروسي، خاصةً وأنّ المشير حفتر كان يعلن أنّ موسكو تدعمه، لكن الحقيقة والواقع أنّ الفدرالية الروسية استقبلت فايز السرّاج أكثر من مرة في موسكو، وأعلن الكرملين وعلى لسان الرئيس ووزير الخارجية سيرجي لافروف أنّ موسكو تقف على مسافة واحدة من الجميع في ليبيا ))والسؤال هنا: هل استيقظ الرجل العربي المريض على إيقاعات الأيرنةً؟! ولأنّه لا عفوية بالعمل السياسي، تم القيام بحملات إعلامية مبرمجة لتشويه صورة المقاومة، من قبل وسائل ميديا المحور الخصم لمحور المقاومة. انّه تزامن مقصود ومدروس مع غرف موك إعلامية لتكذب وتكذب وتصنع رأياً دولياً مضاداً، للدولة الوطنية السورية والمقاومات في المنطقة، حيث المجاعة الحقيقية والتجويع تكمن ويكمن في اليمن العربي، بفعل الحصار والعدوان السعودي والبعض العربي عليه، واستخدام القنابل العنقودية التي انتقدها العالم. للمرة المائة أقول: أحسب وأعتقد، أنّ مستقبل العالم يتقرر ضمن عقيدتين اثنتين: امّا علاقات تسودها المواجهة والهيمنة(نلحظ عمق ذلك الآن وكل الخيارات مفتوحة)، أو بالتعاون والتنمية في ظل فرض عالم متعدد الأقطاب، بسبب الفعل الروسي والصيني وجلّ دول البريكس وعلى رأسها الهند، وعبر الفالقة السورية ومسارات خطوط أنابيب النفط والغاز، والفكفكة للمنطقة واعادة التركيب، والأمركة والأسرلة والبرطنة والفرنسنة والى حد ما الألمنة، نكايةً بالروسي والصيني والإيراني والسوري وحتّى التركي المخدوع، يقابلها السورنة والروسنة والصيننة والأيرنة والأتركة، وهو ما يميز سمة الصراع في المنطقة بمعناه العامودي والعرضي. ثمة تفاهمات أممية تجري، كنتاج لتلك الانجازات الميدانية، على رتم زمجرة الجيش العربي السوري، وتحرير جلّ الجنوب وفرض قواعد اشتباك جديدة غير التي كانت سائدة عام 1974 م، حيث يجهد الإسرائيلي إلى العودة إليها، بعد فشله في فرض قواعد اشتباك جديدة من خلال الاعتداءات على سوريانا، لذا نجد أنّ الولايات المتحدة الأمريكية وعلى مدى وعمق، خطوط علاقاتها العرضية والرأسية، مع حلفائها(المستهدفون لاحقاً من قبلها عبر شطبهم واعادة تشكيل ورسم الدور الوظيفي الجديد لهم مجتمعين، في صراعها مع الروسي والصيني)في المنطقة الشرق الأوسطية الملتهبة والمضطربة بفعل الإرهاب المنتج والمصنّع والمدخل إلى الداخل السوري واللبناني والعراقي، وملاذاته الآمنة وحواضنه في جلّ دول الجوار السوري والمنطقة ككل، وما يحاك للأردن، كنسق سياسي وجغرافيا وديمغرافيا من سيناريوهات جديدة تقترب من الواقع، ويعمل الآخر على طمأنتنا وتهدئة روعنا، والمصيبة الكبرى أنّنا نصدّق قوله ورؤيته، وبفعل نفوذ وضغوط جماعات المحافظين الجدد والأيباك، في مفاصل صناعة القرارات السياسية والدبلوماسية العدوانية التدخلية والمخابراتية والعسكرية، داخل مؤسسات الدولة الولاياتية الاتحادية الأمريكية، حيث تسعى الواشنطن دي سي، من أجل اعتماد مذهبية أجندة سياسية خارجية أمريكية شرق أوسطية، تدخليه عدوانية تصعيديه(انظروا العمل الأمريكي إزاء كراكاس وفي المعلومات تنقل أمريكا مجاميع إرهابية داعشيّة إلى دول أمريكا اللاتينية للعبث فيها)، لجهة توظيف فرصة الأحداث الإرهابية ومحاربتها، عبر تحالف الخراب الدولي، بجانب الاحتجاجات الأخرى الجارية في معظم ساحات المنطقة، من أجل بناء مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي أفشلته المقاومة الإسلامية في لبنان في حرب تموز 2006 م والمقاومة العراقية، وصمود الدولة الوطنية السورية ونسقها السياسي والجيش العربي السوري، ومجتمع المقاومة في غزّة المحتلة وباقي الوطن الفلسطيني المحتل، شرق أوسط جديد سوف يحقق استقرار وسلام وأمن في المنطقة من زاويتها ووجهة نظرها، لأنّه سوف يترتب على هذا الشرق الأوسطي الجديد، إعادة ترتيب جغرافياته وما عليها من ديموغرافيات سكّانية، وفقاً لمواصفات جيوسياسية تقسيميه مستحدثة جديدة، وإدماج " إسرائيل" في بيئة المنطقة وضمان أمن المصالح الأمريكية، لأنّ قوى الشر من زاوية محور واشنطن – تل أبيب ومن ارتبط به، والمتمثلة(أي قوى الشر)في سورية، وحزب الله، وحماس الداخل الجناح العسكري، والجهاد الإسلامي، والمقاومات الشعبوية الأخرى، وفي الدولة الإيرانية، وكوريا الشمالية(واشنطن ورغم لقاء ترامب بالرئيس الكوري الشمالي، لم تحقق أي اختراقات في هذا الملف الهام)، سوف تذهب وتبقى قوى الخير. قد يكون صحيح تحليل وواقع، أنّ وضع واشنطن الحرس الثوري الإيراني على قوائم الإرهاب الأمريكية، لغايات دفع إيران للجلوس من جديد على طاولة المفاوضات مع أمريكا، ولغايات الاتفاق والتفاهم معها على المنطقة وحولها، فواشنطن تصعّد دبلوماسيّاً وسياسيّاً وعسكريّاً ومخابراتيّاً مع طهران، لتفاوض وتتفق وتتفاهم، وهنا يتردد اسم مايكل ليدن بقوّة في كواليس مفاصل العبث في المنطقة وإزاء إيران.  ومايكل ليدن هذا لا يخفى علينا وعلى المختصين والمتابعين للشؤون الأستخباراتية الدولية، فهو مختص بالشأن الإيراني لدى مفاصل وكالة المخابرات القومية الأمريكية(تضم أكثر من 17 جهاز استخبارات داخلي وخارجي – مجتمع مخابرات)وما زال في الخدمة كمستشار ومهندس الأدوات القذرة التدخلية، وتحديداً في مجلس الأمن القومي الأميركي بالتعاون مع جون بولتون، وكذلك مع اليوت ابرايمز الذي عينه مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي للعمل على ملف فنزويلا الآن، وهو الخبير أي مايكل ليدن في كيفية تحريك وتحفيز الفتن، والصراعات العرقية والمذهبية، داخل النسيج الاجتماعي الإيراني، وارتباطاته بالمجتمعات العربية في الساحات الخليجية وبعض المجتمعات العربية والإسلامية الأخرى، وهو خبير في تشويه المقاومات، ويساعده سرّاً جيفري فيلتمان، والأخير صديق حميم لمجتمع الاستخبارات السعودي. ومايكل هذا هوّ مهندس وواضع مخططات العمليات الإرهابية السابقة في بعض الساحات بجانب الداخل الإيراني، ويعد لشيء جديد هذا المايكل ليدن في الداخل الإيراني لخلط الأوراق، ومايكل ليدن هذا كان يعمل في السابق في دائرة إيران، في معهد واشنطن للشرق الأدنى وقت رئاسة بوش الأبن، حيث شبكات المخابرات الإسرائيلية والأميركية، تشرف على عمل هذا المعهد في العاصمة الأميركية واشنطن دي سي، وهو أيضاً ضابط التوجيه السياسي والأمني المخابراتي، لقوّات الوحدات الخاصة في وكالة المخابرات المركزية الأميركية، حيث تعمل الأخيرة ومنذ سنوات خلت على تدريب مجموعات إرهابية، سواءً لجهة امتداد الحدود الباكستانية الإيرانية، وإرسالها للداخل الإيراني، وان لجهة امتداد الحدود العراقية الإيرانية، وإرسالها إلى المدن الكردية السنيّة الإيرانية في مناطق شمال غرب إيران، والى القرى العربية الشيعية الإيرانية، جنوب غرب إيران بالتنسيق مع مجتمع الاستخبارات السعودي وتوظيفات الفكر الوهابي المتطرف، والذي يعتبر أنّ حربه مع إيران حرب سنّه وشيعه، كل ذلك بجانب أهداف أخرى يطول شرحها هنا، تهدف فيما تهدف إليه بعرقلة استمرارية تطبيق الاتفاق النووي مع إيران بعد الانسحاب الأمريكي منه، وجعله صعباً للغاية عبر تأزيم العلاقات السعودية الإيرانية من جهة، وتأزيم العلاقات الأوروبية الإيرانية من جهة أخرى، ودفع الرياض إلى فخ آخر بعد فخ اليمن ليستنزفها ماديّاً بشكل متسارع، وينشّط مبيعات المجمّع الصناعي الحربي الأمريكي لكافة الأطراف المتصارعة، ليصار إلى تقسيمها من جديد واعادة تشكيلها بما يتلائم مع استراتيجيات الاستدارات للبلدربيرغ الأمريكي جنيين الحكومة الدولية، خاصةً في ظل إدارة الرئيس الزئبقي ترامب وإدارته الصقورية، كما تهدف إلى تقويض استقرار إيران الداخلي، وإضعاف الجبهة الداخلية، وبالتالي إضعاف الدولة المركزية وإرباكها. من ناحية أخرى، تقوم شبكات المخابرات الإسرائيلية مجتمع المخابرات الصهيوني(وحدة آمان، الموساد برئاسة يوسي كوهين ذو العلاقات العميقة مع بعض المشيخات العربية والتي لا ترتبط بمعاهدات سلام مع ثكنة المرتزقة "إسرائيل"، الشاباك، مخابرات وزارة الخارجية، والوحدات الفرعية الأخرى)، إلى تقديم الدعم المطلوب واللازم منها إلى جماعة جند الله الإيرانية مثلاً، وحزب بيجاك الكردي، ومجاهدي خلق، وأخريات العمل جاري على خلقها كأدوات في الداخل الإيراني، حيث كانت في البداية عبر غطاء المخابرات الأميركية، ثم سعت وبشكل مستقل إلى بناء المزيد من الروابط، وعرى التعاون والتنسيق الأمني الحثيث المباشر، مع زعيم التنظيم الذي أعدم من سنوات، والآن تقول المعلومات الأستخبارية ذات المصداقية، أنّ مجتمع المخابرات الإسرائيلية وعبر جهاز الموساد بمساعدة جهاز استخبارات دولة اقليمية على خصومة شديدة مع إيران(الأستخبارات السعودية بإدارة الفريق الحميدان وخبراء من متقاعدي المخابرات والأستخبارات الأمريكية)، يعمل على تعزيز الروابط السابقة وبناء الجديد المباشر منها، مع مجاميع بشرية من عائلة ريفي الإيرانية وغيرها، من أجل إعادة بناء التنظيم وفق أسس عمليات مخابراتية متطورة، مع تعميق و"حدثنة" في عقيدة بنائه وعمله، مع دعم وتفعيل وحدة الاستطلاعات المخابراتية، التي تم إنشاؤها داخل هياكل هذا التنظيم السلفي المتشدد، لجعله يعمل وفق أجندات محور واشنطن – تل أبيب في المنطقة، وخاصةً لجهة الداخل الإيراني المتماسك حتّى اللحظة، مع استنساخات أخرى من جماعة جند الله الإيرانية، للعمل في الداخل السوري والداخل اللبناني لا بل وفي دول أمريكا اللاتينية، وما جلّ مسرحية البيدق العفن الفنزويلي خوان غويدو للسيطرة على السلطة في بلاده، الاّ في سياقات العبث في حدائق اليانكي الأمريكي في ساحات ودول أمريكا اللاتينية، وما يجري أصلاً في فنزويلا هو انعكاس للصراع الروسي الأمريكي بكل بساطة، وأمريكا تقلق من تدخل الآخرين في انتخاباتها، بينما هي تحاول صنع مصير الشعوب، والتحذير الروسي لواشنطن وصل درجة التهديد، ان اعتدت عسكرياً وعملاً مخابراتيا قذراً في كاراكاس، وهذا الحسم الروسي مع استعدادا كاراكاس من المعوقات الهامة أمام عدوان أمريكي محتمل، مع فرملة الأندفاعة الأمريكية إزاء فنزويلا، فترامب المأزوم داخلياً، والمضطرب في سورية، والمرتبك في العراق، والقلق من إيران، يختار المواجهة مع نيكولاس مادورو في كاراكاس لترحيل مشاكله والهروب الى الأمام، والأخير أفرغ الحملة الأمريكية على بلاده تدريجياً، حيث رده كان مدروساً وليس انفعالياً، مما جعل العالم في مواقفه ينقسم نحوه: فنصف المعارضة في بلاده ضد خوان غويدو، والموقف الأوروبي جزء منه مع خوان غويدو، والقسم الآخر مع مادورو الرئيس الشرعي – موقف اليونان مهم والموقف الأهم هو المكسيك المؤيده لمادورو، ثم الدخول الصيني العسكري والمخابراتي بجانب الروسي، وبالتنسيق مع موسكو في الحدث الفنزويلي، أفشل خطط وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عبر البيدق خوان غويدو. إنّ من أهداف دعم منظمة جند الله أيضاً، بجانب تقويض استقرار إيران الداخلي، واستيلاد نسخ منها لتعمل في ساحات ومناطق ودول أخرى لتأجيج الفتن والصراعات السنيّه الشيعيه، وفي بعض ساحات دول أسيا الوسطى والتي صارت في عمل وفكر مراكز الثنك تانك الأمريكية والغربية أسيا الكبرى، هناك هدف آخر يتموضع بضرب حركة التجارة الإيرانية مع الباكستان، عبر بحر العرب، ومن أجل أن تكون هذه المنظمة الإرهابية بمثابة، قاعدة عسكرية مخابراتية متقدمة، ذات أدوات شعبوية عميقة، لأي قوى عسكرية خارجية، في حال استهداف إيران الدولة الإسلامية الجارة، بسبب تداعيات برنامجها النووي والذي هو بمرحلة الاحتضار التطبيقي بعد انسحاب واشنطن منه، باستهداف مستمر لإيران ودورها الاستراتيجي، ومجالها الحيوي، وصراعها مع الولايات المتحدة الأميركية والغرب، على أسيا الوسطى – القوقاز الجنوبي. ففي الوقت الذي تعيد واشنطن إعادة انتشار تواجدها العسكري بالمنطقة والذي قد يصل الى مرحلة شبه مغادرة للمنطقة، نتج عن ذلك فراغ سياسي واستراتيجي عميق، يحاول الروس ومن ورائهم الصينيين ملئه، فهي أي الرياض لم تحصد من الناحية العملية على أي ثمار سياسية ان في سورية وان في اليمن وان في لبنان وان في العراق وان في فلسطين المحتلة في رعاية المقدسات عبر العباءة الأمريكية والصهيونية(الرعاية هاشمية دينية وسياسية مهما كانت الضغوط أو التنازلات التي قد يقدمها البعض في الداخل الأردني – حزب واشنطن اللعين في الداخل، في لحظة الوهن الأنبطاحي وعلى قاعدة : لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده)، كما لم تنجح الرياض في بتر أي من الأصابع أو الأيادي الإيرانية كما تراها هي، وأيضاً إن في ليبيا والتي ستكون نقطة انطلاق عسكري عميق للولايات المتحدة الأمريكية في صراعها مع الروس والصينيين، عبر ما ما يعلنه البنتاغون على لسان خبراء يتبعون له مثل: رودريغاز عن أدوار عسكرية لأفريكوم انطلاقاً من ليبيا لمدة خمس سنوات قادمة، بحجة محاربة داعش والإرهاب الذي صنعته في شمال أفريقيا، وفي مالي عبر التعاون مع الفرنسيين والبريطانيين والايطاليين، ليجعلوا من مصر سورية ثانية، ومن أجل استهداف الجزائر ومحاصرتها بالدرجة الأولى لضرب خطوط العلاقات الجزائرية الروسية، والجزائرية الصينية، والجزائرية الإيرانية، حيث تتحدث المعلومات، أنّ العمل يجري على تغير للمشهد في الجزائر وإعادته الى سيرته الأولى مطلع تسعينيات القرن الماضي، ليكون مشابهاً لما يجري في المشاهد السورية والليبية والعراقية واليمنية، ولكن ما يطمئن النفس أنّ وعي الشعب الجزائري وقيادته وتساوق وتماهي هذا الوعي، مع عمل دؤوب ومستمر لمجتمع المخابرات الجزائرية وتنسيقاته مع الحلفاء والأصدقاء، وخاصة مع الروس والصينيين والإيرانيين، سيحبط مخططات محور واشنطن تل أبيب، ومن ارتبط به من بعض العرب والغرب. وفي ظل ما أعلنه البنتاغون الأمريكي عبر قيادة قوّات أفريكوم، حيث يجيء هذا الكشف الأمريكي في ظل التوترات والاحتقانات الإيرانية السعودية على طول خطوط ومفاعيل وتفاعلات العلاقات الثنائية والإقليمية، وعلى وقع انجازات الجيش العربي السوري وتحرير الجنوب السوري والعمل جاري على فتح معابر أخرى مع الأردن غير نصيب، عن خطة خمسية لمحاربة داعش والإرهاب في شمال أفريقيا، ومع توالي الهجمات الإرهابية التي يتبناها تنظيم داعش في ليبيا ومالي، وبوكو حرام في نيجيريا، وحركة الشباب المسلم في الصومال، بات التساؤل عن خلفيات هذه الهجمات وإمكانية وقوف جهات بعينها وراء هذه الأحداث من قبيل الهوس بنظرية المؤامرة.ونتساءل هنا تحديداً حول خلفيات الهجمات على فندق(راديسون بلو)بقلب العاصمة المالية باماكو في شباط 2016 م، خصوصا وأن ثلث الضحايا هم صينيون وروس ولهم مواقع حساسة داخل مؤسسات عملاقة وهنا العقدة في محاولة الفهم هذه. وبحسب المعلومات التي تم رصدها من قبل كاتب هذه السطور في عام 2016 م، فإن عدد القتلى من الصينيين بلغ ستة أشخاص آنذاك، من بينهم ثلاثة ينتمون لشركة "شاينارايل واي"، بالإضافة إلى القتلى الروس الذي يشتغلون في الشركة الروسية "Volga-Dnepr"، وهي شركة عملاقة متخصصة في النقل الجوي للمعدات الضخمة وحتى الأسلحة، وفي الواقع كما أحسب، أن الهجوم يأتي في سياق التعاون الاقتصادي بين روسيا والصين، وهو ما يفتح الباب أمام تفسير الهجوم بكونه خطة مدروسة الملامح ورسالة واضحة المعالم لكل من روسيا والصين إزاء مالي وإزاء الجزائر أيضاً، وتضيف المعلومات، أنّ المسؤولين الصينيين الذين قتلوا هم المدير العام لشركة(شاينارايل واي)والمدير المساعد له والمدير المسؤول عن غرب إفريقيا، وهؤلاء يعتبرون صلة الوصل بين الحكومة المالية والصينية في ما يتعلق بمشاريع البنيات التحتية، خصوصا مشروع تجهيز السكة الحديدية في مالي. في عام 2014 م قام الرئيس المالي بزيارة إلى الصين للمشاركة في المنتدى الاقتصادي العالمي، وعلى هامش هذا اللقاء وقَّع على العديد من الصفقات الضخمة مع الحكومة الصينية، أهمها مشروع تشييد السكة الحديدية بين باماكو والعاصمة الغينية بقيمة 8 مليارات دولار، وهو المشروع الذي تراهن عليه مالي حتى تتمكن من تصدير ثرواتها الطبيعية عبر ميناء غينيا، بالإضافة إلى مشروع آخر لتشييد سكة حديدية بين باماكو والعاصمة السنغالية داكار، تبلغ قيمة صفقته حوالي 1.5 مليار درهم. بالإضافة إلى هذين المشروعين البالغة قيمتهما حوالي 10 مليارات دولار، هناك مشاريع أخرى تشرف عليها الشركة الصينية نفسها تهم تشييد الطرق في شمال البلاد، وتشييد قنطرة في العاصمة باماكو، ليصل حجم الاستثمارات الصينية في مالي إلى 12 مليار دولار، الأمر الذي جعل من الصين المستثمر الأكثر هيمنة في مالي، وهو أمر لا يمكن أن ترضى عنه الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، وأعتقد أن قتل المسؤولين الصينيين لا يمكن أن يكون بريئا خصوصاً، وأنه يمكن اعتبارهم أهم ثلاثة أشخاص كانوا متواجدين في مالي خلال تلك الفترة. وبخصوص ما يتعلق بالقتلى الروس، البالغ عددهم ستة، فهم أيضا أطراف في الشركة الروسية "Volga-Dnepr"، التي تعتبر رائدة عالميا في مجال النقل الجوي للشحنات الكبيرة، حيت تقوم بنقل أجزاء الطائرات ومعدات البناء الكبيرة وحتى المروحيات، وكانت الشركة الروسية هي المكلفة بنقل معدات الشركة الصينية التي ستحتاجها في مشاريعها بمالي، وكانت بين الشركة الصينية والروسية شراكة على هذا الأساس، وهو ما يحمل أكثر من دلالة على أن العملية كانت من أجل ضرب الاستثمارات الروسية والصينية في البلد، تمهيداً لضرب الروسية تحديداً في الجزائر وكذلك الصينية. وتتحدث المعلومات أنّه ثمة شراكات تجمع بين الصين ومالي مؤخراً، من بينها أن الصين قدمت دعما لمالي قيمته 30 مليون دولار، وقرضا بدون فوائد قيمته 13 مليون دولار، بالإضافة إلى منحة لفائدة 6000 طالب مالي للتعلم في الصين خلال الفترة ما بين 2015 و2017، كما أعلنت الصين عن افتتاح مركز للتكوين في مجال الهندسة لفائدة الطلبة الماليين، إضافة إلى الصفقة التي حصلت عليها الصين لتشييد 24 ألف سكن اقتصادي بمالي. أمّا بالنسبة لروسيّا، فقد وقَّعت خلال السبع سنوات الماضية على صفقات أسلحة مع الحكومة المالية بأكثر من مليار ونصف من الدولارات الأمريكية، وعليه عبر الهجوم الذي تم على فندق راديسون بلو عام 2016 م ونتائج الهجوم، فانّ الأمر الأكيد أن روسيا والصين قد توصلتا الى النتيجة والرسالة الأمريكية والفرنسية، ليبقى السؤال هو حول الطريقة التي سيرد بها البلدان معاً، في ظل إعلان أفريكوم(القوّات الأمريكية في أفريقيا)لخطة خمسية من ليبيا بذريعة مقاتلة الإرهاب في شمال أفريقيا حيث المعني الجزائر ومالي وبجانبهما مصر وباقي دول المغرب العربي. وسيناريو العدوى الليبية، يتضمن نقل الصراع والقتال، إلى الجزائر، ثم إلى المغرب وموريتانيا، حيث هناك إسلام سياسي في ليبيا، جاء نتيجة وبسبب الإسلام السياسي الجزائري، الذي هو أشد تطرفاً بالأصل، وعبر استراتيجيات الاستدارة وإشعال حروب مذهبية وطائفيه وأثنية(عملية المسير خليفة حفتر الحالية تهدف الى دفع الإرهابيين إلى تونس والجزائر من جديد)، وجعل السعودية تستنهض القومية العربية السنيّة وبعض الشيعة العرب القوميون في مواجهة القوميّة الفارسية الشيعيّة، ومن شأن كل ذلك أن يغطي على المدى القصير على الأقل على مجمل منحنيات الوضع الداخلي المأزوم سياسيّاً واقتصاديّاً، وصراع داخل توليفة الحكم، وهروب إلى الأمام نحو الكارثة بسبب المتاهة اليمنية، والاّ كيف يقرأ إعلان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن خصخصة عدد من المؤسسات الحكومية الاقتصادية السعودية الناجحة، وبعد خمس سنوات وأكثر من الحرب والعدوان على اليمن العربي الشقيق؟ فما أعلنه هذا الأمير الشاب المتحمّس من الجيل الثالث لتوليفة الحكم في السعودية، يثير مروحة واسعة بالمعنى العرضي والرأسي من التساؤلات، على أعتاب تغير اقتصادي يجعل أفواه البعض مفتوحة من وجل لقادم من الأيام والشهور والسنوات!. بجانب فشل الرياض في جلّ الساحات الساخنة والتي ذكرناها سابقاً، ثمة رأي عام دولي صار يذهب إلى اتهام الرياض برعاية فكر إسلامي متطرف، انظروا إلى الصحافة الأوروبية كيف تتحدث عن حواضن الإرهاب في الداخل السعودي، كل ذلك جعل الرياض ترى أنّها تردد شعاراتها من دون صدى أممي وإقليمي. نجد أنّه ثمة تسارع انخفاض في أسعار النفط لاحقاً، تماماً كما حدث في بدايات عام 2016 م، حيث أفقد السعودية بعض أسلحتها الداخلية للحفاظ على تماسك حكمها، وهو المال وما أدراك ما المال، وهنا نتساءل السؤال التالي: قام الكونغرس بإقرار قانون برفع حظر تصدير النفط الأمريكي للخارج في عهد إدارة أوباما وما زال جاري في عهد ترامب، بعبارة أخرى في حال بدأ العملاق الأمريكي بتصدير نفطه إلى الخارج لاحقاً لإغراق السوق، كم سيصبح سعر برميل النفط أيتها الحكومة الأردنية مثلاً؟ ستصبح العربية السعودية أكبر مستهلك للنفط وأحد كبار المصدرين، من هنا نفهم ما أعلنه ولي العهد السعودي البدء بمشاريع الخصخصة لبعض القطاعات الحكومية السعودية الناجحة، لسد عجوزات الميزانيات القادمة، وقد تكون هذه مشورات أحد الاقتصاديين الأردنيين للرياض، والذي كان له دوراً واضحاً في خصخصة بعض المؤسسات الاقتصادية للدولة الأردنية اقتصادياً في مرحلة سابقة، وهو مقرب بعمق من العائلة المالكة السعودية، وتموضع في منصب الموفد الخاص للملك الأردني إليها – أقاله الملك منذ أشهر من منصبه. وصحيح أنّ الرياض في السابق استخدمت الفائض المالي النفطي الهائل لها في ترسيخ منظومة حكمها في الداخل عبر سلاح المال، ولكن مع تدني أسعار النفط لاحقاً(هندسات لسعر هذه السلعة الإستراتيجية وحسب مقتضيات الصراع الأممي)وتراجع العائدات، وتآكل المدخرات وارتفاع المديونية وبيع لبعض الاستثمارات السعودية في محفظة الاستثمار الخارجية للرياض، مع عجوزات هائلة في الميزانية، ظهرت الحاجة الملّحة لتوليفة الحكم السعودية لتعويض دور المال في تماسك منظومة الحكم، فتمّ دفع الرياض عبر الأمريكان بإيعاز من بلدربيرغهم، بفخ جديد إلى سلاح الفتنة المذهبية والتجييش الطائفي الأثني بأقصى درجاته، من حيث يعلموا أو لا يعلمون.وبالنتيجة هناك خياران لا ثالث لهما، أمام ما نصب وينصب من فخاخ أمام خطوط العلاقات الإيرانية السعودية، امّا الدخول في حروب مفتوحة سوف تتخذ طابعاً وجوديّاً، وستكون السعودية في مرمى الخصوم، حول نظام سياسي جديد وطريقة حكم ودستور سعودي جديد، وفي حالة الحرب سوف تتفكك المنطقة ككل، فالسعودية لديها وحديثاً صواريخ بالستية تطول العمق الإيراني، وإيران لديها قوّة عسكرية صاروخية رهيبة وبحرية كبيرة، وصحيح انّ طيرانها قد يكون محدود بالنسبة للطيران السعودي الذي يملك أكثر من أربعمائة طائرة مقاتلة وهجومية، فهناك فائض قوّة في عدد الطائرات السعودية، فعلاً انّه توتر القرن الحادي والعشرين.

*كتب: المحامي محمد احمد الروسان*

*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية*