محاولة استشرافية: قنبلة سيناء الدخانية

بقلم: عامر أبو شباب

لا شك أن أعز أمنيات إسرائيل هي التخلص من مليوني فلسطيني "مشاغبين ومنهكين" باتجاه مصر، فتضمن بقاءهم تحت سيطرة دولة قوية تضبط شرهم، لكن هذه الامنية اليمينة المتطرفة تصطدم بحقيقة لا تقبل الشك أن مصر لا تريد العودة الى ما قبل حزيران 67، لأنها تؤمن ضمن مبادئ أمنها القومي أن الاحتلال هو المسؤول عن الفلسطينيين وأن سبيل الاستقرار في المنطقة الوحيد هو انهاء الاحتلال وقيام دولة فلسطينية مستقلة على الحدود التي احتلت عام 1967 كخطوة أولى في المبادرة العربية، ورسختها منظومة دولية متكاملة من القوانين والمعاهدات.

 

وهم سيناء

فكرة النزوح الإجباري إلى سيناء او بسط السيادة المصرية على غزة بمقدار ما كنت حلم إسرائيلي الا أنها أصبحت من الماضي خاصة عندما أعلن وزير الدفاع المصري في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي قراره بعدم التصرف في المنطقة الحدودية بعمق 5 كيلو متر الا بموافقة جميع الأجهزة السيادية المصرية وفي مقدمتها الجيش المصري، صاحب هذا القرار هو رئيس مصر حاليا عبد الفتاح السيسي، والجيش المصري نفذ القرار بإقامة المنطقة العازلة بعمق 5 كيلو متر داخل مصر، يقابلها التزام اجباري من سلطة حماس بضمان وقف التهريب وضبط الحدود، ليصبح حلم إسرائيل في خبر كان تماما.

 

الجميع يدرك أن مخطط سيناء فشل في منتصف القرن الماضي، في ظروف عربية وفلسطينية أكثر ضعفا من الواقع الحالي، كما أن فكرة حرب إسرائيلية تدفع نحو هذه الخطوة يجب ان تكون عبر دخول بري في عدوان قد يمتد لأشهر أو سنوات، وهو أمر لا تريده إسرائيل أبدا، ولا تسعى له سلطة حركة حماس، وإن كان الجميع يضطر الى لعبة سياسة "حافة الهاوية" لتحسين الشروط التفاوضية فقط.

 

في التفكير السياسي لا يوجد أسود أو أبيض، بل توجد تفاصيل كثيرة في بيئة سياسية متحركة وشديدة التعقيد، لذلك يجد صانع القرار المصري نفسه وسط بحر رمال إقليمية محيطة متحركة، تتحرك فيها إسرائيل بمكر شديد وغطاء امريكي كامل، فضلا عن حدود ممتدة في ليبيا والسودان تحتاج الكثير من الجهود والاستقرار كي تصبح أمنة.

 

في غزة، مصر لا تحتاج الى تدخل عسكري لا مبررات له في ظل انصياع حركة حماس للشروط المصرية في المنطقة الحدودية، وعدم التدخل مقابل "تسهيلات مصرية" محسوبة تضمن استمرار الحياة في غزة دون السماح باستقرار نهائي يريح تل أبيب ويحبط مشروع توحيد الفلسطينيين.

 

هوس سياسي

اذن قنبلة سيناء الدخانية في الاعلام الأصفر، التي سمح لها بالنفاذ هو الإحباط العالي لدى الفلسطينيين في مسيرتهم للبحث عن وطن حر ومستقل، لكن في المقابل هناك ثوابت إسرائيلية أصبحت معلنة وواضحة أولها لا دولة فلسطينية، خاصة في الضفة الغربية حتى لو بدون سلاح ولا سيطرة حدودية، لأن اعتراف إسرائيل بدولة فلسطين، اعتراف جزء يمهد للمطالبة بالكل، وكل حديث عن حكم ذاتي أو روابط قرى في الضفة هو "هوس سياسي"، والحقيقة ان إسرائيل في مأزق بين خيارين إما ضم الضفة الغربية بسكانها وهذا أمر يشكل خطر أكبر، أو دفع الضفة نحو الأردن أو جلب سلطات أردنية للكتل السكانية على أقل من 25% من مساحة الضفة، وهو أمر ترفضه الأردن من الملك حتى أصغر طفل، وكذلك لن تقبل أي سلطة أو عشيرة إدارة سجن كبير يكون مسؤول عن ثلاثة ملايين في معتقلات منفصلة وبلا حدود ربية او بحرية او جوية.

 

بعد هذه القراءة يتضح أن تل أبيب ستعتمد خيار المراهنة على الزمن في سلب الأرض وزيادة المستوطنات، في الضفة الى حين استقرار واقع ديمغرافي يعمل لصالح إسرائيل على غالبية الأرض التي تسيطر عليها في المنطقة "ج"، وتغيير معادلة 30 مستوطن مقابل 100 فلسطيني الحالية، الى معادلة القدس الشرقية 70 مستوطن مقابل 100 فلسطيني، باعتماد نفس سياسات التضييق والضغط والتهجير المتبعة في القدس.

 

الانهاك والتطويع

أما في قطاع غزة ستواصل إسرائيل مراكمة سياسة الانفصال والانهاك والتطويع للمجتمع والفصائل وعلى رأسها حركة حماس الى حين إيجاد " قيادة سياسية معتدلة وواقعية" في قطاع غزة تقبل مستقبلا بنوع من الاستقلال في القطاع تحت ضغط الحاجة.

 

هذه القيادة المنتظرة ستحقق بمرور الوقت استقرار ونمو لتصبح واقع مقبول يمتلك الصفة السياسية عبر الانتخابات، ثم تدخل مستقبلا مفاوضات مقايضة الضفة التي إلتهمها الاحتلال بأرض شرق غزة لا تشكل خطر على إسرائيل المحمية بالبعد الجغرافي الواسع في النقب، ولا مانع من ميناء ومطار تحت اشراف الأمم المتحدة أو ممثل الرباعية الدولية بنفس صيغة ألية الأمم المتحدة لإعادة الاعمار وفرقها المتخصصة في الأمن والاقتصاد، أو بصيغة مطورة.

 

صفقة خاسرة

هذا الجزء من القراءة اعتمدت عليه "صفقة القرن" الأمريكية التي تقوم على فكرتين أساسيتين الأولى: الواقعية باعتماد الحقائق على الأرض. والثانية: الاقتصاد لإشغال وإنعاش الفلسطينيين خاصة المنهكين في غزة.

 

خطة تسمح لإسرائيل بالاستفادة من الوقت لاستكمال "الاحتلال الواقعي" عبر فرض الوقائع على الأرض، ويمنحها الهدوء الأمني الضروري لنجاح مخططاتها، ويزيد فرص التقارب الإسرائيلي- العربي عبر الشراكة الاقتصادية والتعاون الأمني ضد إيران.

 

احذروا

في المقابل سينال الفلسطينيون زيادة عدد العمال من الضفة داخل إسرائيل، ومشاريع اقتصادية متوسطة، وفي قطاع غزة استقرار اقتصادي، وبعض التسهيلات التي يوفرها الميناء والمطار الأمميين، وكثير من الوعود، التي ستجعلهم يكتشفون بعد ربع قرن مثلا، أنهم تورطوا في أوسلو جديد، أمام وقائع جديدة قد تعيد فتح الصراع مرة أخرى، لكن في ظل واقع جديد أكثر سوءا واحباطا، حينها إسرائيل ستكون قلعة محكمة ليس من السهل ايذاؤها او الضغط عليها، كما ستتغير أدوات النضال في عالم لن يقبل بمشاغبين جدد يؤثرون على مصالح اقتصادية وتجارية واسعة وتعاون أمنى عميق في منطقة التجارة والنفط، لذلك تعتمد هذه القراءة لبحث أصعب الخيارات ومعركة الزمن
من أجل انهاك الانسان الفلسطيني وعجز القيادة مما يستوجب الحذر.


* عامر أبو شباب - كاتب وصحفي فلسطيني