مصر جوهرة القضية الفلسطينية...

بقلم: عز عبد العزيز أبو شنب

على مدار أكثر من نصف قرن، لم تبخل مصر بالغالى والنفيس من أجل القضية الفلسطينية، وبذلت قصارى جهدها دون النظر لاعتبارات إقليمية أو دولية أو لحسابات شخصية، بل استغلت دورها الإقليمى ومشاركتها فى المحافل الدولية لدعم القضية، فالقاهرة تعتبر فلسطين جزءا لا يتجزأ من أمنها القومى.

فلا يمكن إغفال الدور التاريخى لمصر فى تحقيق المصالحة الفلسطينية، وسبل التسوية النهائية للنزاع الإسرائيلى - الفلسطينى. وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسى فى أكثر من لقاء على أن القضية الفلسطينية مازالت على رأس أولويات السياسة الخارجية المصرية، مشيرا إلى الجهود المكثفة التى تبذلها القاهرة للتوصل لحل نهائى بإقامة دولتين بما يسمح بالحفاظ على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وإحلال السلام، والاستقرار فى المنطقة.

لم تحاول مصر ( كما فعل العديد من الدول) أن توجد ذراعا لها فى منظمة التحرير الفلسطينية لتكون لسان حالها داخل المنظمة وينطق باسمها، بل تركت للفلسطينيين إدارة شئونهم بأنفسهم ونأت عن الانخراط فى الصف الفلسطينى بالطريقة التى تعوق النضال الفلسطينى وتفرض وصاية يمكن أن تكون مضرة أكثر ما هى نافعة، وبالإضافة إلى ذلك فقد احتفظت مصر طوال هذه العقود من النضال الفلسطينى المدعوم مصريا بنظافة اليد واللسان فلم تتلوث أيدى مصر بدماء الفلسطينيين قط، وكانت ترى دائما أن السلاح يجب أن يوجه إلى من يجب وليس إلى الأشقاء مهما كانت المزايدات.

وفى المرحلة الراهنة رغم ثقل أعباء مصر وخاصة بعد الثلاثين من يونيو، ورغم مواجهتها للإرهاب ومهمات بناء الدولة والاستقرار وترسيخ قواعد النظام الجديد، لم تتواني في خدمة القضية الفلسطينية، بل وجدت هذه القضية مكانتها الجديرة بها، فى الأجندة الوطنية واستعادت القضية فاعليتها وتصدرها للمشهد المصرى رسميا وشعبيا وحاولت مصر رأب الصدع الفلسطينى بين فتح وحماس ولا تزال، وحددت الخطوط العريضة لمعالجة الانقسام، وأبدت تأييدها المتوازن لمطالب معظم الأطراف فى إطار الحرص على الوحدة الفلسطينية التى تظل الناظم الأكبر والأوحد لفاعلية النضال الفلسطينى ومصداقيته على الصعيد الإقليمى والدولى.

والأهم من ذلك هو أن مصر فى دورها ومواقفها إزاء القضية الفلسطينية لا تستثمر هذه القضية كما يفعل العديد من الدول على الساحة الإقليمية لتعزيز مكانتها الإقليمية فى صراعات المنطقة أو تغذية مشروعاتها الإقليمية التى تستهدف تدعيم مصالحها وتعظيم مكاسبها، فمصر لا تمن على أحد بدورها ومواقفها بل تعتبر أن هذه المواقف جزء لا يتجزأ من واجباتها ومهماتها إزاء نفسها وإزاء أشقائها الفلسطينيين، وترى أن ما قامت به حتى الآن جزء مما يجب القيام به حتى ينال الشعب الفلسطينى حقوقه المشروعة وغير القابلة للتصرف وفق المواثيق الدولية ومبادئ القانون الدولى ووفق أسس حل الدولتين المستقر والمعترف به دوليا.

حرصت مصر فى كافة المراحل على أن تظل القضية الفلسطينية فى دائرة الضوء وألا تغيب عن مجال الإهتمام الإقليمى والدولى مهما كانت طبيعة المشكلات التى تواجه العالم وحتى عندما كانت مصر تعانى من مشكلات داخلية لم يغب عنها مطلقاً الهم الفلسطينى، وقد كان لعضوية مصر فى مجلس الأمن دوراً هاماً فى دعم القضية الفلسطينية فى أهم المحافل الدولية ولعل التحرك المصرى الأخير فى مجلس الأمن من أجل مواجهة القرار المجحف الذى إتخذه الرئيس الأمريكى ترمب بإعتبار القدس عاصمة لإسرائيل يعد خير مثال على قوة وحيوية التحرك المصرى فى هذا المجال.

وفى نفس الوقت كانت مصر حاضرة ومبادرة وهى تواجه أخطر القضايا الفلسطينية الداخلية وأعنى بها مسألة الإنقسام الفلسطينى فقد بذلت مصر جهداً خارقاً منذ عام ٢٠٠٧ لا تستطيع أية دولة فى العالم أن تبذله حتى وصلت إلى بلورة وثيقة مصالحة فلسطينية متكاملة وشاملة عالجت كافة قضايا الإنقسام وتم التوقيع عليها فى القاهرة فى الرابع من مايو ٢٠١١ وللأسف لم يتم تنفيذ هذه الوثيقة فى أعقاب نشوب ثورات الربيع العربى، ثم إتجهت مصر إلى إستئناف جهودها الناجحة مرة أخرى فى نهاية عام ٢٠١٧ وتوصلت إلى توافق مع كافة الفصائل الفلسطينية من أجل إقرار المصالحة وإنهاء أكثر من عقد من الزمن عاش فيه الفلسطينيون فى ظل إنقسام لعين، ولا زالت الجهود المصرية مبذولة ومتواصلة من أجل تطبيق إتفاقات المصالحة.

ان الدور المصري لم يقتصر على جهود ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، إذ يتعداه إلى دور تاريخي بأبعاد اجتماعية، وقانونية، وإنسانية، وسياسية، وثقافية، وأمنية.

فدور مصر العروبة كبير في القضية الفلسطينية، إذ أن الدولة المصرية والشعب المصري احتضنوا وأسسوا للعمل الفدائي الفلسطيني، وهنا نتحدث عن دور الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر الذي ساهم في تأسيس منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين.

لم تكتفِ مصر بتأسيس العمل الفدائي والنضالي الفلسطيني، إذ ساهمت في دعمه دولياً من خلال التنظير له من خلال الدبلوماسية المصرية، وجادت مصر بدماء أبنائها على ثرى فلسطين، وخيرُ شاهدٍ على ذلك قبور شهداء الجيش المصري في قطاع غزة.

أن مصر حافظت على الهوية الفلسطينية، عندما أصرَّت على عدم تجنيس الفلسطينيين اللاجئين، وذلك لعدم تذويب حق العودة، فالعلاقة بين مصر وفلسطين هي ثرى أرض ارتوي بالدماء المصرية دفاعاً عن عروبة فلسطين.

بقلم/ عز أبو شنب