حل الدولتين ليس أكثر من خطوة صغيرة

بقلم: عماد شقور

 
أنطلقُ في محاولتي تقديم وجهة نظري لما يجب أن تكون عليه السياسة الفلسطينية، في مواجهة "صفقة القرن" التي أعدها ويعدها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وادارته المعادية للحقوق الشرعية لشعبنا الفلسطيني، من قناعة راسخة لدي، بأن من يتنازل عن أي جزء ولو كان شبرا من أرض وطنه، او أي حق من حقوقه، مهما كان صغيرا، يفقد الحق الأدبي في كل أرض وطنه، وفي كل حقوقه المشروعة.
لكن الأخطر، وربما الأسوأ ايضا، من فقدان الحق الأدبي في العمل والنضال لتحقيق الأهداف الوطنية لاسترداد كامل حقوق السيادة، هو ان التنازل عن أي شبر من ارض الوطن، أو أي حق مشروع من الحقوق، يفتح شهية العدو، فيتكالب هذا ومعسكره (الأمريكي) عليه، ليسلبوه ما تبقى لديه، وليهضموا ما تبقى له من حقوق.
غريب عجيب هو أمر القيادات الفلسطينية، الشرعية منها والمتمردة عليها أيضا. يتحدثون عن "حل الدولتين" وكأنه الهدف الوطني الفلسطيني النهائي، بل وكأنه "سدرة المنتهى"، فيفتحون الباب على مصاريعه، وليس مصراعيه فقط، للتطاول على ما تبقى من ارض الوطن ومن الحقوق.
ليس عيبا، على الاطلاق، اعتبار الفلسطينيين، وقياداتهم، "حل الدولتين" هدفا وطنيا فلسطينيا جديرا بالنضال لتحقيقه باعتباره "اولاً"، وفقط اولاً.. لا غير. اما العيب، كل العيب، فهو اعتبار الفلسطينيين، وقياداتهم على وجه الخصوص، أن حل الدولتين هو الحل النهائي لقضيتنا الفلسطينية.
لم يكن هكذا الرأي الفلسطيني الوطني حول موضوع اتفاق اوسلو. إذ كان عنوانه موضوع "غزة اريحا اولاً". ولم يكن هكذا، اساسا، الرأي الفلسطيني الوطني من موضوع "النقاط العشر" للمجلس الوطني الفلسطيني في النصف الاول من سبعينيات القرن الماضي. إذ كان عنوانه "اقامة الدولة الفلسطينية على أي شبر من ارض فلسطين، يتم تحريره او انسحاب الاحتلال منه".
يبدأ الخلل في السياسة، بشكل عام، وفي السياسة الفلسطينية التي نحن بصددها، بشكل خاص، عندما يبدأ الخلط والضّياع والتّوَهان بين الهدف النهائي والاهداف المرحلية.
لا مبرر ابدا لأن يخجل الفلسطينيون ويخفون هدفهم النهائي: اقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية المستقلة على كامل ارض فلسطين، ويتساوى فيها في الحقوق والواجبات جميع مواطنيها، دون أي تمييز على الاطلاق بسبب العرق او الدين او الجنس، ودون أن يعني هذا الامر التنكر او عدم الأخذ في حسابنا، لما آل اليه الحال في العقود السبعة الاخيرة. على ان ما استجد من تواجد لملايين من اليهود الذين هاجروا او هُجّروا الى فلسطين، لاجئين اليها لاسباب معروفة تماما، لا يلغي، بأي شكل، حق شعبنا الفلسطيني في الحرية والاستقلال وتقرير المصير والسيادة على ارضه ووطنه.

هذه هي نقطة الانطلاق في كل عمل وطني فلسطيني. سواء كان ذلك في الكفاح المسلح، او النضال السلمي، او الحوار في المحافل والساحات الدولية، او المفاوضات مع العدو. وسواء كان ذلك على الارض او في الساحة الوطنية او القومية او الدولية. ثم، من نقطة الانطلاق الاستراتيجية هذه، يصبح من الضروري الانتقال الى الخطوات التكتيكية التي تتوالى وتتابع متقدمة نحو نقطة الانطلاق الاولى، والتي قد تستدعي تركيزا، بل وربما إلحاحا ايضا، في هذه المرحلة او تلك، على هذا الهدف المرحلي او ذاك. أما ان يتحول السعي الى تحقيق أي هدف مرحلي في ذهن من يتولى القيادة، ويجلس على كرسي المسؤولية الوطنية، وكأنه تحقيق للهدف الوطني النهائي، فذلك تصرف منبوذ، وسياسة خاطئة، وعمل يستدعي المحاسبة.
لا يوازي ويساوي ضرر من يرفع شعار "يا كُلّها.. يا بلاها" دفعة واحدة، الا ضرر من يرى في هدف مرحلي هدفا نهائيا.
نعم، هناك مبرر للحذر وللخوف مما قد تحمله لنا الايام المقبلة من مخاطر ومصاعب وعناء. لكن لا مبرر لليأس. في سنة النكبة 1948، كان عدد الدول المستقلة الاعضاء في هيئة الأمم المتحدة بضع عشرات فقط، اما اليوم فان عدد الدول الاعضاء في تلك الهيئة يناهز المئتين، واستقلت جميع هذه الدول الجديدة العضوية، وتخلصت من نير الاحتلال والاستعمار. وفي سنة النكبة نجحت الحركة الصهيونية الاستعمارية العنصرية في طرد وإجلاء مئات الآلاف من ابناء شعبنا الفلسطيني الى دول اللجوء والمنافي. وفي حرب حزيران/يونيو 1967 تم طرد وإجلاء عشرات آلاف من شعبنا من ارض فلسطين، وألحقت إسرائيل بذلك مئات ممن ابعدتهم. وبعد اوسلو ابعدت إسرائيل 54 من قيادات وعناصر حركة حماس، تمكنت منظمة التحرير الفلسطينية من ارغام إسرائيل على اعادة من رغب من هؤلاء المبعدين الى بيوتهم ومخيماتهم في فلسطين. هكذا هي الصورة المتغيرة تماشيا مع ما هو عليه العالم من تغيرات جذرية في الواقع الذي يتغير بسرعة غير مسبوقة على الغالب الاعم من الاصعدة.
هل هناك احتمالات لمآس فلسطينية مقبلة؟ نعم!. لكن ما هي حدود ذلك؟، وما هو الممكن حدوثه بعدها؟.
أسوأ الأسوأ، وهو أكثر بكثير من ان تستطيع إسرائيل (وأمريكا ترامب) فعله، هو، اطلاق حملة من جيش الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي، وقطعان دواب مستعمريه/مستوطنيه المدججين بالسلاح، لقتل مئة ألف فلسطيني في الضفة وقطاع غزة، وربما داخل "الخط الأخضر" (!). ولو زادوا على ذلك طرد مليون فلسطيني الى مصر، ومليون فلسطيني الى الاردن، ومليون فلسطيني الى سوريا، ومليون فلسطيني الى لبنان، (!!!!!). ثم: ماذا عن ثلاثة ملايين فلسطيني آخرين بين البحر والنهر؟؟.
بقي في "دولة إسرائيل"، داخل خطها "الأخضر" سنة 1948، مئة وخمسين الف فلسطيني، اصبحوا الآن اكثر قليلا من مليون ونصف مواطن. تمكنت إسرائيل من ابتلاعهم، لكنها عجزت، (او قل "رفضت" بسبب عنصرية الحركة الصهيونية اليهودية)، عن هضمهم. اما في سنة 1967، وبسبب حرب حزيران/يونيو، فبقي داخل "امبراطورية إسرائيل" من اصبح عددهم الآن نحو ستة ملايين فلسطيني، لم تنجح إسرائيل، (ولن تنجح)، ليس فقط في هضمهم، بل ولا حتى في ابتلاعهم.. وكانت آخر "تقليعات" إسرائيل، (زمن زعيمها شارون)، ان قذفتهم، وربما ان الأصح القول: انقذفت من قِطاعهم.
ليس في كل ما تقدم ان يقلل من خطورة مخاطر، (واحتمالات مخاطر)، ما تحمله الأيام المقبلة من احداث ومآسٍ ومؤامرات، مشوبة، (ويا للعيب)، باستقطاب قيادات عربية موبوءَة.
لنكن صريحين. على رأس هرم الشرعية الفلسطينية يتربع، (منذ زمن طويل طال)، الاخ الرئيس محمود عباس، ابو مازن. مصلحته الشخصية تحقيق انجاز متمثل باقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة على جزء من ارض فلسطين، وعاصمتها القدس العربية، (او قل الشرقية). هذا حقه. وواجبنا كوطنيين فلسطينيين ان ندعمه وندعم توجهه وطموحه هذا، ليسجل له التاريخ ذلك، كما سجل للرئيس المصري، انور السادات، استعادة شبه جزيرة سيناء: بالحرب، (في اكتوبر/تشرين الأول 1973)، وبالمفاوضات، (كامب ديفيد)، وطابا، (بالتحكيم الدولي).
هذا حق للرئيس الفلسطيني علينا نحن الفلسطينيين. ولكن حقنا عليه، ان لا يلزمنا باعتبار حقه هو "سدرة المنتهى" وانتهاء المطالب.
ثم، واخيرا، كيف يجدر بنا أن نتصرف؟.
أن نتخوّف: نعم.
أن نأخذ حذرنا: نعم.
أن نتيقّظ: نعم.
أن نيأس: لا.. الف لا.
حقوقنا مشروعة. حقوقنا معروفة. وزمن نتنياهو والعنصرية الصهيونية محدود. زمن دونالد ترامب ورعونته محدود. اما زمن شعبنا الفلسطيني، وحقوقه الطبيعية الشرعية البديهية، فهو الذي لا نهاية له.
في النهاية: لا يصح الا الصحيح.

  عماد شقور

كاتب فلسطيني